نظرة على منهج القراءة المعاصرة للقرءان

  يظن بعض الباحثين أن القراءة المعاصرة للقرآن مُتسيبة لا ضوابط لها، وبالتالي فممكن أن تظهر قراءة وجودية للقرآن تنفي مصدريته الإلهية، بل تنفي الإله نفسه، وتُعَدُّ هذه القراءة رأياً لصاحبها يجب أن يُصان حسب الذين يدعون للقراءة المعاصرة! من هذا المنطلق رفضوا القراءة المعاصرة من أساسها، ومنهم من قبلها بشرط أن تُعيد تأسيس التراث وتعطيه الحياة مرة ثانية، ولست في صدد نقاش الرأيين وإنما سأكتفي بالإشارة إلى أهم الأسس التي يجب أن تقوم عليها القراءة المعاصرة للقرآن، ومن خلالها وما سبق ذكره يظهر تهافت الرأيين السابقين.
أولا: أساس القراءة المعاصرة للقرآن ومنطلقها هو الإيمان بمصدريته الإلهية، لأن انتفاء هذه المصدرية ينفي عنه القراءة المعاصرة ويصير نصاً تاريخياً وتراثاً لمن سبق من المجتمعات غير مُلزم بقراءته.
ثانيا: النص القرآني نزل باللسان العربي وهذا يقتضي أن نتعامل معه حسب بنية اللسان العربي وقواعده الموجودة في الخطاب ذاته.
أهم مفاهيم اللسان العربي
1- نشأة اللسان نشأة علمية وليست اعتباطية أو توقيفية.
2- إذا اختلف المبنى اختلف المعنى.
3- أسلوب الرمز استخدمه القرءان بشكل عربي.
4- نفي المجاز وما سُمِّي خطأً بالترادف عن اللسان العربي.
5- نظام استخدام الضمائر في القرءان يختلف عن الاستخدام الشائع بين الناس.
6- أي تغيير في بنية الجملة من زيادة أو نقصان أو تقديم أو تأخير يؤثر بالمعنى والمفهوم.
7- العطف يقتضي التغاير.
8- العلاقة بين اللسان العربي والواقع جدلية.
9- الألفاظ العربية أجسام تقوم بها المفاهيم.
10- الألفاظ العربية حقل وميدان للتفكير.
إلى غير ذلك من الأمور المتعلقة باللسان العربي.
وسأضرب مثلاً على أهمية معرفة استخدام الضمائر وعدم شرطية رجوعه لأقرب مذكور قبله.
قال تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }الأنفال61 -62 فالضمير في جملة (فاجنح لها) يعود لكلمة (قوة) في النص الذي سبق، لأن الضمير أتى بصيغة المؤنث،وكلمة (السَّلم) مذكر بينما كلمة (قوة) مؤنث، والمقصد هو أن أعداء الله إن ارتهبوا من قوتكم وجنحوا للسَّلم، ويكون ذلك عادة اضطراراً، فحافظوا على قوتكم الرادعة، ولا تجنحوا للدعة والراحة فتعطوا بذلك للعدو مبرر الرجوع إلى العدوان والإرهاب، لأن اتخاذ موقف السّلم من قبل العدو مناورة وليس ثقافة.
ثالثا: إن كتاب الله عز وجل لم تنزل مواضيعه بشكل مرتب ومتسلسل، وإنما توزعت وتداخلت ببعضها بعضاً لحكمة أرادها الله عز وجل، مما اقتضى ضرورة أن أية دراسة للقرآن لا يمكن أن تتم على شكله الحالي كما هو معهود بطريقة المفسرين التقليدين، بل لا بد من عملية ترتيل الآيات ذات الموضوع الواحد وإخراجها من القرآن لتشكل مع بعضها منظومة واحدة وتُرتَّب أولوياً حسب منظور علمي ومن ثم تتم دراستها.
رابعا: استحضار الكُلِّيات في القرآن على صعيد الآفاق والأنفس ليتم فهم الأمر الجزئي ضمن منظومته من خلال الكليات والمقاصد.
خامسا: كون النص القرآني إلهي المصدر يعني ضرورة نفي صفة الحشو واللغو والخطأ والتناقض والكذب وأية نقيصة عنه لأن ذلك يؤثر على فهمه ودراسته.
سادسا: استبعاد الفهم السطحي السريع للنص القرآني الذي يأتي من عامة الناس وما تعارفوا عليه من دلالات لاستخدام الكلام. وإنما يجب الغوص في أعماق النص لاكتشاف أغواره ومقاصده للوصول إلى الجديد والبديع في فهم النص.
سابعا: الآفاق والأنفس هما السكة التي يمشي عليها العقل لمعرفة ودراسة عمق النص القرآني من خلال إسقاط الدال (النص) على المدلول عليه (محل الخطاب من الواقع).
ثامنا: إن فهم النص القرآني يتطور مع تطور الأدوات المعرفية وبالتالي يؤدي إلى اتساع أفق وأبعاد النص ضمن الجانب الثابت فيه كآفاق وأنفس.
تاسعا: يجب الانتباه إلى مفهوم الرمزية في الاستخدام القرآني للكلمات لأن إغفال ذلك يجعل مفهوم النص باهتاً هزيلاً و مُغيّباً عن الواقع.
وهذا مثال لتوضيح كيف يتم استخدام المفهوم الرمزي من خلال ترتيل الآيات ذات الموضوع الواحد والآيات التي استخدمت الكلمة ذاتها بعدة دلالات بجانب معرفة الوظيفة التي يمكن أن تنتقل من الشيء المذكور صراحة في النص إلى المغَيَّب ما وراء الألفاظ من مقاصد.
قال تعالى: «والشجرة الملعونة في القرآن» الإسراء 60.
النظرة السطحية للنص واستدعاء دلالة كلمة «شجرة» من عوام الناس والتأثر بالتراث نقول: إن الشجرة من النبات! ولكن إذا تعمقنا قليلاً في النص نلاحظ أن النص يذكر شجرة ملعونة في القرآن مما يعني وجود اسم هذه الشجرة وصفتها في القرآن ذاته! وإذا بحثنا في القرآن ولم نجد شجرة نباتية قد نص الخالق على لعنها نعلم عندئذ أن ليس المقصود بكلمة شجرة هو المعنى المستخدم بين عامة الناس وإنما المقصد معنى آخر لكلمة شجرة تدل عليه بدلالتها اللسانية.
إذا لابد من استخدام الفهم العميق واستحضار النصوص الكلية من القرآن المتعلقة بالموضوع ذاته فنلاحظ أن فعل اللعن لا يمكن في الواقع أن يكون إلا لعاقل، وكون الأمر كذلك مما يؤكد ضرورة أن كلمة شجرة ليس المقصود بها في النص النبات، وإنما المقصد هو دلالتها اللسانية التي تدل على تداخل الشيء ببعضه بعضاً أو مع غيره، ومن ذلك نقول: الشجار الذي هو تخاصم الناس فيما بينهم، وسُميت الشجرة كذلك لأن أغصانها تتداخل مع بعضها بعضاً، و أطلقت كلمة شجرة على تداخلات وعلاقات العائلة أصولاً وفروعاً (شجرة العائلة).
وإذا تابعنا البحث عن الشجرة الملعونة في القرءان نجد أنها شجرة اليهود، بمعنى العلاقات الاجتماعية اليهودية، وبالتالي أي مجتمع يتشاجر مع اليهود تصيبه اللعنة ضرورة، لأن الفساد الاجتماعي عدوى.
عاشراً: ينبغي على المجتمع الإسلامي أن يُعيد تنزيل القرءان في زمنه وفق اتباع الأحسن والمناسب لمعطيات زمكانيته ويصلح به حاله. {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ }الزمر55{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }الزمر18
أحد عشر: نصوص الأحكام الشرعية كلها محكمة ولايوجد فيها تشابه.
اثنى عشر: نصوص القرءان غير النصوص الشرعية يوجد فيها صفة الإحكام وصفة التشابه وتفهم النصوص المتشابهة وفق النصوص المحكمة والواقع.
ثلاثة عشر: نصوص التفصيل تتبع موضوعها للأحكام أو لغيرها.
أربعة عشر: نصوص القصص وأخبار من سبق من الأمم ليس تشريعاً لنا وإنما هي للعبرة والدراسة والعظة ،واكتشاف حركة التاريخ والسنن التي تحكمه.
خمسة عشر: مصدرالتشريع الإلهي هو القرءان فقط ويقوم على المقاصد والرحمة.
ستة عشر:……