تدريب على تدبر نص  عرض الأمانة ومفهوم الجبال

الأخ زيد المحترم
القرءان والواقع صنوان لا يفترقان، أحدهما صيغ بلسان عربي مبين، والآخر خُلق عربياً ، والتطابق بينهما ضرورة علمية وإيمانية، والواقع هو الذي يُعطي مصداقية للنص القرءاني، والعلم الإنساني علم متنامي محدود القدرات والأدوات ، وصفة القصور العلمي والمعرفي صفة لازمة للإنسان كجنس، ولن يصل إلى سقف المعرفة أبدأً طوال حياته، وهذا يعني أنه سوف يبقى يسأل: كيف؟ ولماذا ؟على صعيد الواقع والقرءان( آفاق وأنفس) معاً، وكل جواب يصل إليه يكون نسبياً حسب أدواته ومستواه العلمي، ويأتي المجتمع اللاحق ويرتقي بالجواب تعديلاً أو نسخاً، وأيضاً حسب المستجدات المعرفية، ولا يشعر إنسان اليوم أن ذلك القصور المعرفي فيه عن كثير من القضايا يُشكل عائقاً عن الاستمرار في التقدم والدراسة بالاعتماد على ما وصل إليه ولو كان نسبياً لأن ليس له خيار آخر، إما العلم النسبي ،أو الخرافة والسحر والدجل.
ودراسة أي مسألة من الواقع أو القرءان لابد من استحضار المنظومة التي تحكم الوجود ، ومن خلالها وبها ندرس الكليات والجزئيات ، وأي دراسة لا تعتمد على المنظومة العامة والكلية تكون دراسة قاصرة والنتائج وهمية أو باطلة ، وهذا واضح لكل من يقوم بالدراسة الجزئية المنفصلة عن منظومتها يرى نفسه وصل إلى أمور مضحكة ،وأحياناً مبكية عندما يصدقها أو ينشرها على الناس ويضلهم، مثل الذي يأخذ بجملة ( فويل للمصلين) أو جملة ( فانكحوا ما طاب لكم) !!!!
ولنأتي إلى تحليل النص كمبنى ليس أكثر حالياً.
– نلاحظ أن المتكلم ليس الله، وإنما الملائكة المسئولة عن الموضوع بدليل ضمير الجمع( إنا عرضنا..).
– عرض كلمة تدل على بُعد في الشيء مكرر منته بدفع شديد جداً، ومنه العرض الذي يقابل الطول، وكذلك عرض الأمر أو الأشياء إذا قدمتها للآخرين بِبُعد في الواقع ودفع شديد ومنه المعرض. انظر قوله تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }آل عمران133، والفعل الرباعي لعرض هو أعرض. {وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً }النساء16
– الأمانة هي الشيء الذي يُعطى للآخر كي يحافظ عليه ويرده حين الطلب حسب ما أخذه دون إفساد أو هلاك له، ونلاحظ في الواقع أن الأمانة هي مقام الخلافة المتعلقة بالعقل والحرية ضرورة المترتب عليها المسؤولية، وهذه علاقات لازمة، فمن قال بأحدها لزمته الأمور الأخرى ضرورة.
والإنسان مجرد أن وُلد في الدنيا يكون في طريقه إلى حمل الأمانة عندما يكبر، والأمر مناط بالمجتمع أكثر من الفرد كون الإنسان كائن اجتماعي.
– السموات والأرض والجبال: إن كان المقصود بها هذه المخلوقات الجامدة فقطعاً لا تملك عقلاً أو حرية، ولابد في هذا الموضع من دراسة مستفيضة وعميقة لمعرفة المقصد منها من خلال المنظومة العامة والكلية الكونية والقرءانية.
– أَبَيْن من أبى وهي كلمة تدل على توقف خفيف مع ظهور و جمع الأمر واستقراره وانتهائه بامتداد وإثارة زمانية ومكانية على ما سبقه. وظهر هذا المفهوم بما يقرب من شدة الامتناع أو الرفض ، وعندما تتعلق هذه الافعال بغير العاقل يكون الفعل منها سننياً وليس سلوكاً حراً واعياً.
– الحمل : كلمة تدل على القيام بالشيء والعناية به وحفظه والمسؤولية عنه.
– مشفقين من شفق: التي تدل على انتشار الشيء وفتح منضم خفيف منته بتوقف شديد.ومنه الشفق الذي يظهر في الأفق، والشفقة هي شعور بالضعف منتشر في نفس الإنسان منفتح منتهي بتوقف شديد ، ولم ترد في القرءان إلا بصيغة الفعل الرباعي أشفق يُشفق إشفاقاً فهو مشفق
{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً }الكهف49
{إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ }المؤمنون57
وهذه الهمزة تغير وجهة الفعل من التعدي إلى اللازم، أي من شفق إلى أشفق، نحو ضرب وأضرب.
– وحملها الإنسان كجنس وما زال يحملها ، وهي الأمانة.
– إنه كان ظلوماً جهولاً : لا تدل على أن الإنسان غير مؤهل لحمل الأمانة، وإنما هي وصف لفئة من الناس عبر التاريخ الإنساني إلى يوم الدين الذين حملوا الأمانة ولكن لم يعطوها حقها كما ينبغي بدليل أن في الناس أنبياء وصالحون وغيرهم حملوا الأمانة بحقها.
ملاحظات عامة
– المفهوم السطحي لمفردات النص ينبغي أن تستبعد
– يفهم النص وفق العلم الذي وصل إليه الإنسان على صعيد القرءان والآفاق والأنفس
– تستبعد المفاهيم المخالفة للواقع المدرك حالياً
– الملائكة غير مقصودة بالعرض بدليل أنهم استشرفوا لهذا المقام ولم يُعطَ لهم .
– الجن صفة وليست اسم جنس، وهم من الناس لذلك لم يذكروا في العرض لدخولهم في الجنس الإنساني.
– تسبيح المخلوقات الجامدة هو قانون الحركة والثنائية، وليس تسبيح العاقل الحر.
– المخلوقات الجامدة ليس لها عقل وبالتالي ينتفي عنها الحرية.
– لم يكن الأمر بحث عمن يحمل الأمانة فهذا عبث .
– الإنسان منذ البداية هو المؤهل والمرشح لحمل الأمانة (الخلافة).
– كلمة الجبال تأت أحياناً بمعنى العلماء .لأنها تدل على الجهد المتجمع على ذاته منته بحركة لازمة بطيئة، والإنسان عندما يحمل العلم في نفسه يبذل الجهد الكثير لفهمه ودراسته ويتجمع في نفسه ويعمل به دعوة وتعليماً بصورة لازمة . انظر قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ }سبأ10، فالجبال في النص هم العلماء الذي أوَّبوا مع النبي داوود، وليس الحجارة والتراب. ولذلك ذكر القاموس أن العلماء يوصفون بالجبال. ونقول هذا جبل من العلم.
– أداة (من) تستخدم للعاقل، وأداة( ما) لغير العاقل. فجملة( من في السموات) غير جملة( ما في السموات)
هذه إضاءات وملاحظات وخواطر يمكن أن تساعد على دراسة النص وتقريب فهمه بما يناسب الأرضية المعرفية لنا، ويمكن أن تتعدل إضافة أو نسخاً فالأمر مناط بدراستكم وتعاونكم وحواركم.
ودمتم بخير