مفهوم الكلمة ومعناها المادي والمعنوي كلمة “ضرب” نموذجاً

الكلمة في اللسان العربي لها مفهوم علمي ثابت نتيجة ترتيب أصواتها لا يتغير يحكم كل استخدام الكلمة ثقافة، ومعنى الكلمة هو ما يقصده المتكلم منها حين استخدامه لها وفق سياق معين فيظهر المعنى المادي وهو تعلق المعنى بشيء حقيقي له وجود خارج الذهن أو ممكن وجوده، ويظهر المعنى المعنوي وهو تعلق المعنى بشيء غير مادي ولا وجود حقيقي له وإنما هو شعور أو موقف نفسي أو سلوك .

إذا ؛ لدراسة الكلمة العربية ينبغي أولاً ارجاعها لجذرها الثلاثي أو الثنائي،و تحليل أصواتها المبنية منها وفق ترتيبها ذاته و تحديد مفهوم الكلمة علمياً، وبعد ذلك الانتباه إلى الكلمة محل الدراسة هل أتت بصيغة الفعل الثلاثي أم صيغة الفعل الرباعي، ودراسة الكلمة بمحلها وفق سياقها دون عزلها وحدها مع إسقاط الكلام على محله من الواقع فيتحدد معنا فوراً أن الكلمة أتت بمعنى مادي أو معنوي.

لننظر مثلاً كلمة ضرب.

ضرب :

ض: صوت يدل على حركة دفع شديدة جداً جداً.

ر: صوت يدل على حركة تكرار حصول الشيء.

ب: صوت يدل على حركة جمع مستقر.

اجتماع هذه الأصوات الثلاثة بهذا الترتيب يوصلنا إلى المفهوم العلمي لكلمة (ضرب) وهو دفع شديد جداً مكرر منتهي بتجمع مستقر نهاية، وبعد تحديد المفهوم العلمي ننتقل إلى المستوى الثقافي الفكري الفلسفي للكلمة من خلال السبر والتقسيم لاستخدامها في القرءان والواقع المعيشي للناس مع استحضار المفهوم العلمي للكلمة فنصل إلى المفهوم الثقافي لكلمة (ضرب)، لنرى ذلك

– ضرب الفلاح ساق الشجرة بفأسه، فعل ضرب ثلاثي متعدي إلى مفعول به يقع الفعل عليه، والسياق ومحل الكلام من الواقع  يحددان أن فعل ضرب  أتى بصورة المعنى المادي، وظهرت الحركة المندفعة بشدة وقوة  وتكرار المنتهية بتجمع مستقر في ساق الشجرة.

– ضرب الله مثلاً للناس، فعل ضرب ثلاثي متعدي إلى مفعول به، والسياق ومحل الكلام يحددان أن فعل ضرب أتى بصورة المعنى المعنوي، وظهرت الحركة المندفعة بقوة وشدة من خلال عرض المثل للناس وجعلهم يفكرون فيه ويتأثرون بمفهومه وما يدل عليه وهذا يجعلهم يكررون التفكير فيه ليصلوا إلى معنى مجتمع مستقر في قلبهم.

فنلاحظ أن المفهوم الثقافي لفعل ضرب بصورتيه المادية والمعنوية ظهر معنا بصيغة : إيقاع شيء على شيء بقوة يترك فيه أثراً  مجتمعاً مستقراً.

لننظر صيغة الفعل الرباعي كيف تأت.

أضرب: فعل رباعي مزيد وجذره هو الفعل الثلاثي (ضرب) وهذا يدل على أن مفهوم كلمة ضرب العلمي والثقافي يحكمان صيغة الفعل الرباعي، ولكن هل معنى الفعل الرباعي هو ذاته الفعل الثلاثي، والجواب هو القاعدة التي تقول: (أي زيادة أو تغيير في المبنى هو زيادة وتغيير في المعنى) والزيادة في فعل ضرب الرباعي هي صوت الألف في بدء الفعل، لنلاحظ ماذا فعلت هذه الألف في معنى فعل ضرب عندما دخلت عليه.

– أضرب العمال عن العمل احتجاجاً على طول ساعات العمل، نلاحظ أن فعل أضرب رباعي وأتى بصورة المعنى المعنوي كونه تعلق بموقف ولم يتعلق بشيء مادي محسوس، والسياق ومحل الكلام من الواقع حدد أن فعل أضرب هو فعل لازم للفاعل لم يتعداه للغير وهو اتخاذ موقف شديد جداً مكرر مجتمع باستقرار في نفسه يمنعه من العمل، وهذا يدل على أن الألف التي دخلت على الفعل الثلاثي غيرت اتجاه الفعل من متعدي للغير  مثل ضرب إلى لازم للفاعل نفسه مثل أضرب، وهذا التغيير ليس شرطاً دائماً من التعدي إلى اللازم، بل يمكن العكس من اللازم إلى المتعدي، مثل نام زيد، فهذا فعل لازم، أنام زيد طفله، هذا فعل متعدي، و لاحظوا أن مفهوم فعل ضرب العلمي والثقافي حاضران ويحكمان دلالة فعل أضرب. نأت الآن لنص:

{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً }النساء34

فعل اضربوهن من فعل الأمر اضرب والماضي له هو ضرب  الثلاثي.

ينبغي الانتباه من هيمنة استخدام الفعل بمعنى شائع بين الناس يفرض ذاته بداية على ذهن الباحث فيضل ويتأثر به فيقول هو المعنى المراد من الكلام، بل؛ ويتجرأ ويدعي أن المعنى واضح لا يحتاج لنقاش أبداً، ويظن أن صراخه وضجيجه واستعانته بعامة الناس وما شاع فيهم  هو برهان على فهمه السطحي ، بل إن أحدهم يقول لو سألت ابني الصغير لعرف أن معنى فعل ضرب هو المعنى المادي، وهذا يقع فيه معظم الباحثين ويخرجون بأفهام عامية  طفولية يعدونها دراسة للنص القرءاني.

فعل ضرب كما عرفناه ثقافياً هو إيقاع شيء على شيء بقوة وشدة يترك فيه أثراً.

هل أتى فعل ضرب  للنساء في النص بمعنى مادي أم معنى معنوي؟

لننظر إلى سياق النص ومحل الكلام من الواقع، فنلاحظ أن النص يتعلق بعلاقة الرجل مع زوجته، ولا يتكلم عن حرب وقتال وضرب بين المقاتلين، وإنما يتكلم عن علاقة إنسانية  مبنية على الحب والسكن والألفة والمودة، ويُراد لها الاستمرار ،

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الروم 21، فهل مثل تلك العلاقة يكون فيها دلالة فعل ضرب بمعنى مادي مثل المعنى في الحرب والقتال؟ أم ضرب بمعنى معنوي مثل ضرب الأمثال؟

من الذي يحدد صورة فعل ضرب مادية أم معنوية؟

الذي يحدد صورة فعل ضرب هو السياق ومحل الكلام من الواقع ، والمنظومة التي تحكم فهم المتلقي للخطاب.

هل واقع حياة الرجل وزوجته هي ساحة حرب وميدان معركة حتى يكون دلالة فعل ضرب بصورة مادية؟

هل طبيعة العلاقة بين الرجل وزوجته قائمة على الكراهية و البغضاء والعدوان حتى يكون فعل ضرب بمعنى مادي؟

هل الزوجة عند الزوج هي بمثابة  كائن بهيمي حتى يكون دلالة فعل ضرب بصورة مادية؟

هل الرجل وزوجته في حلبة ملاكمة حتى يكون دلالة فعل ضرب بصورة مادية؟

هل المقصد من الضرب هو قطع العلاقة وإنهائها حتى يكون بصورة مادية أم المقصد هو الإصلاح والاستمرار؟

هل محل العلاقة والتخاطب والتفاهم بين الرجل وزوجته هو جسمها فقط حتى يكون معنى ضرب بصورة مادية؟

هذه الأمور كلها وغيرها هي قرائن تحدد أن المعنى لفعل ضرب في النص هو معنوي وليس معنى مادياً قط، وما ينبغي أن يكون كذلك .

والمعنى المعنوي لفعل ضرب بالنص هو توجيه كلام قاسي  وليس فاحشاً ولاشتماً إنما هو نصائح وتوعية ومعاتبة وتوبيخ ومرافقته بموقف شديد ممكن يتحول لإضراب في العلاقة مع المرأة يؤثر بنفسية المرأة وتفكيرها ويجعلها تراجع موقفها وتعود لوعيها وزوجها وأسرتها وتدخل في العرف الأسري والاجتماعي.