http://www.startimes.com/f.aspx?t=8229272

صفحات من تاريخ الاقوام واللغات العاربة

اطلق المستشرق النمساوي شلوتزر في سنة 1781 ميلادية مصطلح الساميين على العبريين والعرب والاراميين والاحباش والانباط وغيرهم من الاقوام التي هاجرت من الجزيرة العربية بسبب ظهور مناطق جفاف نتيجة التصحر الذي كان يتفاقم لانحسار الجليد الى الشمال نهاية العصر الجليدي الثالث ،ومن الممكن ان تكون ازمان هجرات تلك الاقوام قد حدثت بالتاكيد قبل عشرة الاف سنة لان مناخ الجزيرة في ذلك التاريخ كان مقاربا لمناخها اليوم ، أي كثير الجفاف ..

ولهذا فان علينا ان نفترض ان هجرات سكان الجزيرة العربية قد تغلغلت في بلاد الرافدين وبلاد الشام وفلسطين ومصر ، على الاقل ، قبيل ذلك التاريخ التقريبي وبشكل متتابع كلما ازداد التصــحر وباتجاهات متعددة ، شمالا وشرقا وغربا ..

ويبدو، بناء على ذلك ، ان اللهجات ازدادت تباعدا منذ ذلك الحين وتطورت الى لغات شيئا فشيئا قبل ان تنتشر في في بلدان الهلال الخصيب لانها عندما دخلت تلك البلدان كانت قد وصلت فعلا الى مرحلة اللغات ..

نعود فنقول ان تسمية اللغات السامية ، التي اطلقها شلوتزر ، جاءت بناء على تشابه لغات تلك الاقوام وفق ما جاء في شجرة الانساب وسفر التكوين / 10/ في العهد القديم ، من ان تلك الاقوام تنحدر من سام ، وهو احد ابناء نوح ( عليه السلام ) الثلاثة : سام وحام ويافث .. وشاعت هذه التسمية منذ اواخر القرن الثامن عشر وحتى الان ، رغم ما فيها من قصور في الدلالة واللبس وافتراض سلسلة من النسب لايعلم الا الله صدقها ..

وقبيل الحرب العالمية الثانية وبعدها اكتسب مصطلح الساميين معنى سياسيا جديدا ، حيث اطلق على اليهود خاصة وصارت عبارة العداء للساميين تعني العداء لليهود ، فزادت التـــــــــسمية لبسا ..

ان عدم دقة هذه التسمية يتمثل في انها تعد العيلاميين من سلالة سام ، وكذلك الكوشيين ، وهم من سلالات اخرى ، فالعيلاميون هم من الشعوب الهندو اوربية ، والكوشيون هم من الشعوب الزنجية الافريقية ، ولعل الذي اوهم كتاب العهد القديم هو ان العيلاميين كانوا يستعملون الخط المسماري الاكدي ، وقد اختلطوا باهل العراق وجزيرة العرب .. اما الكوشيون فان منهم الاحباش الذين يتكلمون باحدى اللهجات اليمنية القديمة وبخط مشتق من خطها المسمى المسند ..

اما العلماء والاثاريون والمختصون في العراق والوطن العربي فان بعضهم يميل الى تسمية اللغات السامية باسم يمثل اصولها التاريخية وموطنها الاول ، الذي يجمع الباحثون على انها جميعا كانت تشترك فيه ، وما زال بعضها يعيش فيه ، ونعني جزيرة العرب وما أثر من تسميات متعارف عليها لشعوبها الاولى التي كانت تسكن جزيرة العرب ، وفي مقدمتها العربية الشمالية والعربية الجنوبية بلهجاتها المختلفة ، ، وبناء على هذا فان هؤلاء العلماء والاثاريين والمختصين ومنهم الدكتور عامر سليمان من جامعة الموصل والدكتور خالد اسماعيل من جامعة بغداد والباحث عبدالوهاب الجبوري من كلية الاداب / جامعة الموصل ، كانوا قد اقترحوا اسم شعوب العاربة ولغات العاربة او العاربية ، والعاربة هم الذين يشير اليهم العلماء العرب في صدر الاسلام بانهم سكان الجزيرة الاوائل مثل : طسم وعاد وجديس وثمود وارم ، في حين اقترح المرحوم الاستاذ طه باقر والاستاذ المرحوم سامي الاحمد من جامعة بغداد ان تسمى هذه اللغات باللغات الجزرية ، نسبة الى شبه جزيرة العرب ، وهي تسمية جغرافية في الاساس ولكن يفهم منها في كتب التراث عادة النسبة الى جزيرة ابن عمر الفراتية وليس الى جزيرة العرب باكملها ، واقترح فريق اخر ان تسمى اللغات السامية باللغات العربية القديمة ، وهي تسمية جيدة اذ تشير الى الموطن الاول للغات وهو جزيرة العرب ، كما تؤكد قدم اللغة العربية ، ولكن من العسير اطلاقها على بقية اللغات التي تختلف عن العربية القديمة والحديثة التي نعرفها ، فكيف تكون الاكدية واللغة الفينيقية لغة عربية قديمة وكذلك العبرية والارامية وكيف نصنف اللهجات العربية القديمة كالصفوية والثمودية ..وهناك اسباب اخرى غيرها تشير الى عدم دقة هذه التسمية سنتطرق اليها في دراسة لاحقة انشاء الله ..

الموطن الاول للغات العاربة

اما الموطن الاول لهذه اللغات فقد اختلف العلماء في هذا ، فمنهم من قال ان جزيرة العرب هي الموطن الاول ومنهم من ذهب الى اعتبار العراق هو الاصل وفريق ذهب للقول ان سيناء او شمال افريقيا هي المنشا او اخيرا بلاد الشام ..

واذا تاملنا موطن هذه اللغات ، من بدء العصور التاريخية حتى الان ، نجد انها تنتشر في جزيرة العرب كلها وفي اطرافها وفي العراق وبلاد الشام وفلسطين وسيناء وفي ساحل افريقيا الشرقي في الحبشة ، وبناء على هذا الانتشار يمكن تعيين الحدود الجغرافية لهذه اللغات ، على الاقل في العصور التاريــــخية بانها جزيرة العرب ،،، اما في عصور ما قبل التاريخ فلا نعلم ، من كان سكان الجزيرة الاوائل ..

كانت الجزيرة ، المكان الذي انطلقت منه الهجرات نحوالاطراف ، ومنها هجرة الاكديين ، الذين تذكر نصوصهم انهم من بلاد تلمن ( دلمن ) وايد ذلك الدراسات والحفريات التي اجريت في البحرين والتي اثبتت انها هي المقصودة بتلك التسمية القديمة ، ومنهم الاموريون ، الذين نزحوا الى فلسطين وما جاورها ، وكذلك العبرانيون الذين تروي التوراة ( التي بين ايدينا ) ان موطنهم الاول كان اور الكلدانيين في جنوب العراق ، ومنهم الاراميون او كما يسميهم المؤرخون العرب بقوم ارم ، او ارمانيين ، الذين تنتشر كتاباتهم واثارهم شمال الحجاز وفي تيماء ثم في بلاد الشام وربما كان منهم بعض القبائل الثمودية ..

وبعد انتهاء هذه الهجرات بقي في جزيرة العرب عرب الشمال ، العدنانيون ، كما تروي كتب السلف ، وعرب الجنوب ، القحطانيون ، وبخلاف ذلك فليس لدينا اخبار عن حدوث هجرات من اطراف الجزيرة اليها ..

فدان ارام دمشق

ارام اسم جمع لولايات شتى في سوريا الجنوبية وفدان ارام هي المنطقة الجنوبية المحيطة بحاران في شمالي مابين النهرين … اما فلسطين فكان الاسم المصري القديم لها(سوريا ولبنان) هو رتنو اي البلاد الاجنبية واول ذكر لكلمة كينا او كنهانا يظهر في الواح تل العمارنة في القرن الخامس عشر ق. م وهذا الاسم يشير الى غرب الاردن وضمن ذلك سوريا ..

ويشير الاشوريون اليها(بارض عمري) كما كانوا يستخدمون عبارة ارض حيثي اي ارض الحيثيين للاشارة الى كل الشام ومنها فلسطين وقبرص ..

والاراميون شعب عاربي او جزيري استقر في منطقة الهلال الخصيب وبلاد ما بين النهرين في تاريخ قديم قد يكون القرن السادس عشر (ق.م) … وقد ترافقت هجرة الاراميين مع هجرة العبرانيين الذين استقروا في فلسطين … وقد ورد اول ذكر لهم في الحوليات الاشورية – البابلية منذ المائة الرابعة عشرة ق. م باســم ارم ( أ خ ل م ) وفي العهد القديم في القرن الرابع عشر ق.م باسم ارم(سفر الايام الاول 18 : 5-6) وسفر عاموس (1: 3-5) وجاءت هذه الكلمة في التوراة مضافة الى عدة اماكن يراد بها مستوطن او قبيلة او ارض عالية وان مصطلح ارام النهرين يقصد به على ما ورد في التوراة الاقسام الشمالية من العراق وهي دويلة اسسها الاراميون في نهاية القرن الثالث عشر ق.م ولما ترجم اليونانيون التوراة الى اليونانية اطلقوا عليها اسم (ميزوبوتاميا) اي بلاد ما بين النهرين وبحسب الرواية التوراتية اتى معظم الاباء اليـــــود من هذه المنطقة …

وتقرر التوراة ان الاراميين ينتسبون الى ارام بن سام بن نوح وان ثمة صلة عميقة بينهم وبين العبرانيين (تكوين 10/22) ..

بدا الاراميون يستقرون في منطقة الهلال الخصيب مع ضعف الدولة الاشورية في القرنين الحادي عشر والعاشر ق.م وانهيار الامبراطورية الحيثية وانتشروا شرقا وغربا واسسوا سلسلة من الدويلات الصغيرة او المدن / الدول اهمها فدان ارام التي حظيت بمكانة بارزة في التراث العبري ، كما كثر ذكرها في كتاب العهد القديم وراح كتاب التاريخ العبري يذكرون ان اجدادهم كانوا من الاراميين وانهم عاشوا في مدينة حران (عاصمة فدان ارام) زمنا طويلا قبل ان يستقروا في فلسطين .. وقد تالق نجم هذه الدولة في الفترة من القرن العاشر الى القرن الثامن ق.م حيث وقفت من العبرانيين والاشوريين موقف الند للند بل بدات تغير على املاك الاشوريين في الشمال وعلى املاك العبريين في الجنوب ..

وفي عهد النبي داؤود (عليه السلام) سنة 1000 ق.م كانت الدويلات الارامية المنتشرة في الاراضي السورية الى داخل حدود فلسطين هي ، بالاضافة الى فدان ارام دمشق او (كما تسمى ايمريشو) وعاصمتها الشام وهي دمشق ،مملكة جشور بين اليرموك ودمشق وبيث اغوشي في حماة وعاصمتها ارفاد ومركزها جوران ، هذا عدا دولتي حلب وكركميش (طرابلس حاليا) ..

وفي الشمال الغربي من سوريا اقام الاراميون دويلة في سمأل واسموها (بعودي) تقع اطلالها اليوم عند جبل امانوس غربي تركيا وتعرف باسم زنجرلي وارام صوبا في البقاع وارام بيث رحوب على ضفاف اليرموك وارام معكا في منطـــقة جبل حرمون وغيرها ، لكن النبي داؤود (عليه السلام) تغلب عليهم في بداية الامر وهزم دولة ارام دمشق عام (980 ق.م) ثم عاد الملك رزين الاول الى الحرب مع النبي سليمان (عليه السلام) وفرض سيطرته على معظم الدويلات الارامية ..

وبعد انقسام المملكة العبرانية كان ملوك الدولتين العبرانيتين (الشمالية والجنوبية) يتنافسون في التقرب من بلاط دمشق .. فقد اهدى ملك المملكة الجنوبية ملك دمشق (بن هدد) كثيرا من كنوز الهيكل .. واستمر الصراع بين الاراميين بزعامة مملكة ارام دمشق والمملكة الشــــــــــــــــــمالية فترة تزيد علـــــــــى قرن (900 – 790 ق. م ) وقد تحالف ملك دمـــــــــــشق بن هدد(853-845) ق.م مع ملك المملكة العبرانية الجنوبية ضد المملكة الشمالية ..

ووصلت الدولة الارامية في ارام دمشق الى قمة نفوذها في عهد ملكها حزائيل(841-838) ق.م الذي وسع حدود دولته وضم قسما من الاراضي الفلسطينية تحت سيطرته ومنها جلعاد والجليل والاردن واصبحت المملكة الشمالية امارة تدين بالتبعية لملك ارام دمشق وظلت تدفع الجزية حتى عام 875 ق.م حينما سطع نجم اشور ..عندئذ كون بن هدد حلفا كبيرا من (12) اميرا وانضم له ملوك المملكتين العبرانيتين ، كما اشترك ملك حماة ودخلت المدن الفينقية في التحالف والتقوا جميعهم في معركة قرقر عام 853 ق.م التي لم تكن نتيجتها حاسمة وتراجع الاشوريون بعدها ..

في عام 805 ق.م حاصر الاشوريون دمشق واجبروا ملوكها على دفع الجزية واستغل ملوك المملكة الشمالية الفرصة لاستعادة بعض المناطق التي كانت ارام دمشق قد احتلتها من قبل وذلك بالتحالف معها مرة اخرى عام (738) ق.م ضد اشور.. لكن الملك الاشوري تجلات بلاسر الثالث جرد حملة عليها عام (733 – 732 ق.م ) فنهبها وهاجم سكانها وانهى وجودها كدولة مستقلة واحتل سرجون الثاني حماة عام (720 ق.م ) وبذلك انتهى الحكم الارامي في جميع المناطق السورية والفلسطينية سنة (710 ق.م ) بعد سقوط دولة سمأل على يد القوة الاشورية ..