رحلتي من السلفية و التراث إلى القرءان والحرية

عندما كنت سلفيا لم اقبل عنوان الكتاب ( إعلام الموقعين عن رب العالمين) ولم استسيغه ولكن لم اعرف كيف أرفضه واستنكره لأن فكري كان ملوثاً بفيروس السلفية وحجية الحديث النبوي دينياً وعدالة الصحابة ووجوب تقييد فهم الكتاب والسنة بفهم الصحابة ، ومقولات كثيرة سامة مثل :
اتبعوا ولاتبتدعوا عليكم بالأمر العتيق فقد كفيتم
اتبعوا الأموات ولاتتبعوا الاحياء لأنهم لايؤمن عليهم من الفتنة
وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في اتباع الخلف
الدين نقل وليس عقلاً
إغراق الفكرة بالأحاديث ومقولات السلف ومن بعدهم والنقل عن مئات الكتب
كثرة الناس وانتشار الفكرة بينهم
مضي زمن طويل على القول بالفكرة
فكانت موانعاً وقيوداً تمنعني من التفكير والحرية وهذا يشكل عندي ضغط نفسي أثناء التعلم والنقاش والقراءة ويضيق صدري وأشعر بالتناقض في داخلي وأنه يوجد شيء خطا ولاأدري ماهو …!! واستمريت بالتفكير والبحث والعوم ومقاومة الغرق في التراث ومقاومة الفيروس في داخلي ولكن لاأدري أين الشاطئ وأين النجاة وأقرأ كل مايقع تحت يدي وأناقش الجميع مما جعل تأثير السلفية المركز يخف تأثيره على نفسي لانفتاحي على القراءة المتنوعة للكتاب الإسلاميين والجماعات والاحزاب ( الإخوان وحزب التحرير) والشيعة والاحمدية ، ومازادني ذلك إلا ضيقاً وضغطاً نفسياً واضطراب في فهم الدين
ولكن اكتسبت من كل ذلك القراءة السريعة ولم أعد أخاف من حجم الكتاب مهما كان كبيراً ولو الف صفحة أو له أجزاء كثيرة فكنت أنكب على قراءته بصبر ومتعة في القراءة رغم أني قد لاأفهم كثير مما قرأته لأنه لامعنى له أصلا وهو ثرثرة وقيل وقالوا ، ومع ذلك أتابع القراءة لنهاية الكتاب، فنمت عندي مهارة القراءة السريعة والكتابة ونما معها دون شعور مني التفكير والنقاش والجدال!!!
وعلى سبيل المثال وليس للحصر :
قرأت كتاب مجموع الفتاوى لابن تيمية كله 37 مجلد
قرأت كتاب ابن تيمية درء تعارض العقل مع النقل وهو عدة مجلدات
قرأت فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر وهو عدة مجلدات
قرأت شرح مسلم للنووي وهو عدة مجلدات
قرأت تفسير ابن كثير واطلعت على معظم التفاسير بشكل مستمر حسب الحاجة
قرات معظم كتب الالباني حينئذ
قرأت معظم المؤلفات السلفية التي كانت تصدر في عملية صد ورد ونقاش على بعضهم أو غيرهم
قرأت تهافت الفلاسفة للغزالي
قرأت كتاب تهافت التهافت لابن رشد مع بعض كتبه الصغيرة
قرأت المقدمة لابن خلدون
قرأت كتب سيد قطب
قرأت كتب البوطي
قرأت كتب الغزالي السقا المعاصر
قرأت فقه السنة لسيد سابق
قرات نيل الأوطار للشوكاني
قرأت زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم وكثير من كتبه مثل الروح
قرأت مشروع الجابري في نقد العقل العربي اربع كتب وغير كتبه المختلفة
وتابعت انفتاحي في القراءة للمعاصرين مثل جودت سعيد ومالك بن نبي والجابري واركون وغيرهم ، وكنت قد درست معظم كتب حزب التحرير، ومع كل ذلك مازلت أعوم في محيط التراث ضائع لاأدري اين الشاطئ والمستقر ولم أملك منهجًا في التفكير ، وأعاني في داخلي من قلق واضطراب لعدم معرفتي بجواب كثير من الاسئلة ، وكان معظم وقتي في القراءة والنقاش والجدال حتى ننام على ذلك ونصحى على ذلك !!
وهذه التجربة استغرقت فترة شبابي كلها ودفعت الثمن غالياً لدرجة أني سجنت عام كامل بسبب قراءتي لكتب حزب التحرير !!! وسافرت عدة بلاد عربية أيضا واجتمعت مع كثير من مختلف الجماعات الإسلامية ، كل ذلك ساهم في توسيع رؤيتي ومعرفتي
ومع كل تلك القراءة الواسعة فهي كانت ضيقة الأفق وذو رؤية أحادية واشعر بحزن في داخلي لأني لم أجد نفسي ولاديني!
وعندما صدر كتاب الشحرور في عام 1991 وقرأته شعرت بطاقة تسري في قلبي وتفعل السمع والبصر وانقدح العقل والتفكير وشعرت بوجودي الحر وتفجرت كل معارافي وقراءتي وسخرتها في فهم الكتاب وشعرت أن هذا ما كنت أبحث عنه ، وكل ذلك بدأ عندما علمت أن مصدر الدين هو القرءان فقط  المستبعد من كل قراءتي بسبب ضغظ التراث واختناقي تحته وان الحديث النبوي ليس مصدرا دينيا وإنما هو مصدر معرفي تاريخي ، وأنه لايوجد عدالة للصحابة ولاعصمة ولاإجماع وهم بشر مثلنا وغير ملزمين بفهمهم ، والقرءان خطاب للناس جميعا في كل زمان ومكان وأنا من الناس معني بالخطاب، وعلمت المنهج اللساني الذي نزل القرءان به وخاصة قاعدة إذا إختلف المبنى اختلف المعنى، وانتقلت من الرؤية الاحادية إلى الرؤية المتعددة والمختلفة والواسعة ومن الرؤية السطحية الجزئية بالتعامل مع النصوص إلى التعامل مع القرءان بشكل منظومة عامة وتحتوي منطومات كلية لكل موضوع ويفهم القرءان كله كوحدة متكاملة وليس مجزأً …. وشربت كل ذلك مثل الاسفنجة الجافة وامتصت الماء ، فخلال وقت قصير نسبيًا استطعت أن استعيد نفسي واشعر بإنسانيتي وحريتي وازددت إيمانا بالله وباليوم الآخر وبأن القرءان كلام الله ، وخلال بضع أعوام  لم تتجاوز اربعة وبالتحديد 19994 نشرت أول دراسة لي متواضعة لمفهوم مهم جداً وهو ( علم الله وحرية الإنسان) وصرت اشعر وكاني أطير وأحلق في سماء القرءان واتعامل معه بشكل لم اعهده من قبل وشعرت بتواصل وقرابة بيني وبينه واتختذه إماما أتحاكم إليه واثق به وأرجع عن أي فهم أو تصور حينما يخالفه واقول بقوله و لو لم اقتنع بعد لثقتي انه الحق والصواب وان فهمي قاصر وخطأ وسوف يتبين لي الصواب فيما بعد وهذا ما حصل معي كثيراً
كنت أصبر على قراءتي ودراستي لموضوع قرءاني وكلي ثقة أنه سوف يعلمني ويخبرني الصواب وأدور معه حيث دار واستدل به ولاأستدل عليه واتحدى به اساطين الفلاسفة والعلماء وكلي ثقة أنه نزل من لدن عليم حكيم .
فالقرءان هو شيخي وإمامي المعصوم ومازلت تلميذًا عنده وسوف ابقى كذلك وازداد علمًا يوماً بعد يوم بصحبته
ووصلت إلى السعادة والاستقرار النفسي وشعرت بحريتي وإنسانيتي كل يوم بل كل لحظة
وصار القرءان حياتي