مفهوم الشفاعة

السؤال أو الاهتمام بتلك المسائل ( الوعد والوعيد، الشفاعة، الخلود في النار) غالباً ! ما تصدر من إنسان له تجربة في العمل الاجتماعي الثقافي، وهو واقع تحت تأثير وضغط الواقع من حيث عدم قدرته على تغيير الظروف مع حساسيته المرهفة وإرادته الخير للناس ، وهذه المرحلة التي يمر الإنسان بها على درجة من الخطورة إذ قد تدفعه إلى التطرف والغلو، وإذا كان في عمر الشباب وصفة الانفعال تقوده، وبعيد عن الدراسة العميقة ، وغياب القيادة الراشدة الفاعلة الواعية !، مع وجود الظلم والاستبداد والاستعباد للشعوب !، يؤدي عند ذلك الشاب إلى الجنوح نحو العنف وتكفير الناس , بل؛ إلى أكثر من ذلك، إذ يُنَصب نفسه قاضياً في أعراضهم ودمائهم، وأموالهم، فيستبيحها وَفق المفاهيم الثقافية التي تمَكَّنت في نفسه نتيجة قصوره الثقافي، وغفلته النفسية، وغياب المنهج العلمي ، وإتباعه لمن هم مثله في التطرف !، وحركته الانفعالية كردة فعل على الظلم والاستبداد . وقد قال الله لنبيه:

{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ }  (الروم60

بمعنى أن لا تجعلهم يثيرونك، فيصدر منك سلوك سخيف كردة فعل لسخافتهم !.

وشعرت بصورة خفية أن وراء هذه التساؤلات إشكاليات كبيرة وعميقة ، وما أدري موقفك منها ، وأين تقف الآن بقناعتك منها !؟ فالأمر بحاجة ماسة إلى وقفة طويلة،  وإعادة الدراسة لكل المفاهيم الثقافية دون استثناء , وحذف من عقلنا مقولة : ما ترك الأولون للآخرين شيئاً ! . واستبدالها بمقولة :كم ترك الأولون أشياء لنا لدراستها وفق معطيات واقعنا وحسب أدواتنا المعرفية. وكُتبي وأبحاثي ومقالاتي المنشورة في الموقع الذي ذكرته لك تساعدك كثيراً في عملية النقد، وبناء منهج علمي ثقافي تستخدمه في دراسة المفاهيم الأخرى التي تهمك نحو: مفهوم الإسلام وأهل الكتاب ، والجهاد والقتال ، والقرآن والسنة والحديث ، النبي والرسول ، الحق والصواب ، والباطل والخطأ ، الشرك والكفر ، التأويل والتفسير ، الترادف في اللغة ، العقل والنقل ، والناسخ والمنسوخ ….الخ . وأحيلك إلى دراسة الأبحاث الهادفة والجادة في عملية إيجاد منهج علمي لفهم القرآن حسب معطيات واقعنا المعاصر . وكلهم يؤخذ من قولهم ويرد عليهم ، أصابوا في كثير من المفاهيم وأخطؤوا في بعضها ، ويكمل البناء من خلال تراكم الدراسات والعمل الجماعي.

  أخي الكريم

   سوف أستعرض لك آيات تحت عناوين عامة تستطيع وحدك أن تشكل منها مفهوماً، وتصل لأجوبة عن أسئلتك التالية : الوعد والوعيد ، الشفاعة ، ؟

 

  1-الوعد والوعيد

   هما مفهومان مبنيان على أساس واقع الإنسان من كونه في دار ابتلاء، وامتحان، ويملك إرادة واعية حرة , ويعيش في عالم قائم على الثنائيات المتناقضة (الخير والشر)، ( العدل والظلم )، فوصل الإنسان بصورة علمية إلى وجوب وجود اليوم الآخر, وبالتالي لا بد من الوعد والوعيد ( الجنة والنار) ضرورة . 

{الّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (الملك2) {وَأَصْحَابُ الأيْكَةِ وَقَوْمُ تّبّعٍ كُلّ كَذّبَ الرّسُلَ فَحَقّ وَعِيدِ} (ق 14) 

{وَنُفِخَ فِي الصّورِ ذَلِكَ يَوْمَ الْوَعِيدِ }  20)

{ قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيّ وَقَدْ قَدّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ } (ق28) 

{قَالُواْ يَوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرّحْمـَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ } (يس  52)  {هَـَذِهِ جَهَنّمُ الّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} ( يس 63 )

 ولا يُلتفت إلى الأقوال المتطرفة جداً في هذا الصدد نحو:

   أ – قول بعضهم إن الوعيد في القرآن ليس حقيقياً، وإنما هو مجرد تخويف وتهديد، وذلك مثل تهديد الأب لابنه، بأنه سوف يفعل كذا وكذا !، وهو ليس جاداً في قوله . وبالتالي فجميع الناس بكافة أطيافهم (الصالحون والطالحون ) مآلهم الجنة  دون حساب أو عقاب! .

   ب – والقول الآخر : إن من يدخل النار لن يخرج منها أبداً . وبذلك استوى المجرم العتيد مع الإنسان الذي وقع في ممارسات سيئة . أي يصير فرعون وهامان وقارون مع عامة الناس من المسلمين الذين وقعوا في شباك المعاصي، فكِلا الرأيين يناقض مفهوم  أسماء الله، العليم و الحكيم  والرحيم  .

   2-الشفاعة

   إن مفهوم الشفاعة متعلق بمفهوم الوعيد ، وإذا انتفى مفهوم الوعيد انتفت الشفاعة لعدم الحاجة لها ! . وكون مفهوم الوعيد ثابت، صار ممكن لمفهوم الشفاعة أن يوجد، ولكن ليس كشرط، وإنما كإمكانية احتمالية ، ومن هذا الوجه صار مفهوم الشفاعة مفهوم غيبي يعتمد على النقل الصادق الصادر من صاحب الأمر الذي بيده زمام الأمور كلها من حيث أنه يسمح للشفاعة، أو لا .

   أ- ثبوت الشفاعة من خلال القرآن، اقرأ قوله تعالى:

{ يَوْمَئِذٍ لاّ تَنفَعُ الشّفَاعَةُ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرّحْمَـَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً}  (طه109)

{وَلاَ تَنفَعُ الشّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ }  (سبأ23)

{ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ } (يونس 3)

{ مَن ذَا الّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ } (البقرة 255)

   ب- الشفاعة إكرام للشافع وليس للمشفوع له، اقرأ قوله تعالى:

{ لاّ يَمْلِكُونَ الشّفَاعَةَ إِلاّ مَنِ اتّخَذَ عِندَ الرّحْمَـَنِ عَهْداً } (مريم 87(

{ يَوْمَئِذٍ لاّ تَنفَعُ الشّفَاعَةُ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرّحْمَـَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} (طه109)

  ت- الشفاعة مرتبطة بإذن الله للشافع ، والرضى عن مضمون الشفاعة . لأنه ليس من الضرورة أن يتم قَبول شفاعة الشافع فيما شفع له ، فالإذن بالشفاعة لا يُشترط له الرضى بمضمونها، اقرأ قوله تعالى:

{ يَوْمَئِذٍ لاّ تَنفَعُ الشّفَاعَةُ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرّحْمَـَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} (طه109)  

{وَلاَ تَنفَعُ الشّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ }  (سبأ23)

{وَكَمْ مّن مّلَكٍ فِي السّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىَ } (النجم 26)

   ث- الشفاعة للناس الذين خلطوا عملاً صالحاً بآخر سيئ ويرجون رحمة الله وعفوه . فهم يؤمنون بالله واليوم الآخر ويعملون الصالحات، ولكنهم وقعوا في ممارسات سيئة وفاسدة للمجتمع، فهؤلاء قد يرضى الله بشفاعة الشافعين لهم ويدخلون برحمة الله الواسعة , وليست الشفاعة للمجرمين بأي حال من الأحوال، فهؤلاء لابد أن يطولهم الوعيد عدلاً وحكمة ، اقرأ قوله تعالى:

{ مَا لِلظّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } (غافر18) 

{أَمِ اتّخَذُواْ مِن دُونِ اللّهِ شُفَعَآءَ قُلْ أَوَلَوْ كَـانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ*قُل لِلّهِ الشّفَاعَةُ جَمِيعاً لّهُ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ثُمّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (الزمر 43-44)