كان أساس بيت الله الحرام موجوداً قبل إبراهيم ولكنه اندثر، وتهدم بسبب عوامل بيئية، ونتيجة إهمال الناس له، اقرأ قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} ( آل عمران 96 )،وعندما قدم النبي إبراهيم إلى هذا الوادي، كان يعلم بوحي من الله أن هذا المكان فيه بيت الله الحرام، اقرأ قوله تعالى: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} (إبراهيم 37 )، ولم يكن البيت قد ارتفعت قواعده بعد، وبعد مضي فترة زمنية أمر الله إبراهيم برفع قواعد البيت، وإظهاره على سطح الأرض، فاستجاب النبي إبراهيم، وساعده النبي إسماعيل في تنفيذ أمر الرب، اقرأ قوله تعالى : {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } ( البقرة 127 ).
وبعد أن انتهى من البناء، أمره الله أن يُؤذّن في الناس بالحج إلى بيت الله الحرام، فقال: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ } ( الحج 27 )
والسؤال الذي يفرض ذاته هو، ألا يشمل الأذان بالحج إسحاق ابن إبراهيم ؟ ويعقوب ابن إسحاق ؟ ويوسف ابن يعقوب ؟ أليسوا أولى بالاستجابة من الناس الآخرين؟ والجواب معروف، هم أوَّل من استجاب لنداء أبيهم إبراهيم – طاعة لله -، ما يدل على أن جميع الأنبياء والرسل قبل النبي إبراهيم، كانوا يحجُّون إلى بيت الله الحرام، بدليل وجود قواعد البيت، وبعد أن رفع إبراهيم القواعد، عاد الأمر إلى ما كان عليه من توجه الأنبياء والرسل إلى حج البيت، فالنبي موسى وأتباعه، و النبي عيسى وأتباعه، وغيرهم من المسلمين كانوا يحجون إلى بيت الله الحرام، اقرأ قوله: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } (القصص 27 )، وهذا العرض مُوجَّه إلى النبي موسى من والد زوجته للعمل عنده، لاحظ استخدام كلمة (حِجَج ) وهي جمع لكلمة (حِجّة )، وذلك لا يكون إلا لبيت الله الحرام، اقرأ قوله تعالى:
{فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } ( آل عمران 97 )
لذا؛ لا يوجد على كوكب الأرض مركزاً للحج إلا بيت الله الحرام، وجميع الناس، وأتباع الأنبياء والرسل على الخصوص معنيون بذلك، وما ينبغي منع أحد من الحج إلى بيت الله، سوى من منعهم الله نفسه. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } ( التوبة 28 )
وهذا الكلام يدل على نفي الحج عن أي مكان، أو مسجد سوى إلى بيت الله، وكذلك نفي القبلة في الصلاة عن أي مسجد، أو جهة؛ سوى إلى المسجد الحرام، وهذا الأمر معروف لجميع الناس، منذ بدء الخليقة.
وهذا يدل على كذب اليهود والنصارى؛ و خطل رأي أحبارهم حين اتخذوا القدس،أو نجماً في الشمال، أو شروق الشمس؛ جهة للقبلة، أو للحج، فهذا ليس من دين الله أبداً.