مفهوم الأزلية والطاقة

كلمة الأزلية أتت من دلالة كلمة (لم يزل) التي تعني بقاء الحال على ما هو عليه لم يتغير والمستمر على ذلك لم يطرأ أي تغيير عليه.

و تم اصطلاحاً توليد كلمة الأزلية  من مفهوم (لم يزل) لتدل على بقاء الحال دون بداية له واستمراره على هذا الوضع دون تغيير و دون نهاية له.

   ولذلك لا يصح استخدام هذا المفهوم دون علم بمناسبة ودون مناسبة على الأشياء.

الطاقة: هي قوة وقدرة كامنة شيئية فيها خاصية التحول إلى كتل صورية تتشكل بها(مادة) وتُسيرها وتحكمها ومنها نشأ طاقات ومن أحدها نشأ الكون.

  ولا يملك الفيزيائيون أي برهان فيزيائي على أزلية الطاقة، وهذا يدل على أن رأيهم وموقفهم هذا ناتج عن معطيات ثقافية وفلسفية خاصة بالشخص كفهم له، وبالتالي يخضع فهمهم للنقاش والدراسة مثل فهم أي شخص، و لا يصح التعامل معه كموضوع فيزيائي صدر من عالم فيزيائي يتم التسليم له !

ووقف الفيزيائيون من أزلية الطاقة أربعة مواقف من منطلق فلسفي وليس فيزيائياً.

    الموقف الأول: قال بعضهم:إن الطاقة الأولى أزلية وقد استخدمها الخالق في عملية الخلق، ولم ينفوا وجود الخالق .

  فهل يقصد هؤلاء بأن الطاقة شيء ثابت لم يتغير، وليس لها بداية وهي مستمرة على ما هي عليه ؟

الواقع يقول غير ذلك باعتراف الفيزيائيين ذاتهم كونهم يعدُّون الطاقة تتحول وينبثق منها طاقات التي تحول بعضها إلى مادة التي نشأ الكون منها، وهذا يدل على نفي دلالة (لم يزل) التي تعني بقاء الحال على ما هو عليه دون تحول أو تغيير وهذا يدل على نفي البداية ضرورة عن الأزلي لأن البدء  بحد ذاته هو تغير ، والتغيير منفي عن الأزلي، كما أن وجود الشيء بصرف النظر عن صورة وجوده هو حادث ضرورة، ومفهوم البقاء دون تغيير له مع نفي البدء يدل ضرورة على نفي النهاية، وهذا مفهوم الأزلية ، وهو غير متحقق بالطاقة كون وجودها شيئي وطرأ عليها التغير، مما يؤكد أن الفيزيائيين هؤلاء لا يقصدون بمفهوم أزلية الطاقة هذا المعنى ضرورة ، وإنما يستخدمون مفهوم الأزلية تساهلاً ويقصدون به الوجود القديم جداَ، وهذا يعني أنهم في نهاية المطاف يُثبتون شيئية الطاقة وأنها حادثة وتحتاج ضرورة لوجود قوة أزلية عليمة قديرة حكيمة أوجدت الطاقة وحكمتها بالوعي ، فصارت الطاقة بذلك طاقة واعية تسير وفق نظامها السنني دون حرية أو القدرة على اتخاذ القرار.

     الموقف الثاني:قال بعضهم: بأزلية الطاقة بالمعنى الصريح وهو الوجود دون بداية ولانهاية لها، رغم أنهم لا ينفون وجود الفاعل الأزلي (الخالق) و لا يعطون للطاقة صفة الوعي الذاتي، لأن الوعي حقيقة هو أمر خارج عن الطاقة يحكمها، وإنما يحكمون على وجود الطاقة أزلاً وأن الخالق تعامل معها كشيء له وجود وذلك لنفي استيعابهم حدوث الطاقة و شيئيتها بعد أن لم تكن شيئًا، وقالوا : ربما هي شيء من الخالق لازم  لذاته!.

    وكلامهم هذا لا برهان عليه فيزيائيًا ولا فلسفياً وإنما نتج عن عدم قدرتهم على استيعاب حدوث الطاقة بعد أن لم تكن شيئاً، ووقعوا في تناقضات منطقية.

فهم يعترفون بأن الطاقة غير واعية بذاتها، كما أنهم يعترفون ضمناً أن الطاقة تغيرت وانبثق منها طاقات وتحول بعضها إلى مادة، إذاً هي شيء، والشيء حادث ضرورة، والأزلي باق على ما هو عليه لا يتغير ولا يتحلل ولا يتجزأ…الخ، فكيف تكون الطاقة الحادثة المتغيرة اللاواعية أزلية؟

     الموقف الثالث: يقول بعض الفيزيائيين اللادينيين: إن الطاقة أزلية بذاتها بالمعنى الحقيقي للكلمة، وذلك لأن العناصر الأولى الجزئية لا يمكن أن يكون قبلها شيء، ومنها ظهر كل شيء خلال تفاعلات وتحولات وأحد مظاهر هذه التحولات هو المادة التي نشأ الكون منها، وبالتالي لا تحتاج إلى خالق أو فاعل يوجدها.

 نصف كلام هؤلاء صواب وهو فيزيائي وقصدت قولهم: (لأن العناصر الشيئية الأولى الجزئية لا يمكن أن يكون قبلها شيء)، ولكن نصف كلامهم الأخير (وبالتالي لا تحتاج إلى خالق أو فاعل يوجدها)  أتى من خارج دائرة الفيزياء ولايوجد عليه أي برهان فيزيائي وهو تصور  شخصي خاص بهم، مخالف لما ثبت فيزيائياً من شيئية الطاقة وتحولها و ولادة عناصر أخرى منها نتيجة تفاعلاتها، وهذا الفعل ينفي عنها ضرورة صفة الأزلية، وبالتالي هذه النتيجة أو المفهوم الشخصي مرفوضاً فلسفياً من كون أن الشيء يخضع للصيرورة وهو حادث ضرورة ، والأزلي ليس هو شيئاً وإنما هو كينونة أحدية صمدية في سيرورته لا يوجد له صيرورة، وهو كائن حي قيوم  قدير عليم حكيم ابتدأ خلق هذا الشيء الأولي بعد أن لم يكن شيئاً (كينونة شيئية) بأمره وعلمه وقدرته وحكمته، وسار وصار هذا الشيء بإرادة الخالق.

ومفهوم أزلية الفاعل منطقية مبرهن عليها فلسفياً  ومبنية على الفيزياء الذي أثبت شيئية العناصر الأولية التي ليس قبلها شيء بخلاف افتراض أزلية الشيء (الفعل) الذي هو يتحول ويتغير ويتفاعل ذاتياً ويتولد منه عناصر أخرى.

وهذا مفهوم سورة الإخلاص

  1- {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }

 كينونة واحدة غير قابلة للتجزء أو التحول أو التفاعل أو الحلول أو الإتحاد بشيء، هو الأول الذي ليس قبله شيء ( الأزلية)

2-{اللَّهُ الصَّمَدُ }

كينونة أحدية قديرة عالمة حكيمة مستمرة في الوجود سرمدياً على ما هي عليه في سيرورتها  من كمال في القدرة  والعلم والسؤدد والعظمة في أسمائه الحسنى الحي القيوم.

3- {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ }

بمعنى أن الكينونة الأحدية  الصمدية يستحيل أن تتجزأ أو ينبثق منها عناصر شيئية ، كما أنه يستحيل أن توجد هذه الكينونة الأحدية الصمدية بتوالد أو تفاعل من جهة قبلها .

4  – {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }

ونفي أي جهة أو شيء يكون مثيلاً أو نداً أو أهلاً  أو داعماً أو نصيراً لهذا الكائن الأحدي الصمدي الحي القيوم

إذًا؛كلام هؤلاء مُرسل دون برهان فيزيائي ولا فلسفي، وهو متناقض مع ما أثبتوا هم بأنفسهم للطاقة من كونها غير واعية بذاتها وقد طرأ عليها التغير والتشكل، وأنها شيئية، وهذا يدل بالضرورة على نفي مفهوم الأزلية عن الطاقة.

 والغريب في موقفهم أنه لم يستوعبوا أزلية الخالق (الفاعل)، وأثبتوا الأزلية لشيء (الطاقة) لا يملك الوعي وأصابه التغير والحدوث ضرورة (الفعل)، وهذا يعني أنهم لا يرفضون مفهوم الأزلية برمته!.

فهل نفي الأزلية عن الفاعل العليم القدير الحكيم وإثباتها للفعل الحادث المتغير أمر منطقي ؟ أم أن إثبات الأزلية للفاعل ، والحدوث للفعل هو الأمر المنطقي؟

كيف قبل عقلهم أزلية الطاقة الشيئية المتحولة اللاواعية ولم يقبل أزلية الفاعل العليم الحكيم القدير؟

و كيف قبل عقلهم وجود فعل دون فاعل؟

وهل محور الوجود هو الفعل أم الفاعل؟

    الموقف الرابع: الفيزيائيون المتدينون:قالوا بما أن الطاقة هي شيء متغير وحادث ولا تملك الوعي فهذا يدل ضرورة على وجود كائن أزلي أحد في كينونته، و صمدي في سيرورته، وحي قيوم عليم حكيم قدير، مغاير في وجوده لوجود الفعل وليس كمثله شيء، بدأ الخلق بإرادته بعد أن لم يكن شيئاً، دون ملل ولا حاجة ولا عبث، ومازال رباً مدبراً لهذا الوجود يحكمه وفق نظام سنني ثبته في الوجود يقوم على محور الثابت و المتغير، ويتواصل مع خلقه بمفهوم ربوبيته إدارة وتدبيراً فهو رب رحيم و ودود و رؤوف ومحب.