الله رب النـاس، ومقياس صحة الأجوبة الثلاثة الفطرية

الشباب مستقبل الأمة، والمجتمع الشاب هو الذي ينعم بنسبة كبيرة من الشباب، وبُنية المجتمعات العربية والإسلامية لا تعاني من قلة عدد الشباب، بل تفضل بشبابها المجتمعات الأوروبية التي تعاني من ارتفاع نسبة المسنين بصورة ملحوظة ومتعاظمة، الأمر الذي يهدد مستقبل أوروبا بخطر جدي، وأدرك مسؤولوها الخطب الداهم، فعملوا على استقطاب المهاجرين الشباب درءاً لشبح شيخوخة القدرة البشرية.

والمجتمع الفتي الذي يربض على طاقة شبابية هائلة مسؤول عن إعداد المسارب التي  تفجر هذه الطاقات، وتزجها في ميادين العلم والنهضة كافة!.

وبما أن الإنسان كائن ثقافي يكيِّف سلوكه حسب المفاهيم التي يحملها، تبوأت الثقافة مكانتها السامية كمحرك للنهضة، وقد وُصفت الثقافة بعشرات التعاريف، وكل تعريف يخدم وجهة نظر صاحبه، والذي أراه صواباً هو:

   الثقافة: هي تفاعل الإنسان بصورة سلمية وعلمية مع بيئته الاجتماعية والطبيعية بهدف الوصول إلى إدراك حقائق علاقة الإنسان مع الكون والحياة والموت، وما قبل الحياة وما بعد الحياة، وعلاقة هؤلاء جميعاً ببعضهم، وإرساء قواعد النهضة على هذه الأسس الراسخة.

ومعرفة هذه العلاقات الفكرية هي الجواب الشافي على الأسئلة الفطرية الثلاثة (كيف، لماذا، أين) التي تؤرِّق الإنسان، خاصَّة في مرحلة الشباب. وهذه الثقافة هي التي تميز هوية المجتمع عن غيره من المجتمعات.

   لذا؛ كانت الثقافة خاصَّة، والعلم عام.

والإنسان منذ بدء الوعي وَجد أجوبة هذه الأسئلة الفطرية من خلال تفاعله الاجتماعي والطبيعي في الواقع، وكان كل مجتمع يُعيد هذا التفاعل الثقافي لفهم وتحديد هذه العلاقات الفكرية، والتأكد من درجة موافقتها لواقعه، وصارت هذه الأسئلة الثقافية تسمَّى بالعقدة الكبرى، وأشبعها فلاسفة كل مجتمع دراسة وتحليلاً. فكانت الدراسات تتراكم مع الزمن، وكل دراسة لاحقة تعدِّل السابقة من جانب وتوافقها من جانب آخر، إلى أن وصلت معظم المجتمعات الإنسانية إلى جواب واحد  نستعرضه فيما يلي:

  س1- كيف وجدنا؟

  ج- قالوا: لا بُدَّ من فاعل أول قائم بنفسه مستغنٍ عن غيره يصدر الفعل منه اختياراً وليس احتياجاً، وهذا الفاعل الأول لا تنطبق عليه فرضية الدور(1)، ولا فرضية التسلسل(2) لبطلانهما في الواقع، وأثبت علماء الفيزياء أن الكون (الفعل) له بداية ونهاية، وذلك من خلال نشوء الكون على قانون التناقض الداخلي في بنية الشيء الذي يؤدِّي في النهاية إلى هلاكه لا محالة، من هنا قال بعض العلماء: إن الكون يحمل في ذاته بذور فنائه، فالكون فعل له بداية ويسير إلى نهايته كنظام وصورة، لا كمادة وطاقة، وبالتالي يحتاج ضرورةً إلى فاعل من غير صفاته يكون أساساً ومصدراً للوجود، وهذا الفاعل الأزلي (الأول والآخر) يملك صفة التقدير أولاً، وصفتي الإيجاد، والإمداد، وهو ما زال قائماً فوق فعله يمده بالطاقة والحياة، يدبر أمر هذا المشروع المتنامي.

وبالتالي فنحن مخلوقون لخالق عظيم. {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَـمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} [إبراهيم: 10].

والتقدير ضرورة فلسفية وعلمية لازمة تسبق الإيجاد رفعاً للموجود فوق شبهة الوجود الاعتباطي.

   س2- لماذا وجدنا؟

ج- نظر الإنسان إلى حياته الاجتماعية، فشاهد أن المجتمع الإنساني قائم على قانون التناقض الحكمي المعياري الثنائي، فكل علاقاته محكومة بهذا القانون الجدلي، فشاهد الظلم وشعر به في كيانه وحياته، فعلم أنه لابُدَّ من وجود العدل وتحقيقه على أرض الواقع، وكذلك الخير والشر، والصلاح والفساد…إلخ, وذلك كحاجة العطشان للماء أو لما يرويه،فيبحث عن شيئ يؤمن بوجوده مسبقاً، وذلك الوضع لأن الظلم صدر من إنسان مثله.

وبالتالي ينبغي عليه أن يدفع عن نفسه الظلم من خلال العمل على تطبيق العدل، ليأخذ القانون الاجتماعي مجراه من خلال الصراع التناقضي الثنائي بين العدل والظلم، والخير والشر، والصلاح والفساد، وعندما شاهد الإنسان أن الموت نهاية حتمية لحياته القائمة على قانون التناقض الثنائي المعياري، آمن أنه  وُجِدَ في هذه الحياة الدنيا لتحقيق العدل، والخير، والصلاح، ومحاربة الظلم، والشر، والفساد، وفي حال لم يستطع تحقيق ذلك آمن بوجوب وجود يوم آخر بعد الموت يتحقق به الخير والعدل والسلام.

  إذاً؛ الكائن الإنساني كائن مسؤول، ويعيش في دار المسؤولية، وهي الحياة الدنيا دار الابتلاء والامتحان، ويكون الصراع بين الإنسان الصالح، والشيطان (الإنسان الشرير)، وليس بين الرحمن، والشيطان، وبالتالي أدوات الصراع متاحة للطرفين على أرض الواقع.

ومع ذلك العلم الذي يمكن للإنسان أن يصله من خلال تفاعله مع الواقع والمجتمع، لم يتركه الخالق الرحيم ليتخبط في امتحانه، فأرسل الرسل مبشرين ومنذرين، يُعلِّمون الناس، ويُخبرونهم  لماذا وجدوا؟

قال الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ} [الملك:2]، وقال: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وكلمة العبادة تدل في الواقع على صورتين (الشدة واللين)؛ ما يعني أن الله خلق الناس ليمارسوا حريتهم كاملة في اختيار الإيمان أو الكفر، كما قال تعالى: {وَقُلِ الحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف:29].

وهكذا يتجلى صرح الحكمة الربانية المطلقة، واقتضىى وجود الدينونة والحساب، ومنظومة الثواب والعقاب، الصرح القائم على الضمانة الخالقية التي تكفل الحق التام للمخلوق باختيار السبيل الذي يريده بموجب إرادته الحرة المنعتقة من التأثيرات المخلة بالعدالة.

  س3- أين نذهب بعد الموت؟

ج- عندما علم الإنسان بوجود الخالق المدبر، وأدرك أنه أوجده في الحياة الدنيا للابتلاء وتحمُّلِ المسؤولية وعمران الأرض بالخير والعدل والصلاح، وأن الحياة الدنيا يحكمها قانون التناقض الجدلي المعياري، وصل إلى حتمية وجود حياة  بعد الموت خالية من التناقض الجدلي المعياري، قائمة على السلام والخير والمحبة بصورة أبدية، ووصل أيضاً إلى أن نفس الإنسان كائنة سرمدية لا تفنى، ولا تهلك مثل الجسم الذي يتحول إلى عناصره الأولى، وأن النفس سوف تُبعث في جسم يُخلق لها وَفْقَ السُّنن الجديدة لتحل به،وتستخدمه مرة أخرى؛ لأنَّ الوجود الحقيقي للإنسان إنما هو وجود نفسه، وليس جسمه، وصدق من قال:

انهض بنفسك واستكمل فضائلها… فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان

وأنزل الخالق المدبر على رسله كتباً تضمنت الأجوبة الفطرية والعلمية للأسئلة الثلاثة الكبرى (كيف، لماذا، أين) رحمةً بعباده وتحقيقاً للحكمة وقطعاً للحجة والبرهان لئلا يكون للناس حجة بعد الرسل.

   أيها الشباب! إنّ هذه الأجوبة الثلاثة للعقدة الكبرى صارت قاعدة وقيادة فكرية لنظام الإنسان والمجتمع، وبتطبيقها  ينهض المجتمع من وهدة الانحطاط والتخلف والذل.

والمقياس لصواب هذه الأجوبة الثلاثة هو:

1- مطابقة الأفكار للواقع وقيام البرهان عليها.

2- موافقة الأفكار للفطرة الإنسانية.

3- سريان الأمن والاطمئنان في المجتمع نتيجة اعتمادها.

هذه القاعدة الفكرية هي أساس دعوة الأنبياء والرسل كلهم، لا تخضع لعملية التطور والنسبية؛ لأنَّها حقيقة ثابتة.

أيها الشباب! أريد أن أصل إلى أن الله الخالق المدبر هو أحد صمد عند الجميع، فلا يوجد في تاريخ الإنسان من ادَّعى وجود خالق آخر غير الله  {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت:61].

والشرك حصل بمقام الربوبية، وهذا الإله العظيم قد أنزل ديناً واحداً بدأ بنوح u، واستمر في حركته إلى إبراهيم وموسى وعيسى ليصل إلى محمد صلوات الله عليهم جميعاً، وهذا الدِّين سماه الخالق الإسلام ابتداءً منذ نزوله{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران: 19]

{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ}[آل عمران:67].

{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}  [البقرة: 132].

فالقاعدة الفكرية واحدة، وهي الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62].

بينما أخذ الشرع محورين:

  المحور الأول: شرع له صفة الثبات ابتداء، وذلك لاتصافه بالإنسانية والعالمية، فأخذت هذه الأحكام صفة الشرع الإسلامي، وكانت تنزل تِباعاً على كل رسول حسب معطيات واقعه، وتتراكم بناءً من رسول إلى رسول، إلى أن وصلت إلى آخر رسول، فتم ختم النُّبوَّة لاكتمال الرسالة.

  المحور الثاني: شرع كان ينزل على الرسل بجانب الشرع الإسلامي، وهي أحكام مرتبطة بظروف مرحلية اجتماعية خاصَّة بقوم الرسول، فهي شرع قومي عيني تاريخي، يُعدَّلُ ويُنسَخُ عند بعث رسول جديد.

واستمرت حركة الشرع بمحوريه الإسلامي والتاريخي، الأول يتراكم بناءً ويكبر مع الزمن، والآخر يتقلص وينكمش مع الزمن، إلى أن أراد الخالق المدبر إكمال نزول الشرع الإسلامي، وذلك ببعث النبي محمد، فأنزل القرءان وأعاد فيه كل ما نزل من الشرع الإسلامي سابقاً، وأكمله بناءً، ونسخ كل الشرع القومي العيني حين لم ينزله مرة ثانية في القرءان. فصار القرءان هو الكتاب الجامع للشرع الإسلامي {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}[المائدة: 3]، بينما ضمت الكتب السابقة أجزاء من الشرع الإسلامي وأجزاء من الشرع القومي العيني.

وهذا يوصلنا إلى أن دين الله هو الإسلام، ولا يوجد ما يُسمَّى بتعدد الأديان، وبالتالي من الخطأ أن تكون الدعوة إلى تقارب الأديان، وإنما ينبغي أن تكون الدعوة إلى التعايش، والتعارف، والتعاون، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الحجرات: 13]، فالصراع بين الناس ليس دينياً، وإنما هو صراع سياسي واقتصادي، فالإسلام دين أتباع الأنبياء والرسل جميعاً، أما شرعهم فهو مؤلف من قسمين:

  الأول: أحكام لها صفة الشرع الإسلامي (إنساني عالمي).

  الثاني: أحكام لها صفة الشرع القومي العيني وهي المعنية بالنسخ والتعديل، بخلاف الشرع الإسلامي، فلا يصح نسخه أو تعديله أبداً؛ لأنَّه إنساني عالمي ابتداءً، ولذلك نجد أن النسخ كان دائماً بين شرع سابق وآخر لاحق، ولم يحصل النسخ في شرع واحد أبداً.

فدين الله الإسلام يضم تحت جناحيه أتباع الأنبياء والرسل جميعاً، والشرع الإسلامي قد اكتمل بناءً ورضيه الخالق للناس عموماً، والأمر أشبه ببناء ضخم مؤلف من عدَّة طوابق، فأساس البناء واحد (الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح)، والطوابق هي بمنزلة المراحل التاريخية، وكل من يسكن في هذا البناء يعتمد على أساسه ويتقيد بنظامه بصرف النظر عن الطابق الذي يقطنه، وله أن يختار طريقة معيشته في  مسكنه على ألا يضر بأساس البناء، ومن هذا الوجه ظهر نظام الثابت والمتغيِّر.

فالنظام الثابت بين الناس هو التعايش، والتماسك، والنهضة، والنظام المتغيِّر يقتصر على حياة الناس الخاصَّة ضمن محور النظام الثابت.

فمفهوم الله عند الناس جميعاً يدل على المحبة، والعدل، والسلام، والخير، والصلاح، والتعاون، والتعايش، ودين الله يجمعنا على المحبة، بخلاف عقيدة الناس التي تتسم بالظلم والفساد والجمود.

 والاختلاف بين الناس ليس اختلافاً في دين الله، وإنما هو اختلاف في دين الشيطان، الذي يحاول أن يعرض فكره تحت دين الله ومن خلاله، ليخدع بسطاء الناس، ويظنون أنه دين الله، وتجري الحروب والويلات، وتسيل الدماء باسم الدِّين وهو منهم براء؛ لأنَّ قادة الظلم والفساد يعلمون أن الذي يحرك الناس إنما هو الدين، والدين يحمل مفاهيم المحبة، والخير، والعدل، فلابد  لهم من تحريف الدِّين وزرع بذور الحقد، والكره فيه، من خلال اغتيال حق الآخر في الحياة، ونفي رأيه، وحصر فكرة الصواب والفلاح في الدنيا واحتكارها؛ وفكرة الخلاص في الآخرة بفئة واحدة فقط لا غير، ومحاربة الفكر والعلم ونشر الخرافة والتابعية للرجال، ليتمكن الفراعنة الجدد من استخدام الدِّين وَقوداً للحرب والطغيان، يحشدون الناس عليه، ويضربون المجتمعات الأخرى بهم لتحقيق المصالح الخفية المتمثلة بالاقتصاد والسياسة.

فالحذر أيها الشباب من أن تنطلي عليكم هذه الخدعة المميتة، فيستشري الخلاف والحقد والطائفية والعرقية بينكم، هذا الحقد الذي لا يَنِي يتضرَّم حتى يضرب بعضكم بعضاً، فلا تقوم لكم قائمة في المستقبل. فالرب واحد، والدِّين واحد، وشرعه الإسلامي نلتزم به كلنا، ومن أراد الوقوف في شرعه عند مرحلة تاريخية معينة؛ فهذا شأنه، ولا ينفي عنه صفة الدِّين الإسلامي، فهو مثلنا، له ما لنا وعليه ما علينا، ويجب عليه أن يلتزم بالقانون الذي تبنته الدولة وَفْقَ ثقافة المجتمع.

أما تفسير قوله تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ}[آل عمران: 85] فهو أن الرفض يكون من الناس في الدنيا؛ لأنَّ الإسلام دين الفطرة، فمن الطبيعي أن يرفض عقلاء الناس أيَّ دعوة تخالف الفطرة، ويتم رفض الجاحد في الآخرة أيضاً؛ لأنَّ الإنسان الذي يخالف الفطرة، يكون قد اتخذ إلهه هواه وسلك طريق الإجرام.

{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ العِقَابِ}[المائدة: 2].

 

(1) نظرية الدور يقصد بها حاجة الأول للثاني في وجوده، وحاجة الثاني للأول، والنتيجة هي الهلاك والفناء للاثنين معاً ضرورةً عقلية.

(2) نظرية التسلسل يقصد بها استمرار وجود الفعل من فعل قبله إلى ما لا نهاية، والنتيجة هي إثبات للفعل دون الفاعل، وهذا يقتضي الهلاك والفناء؛ لا الوجود.