التفكير والتكفير

كلمة (تفكير) فقد أضيف لأولها حرف (التّاء)؛ ليعطيها دلالة الجهد في عملية الانفتاح على الواقع، وجاء حرف (الياء) بعد عملية الانفتاح (ك)؛ ليعطيها دلالة البُعد الزّمني، وهذا إشارة إلى أهمية الوقت، في عملية التّفكير – الدّراسة والبحث ـ وجاء حرف (الرّاء)؛ ليعطي لعملية التّفكير صفة الاستمرار والتّكرار، لما سبق من الخطوات. لاحظ، من خلال تحليل دلالة كلمة (تفكير) ظهرت لدينا مسائل، وهي: 1 ـ بذل الجهد في تحصيل المعلومات، عن الشّيء المعني بالدّراسة، وهذا دلالة حرف (التّاء). 2 ـ ضم المعلومات إلى بعضها، بصُورة متجانسة مع عدم القطع بصوابها وحفظ خط الرّجعة (الفاء). 3 ـ التوقف والتأكد من المعلومات، وعدم استبعاد أي معلومات متعلقة بالموضوع (الكاف). 4 ـ أخذ الوقت الكافي للدّراسة، ومراجعة النّتائج، وعلاقتها بالمقدمات (الياء). 5ـ الالتزام بالأمور الأربعة، بصُورة مستمرة ومكررة، وعدم الوقوف أبدًا (الرّاء). فالتّفكير، هو عملية راقية يأتي دورها في الواقع بعد عملية التّعقل، ومن ثمَّ، فهو مرحلة لاحقة له.
قال تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (آل عمران 191). فالتّفكير هو استكمال للمعرفة النّاقصة، وتحليل وتركيب، واستنتاج واستقراء، واستنباط، واستنبات للمجهول من المعلوم، لمعالجة الحاضر والتّحكم بالمستقبل. إن التّفكير يخرج من الفكر، والفكر يولد الفكر، والفكر يشع نورًا، والنّور يضيء الظّلمات؛ ليعيش النّاس في سلام وأمان منفتحين على بعضهم، الجميع يرى الجميع، لا يصطدم أحد بأحد، لا يعتدي أحد على أحد، لأنَّ الفكر يشع نورًا، والنّور يضيء للجميع طريقهم، الكل يعرف ماذا له من حُقُوق، وماذا عليه من واجبات، ويسير منطلقًا من واجباته ليحصل على حقوقه. التّكفير؛ يخرج منه الكفر، والكفر يُوَلِّد الحقد والكراهية، وبدورهما يولدان العدوان، الذي يُولد الظّلم، ويصير ظلمات، لا يرى الإنسان فيها إلا نفسه، والكل يصطدم ببعضه بعضًا، ويفتكون بمن يقع أرضًا دوسًا وقهرًا، ويتخبطون في بحر الظّلمات، لا يعرفون منه مخرجاً ولا اتِّجاهاً، يدورون حول أنفسهم كارهين لها، ولمن حولهم، يلعن بعضهم بعضًا، إنه التّكفير الذي يُولَد منه الكفر. فشتان ما بين التّفكير والتّكفير، والفكر والكفر، والنّور والظّلمات، والانفتاح على الآخرين، والانغلاق على ما بأنفسنا، هل يستويان؟!.