نقاش رسالة الألباني

حديث الآحاد حجة بنفسه في العقائد والأحكام

إنّ المدقّق في رسالة الألباني، يجدُ أنّ محورَ النقاشِ محصورٌ بنقاطٍ، سوف نذكرها مرقمة وتحتها نقاشي لها:

1 ـ حديثُ الآحاد، كيف يثبت به الأحكام، ولا تثبت به العقائد؟

ج- إن ثبوتَ الأحكامِ بخبر الآحاد، ليس الثبوت القطعي، وإنما هو على غلبة الظنِ، بخلاف ما تفيده كلمة الثبوت، فيجبُ التنبه لهذه المسألة. لأنّ استعمالها إنّما هو استعمالٌ مجازي، وهذا ليس بمحل خلاف، فلم يقلْ أحدٌ من العلماء، أنّ الخبرَ الظني قطعي الثبوت، وإنما هم متفقون على أنه ظني الثبوت، والملاحظُ أيضًا في كلام الألباني أنّه يطلقُ مصطلح العقيدة على كل من القطعي والظني، والأمر بحاجةٍ إلى تفصيل، كما شرحنا ذلك في مصطلحِ العقيدة، ويجبُ التفريق بين ما ثبت بشكل قطعي، ويسمى عقيدة أي من انعقادِ القلبِ عليه تصديقًا جازمًا، وبينَ الأخبارِ الغيبية التي جاءت عن طريق الآحاد الصحيح بشكل ظني. فهذه المسائل اصطلاحًا لم يتحقق بها معنى العقيدة، وبالتالي نقول: إنّ الآحادَ لا يثبت به عقيدة، أي الآحاد لا يصل إلى درجة اليقين، لأنّه خبرٌ ظنيٌ، ومحله التصديق، دون الجزم، ويُسمى أخبارًا إيمانية مثلها مثلُ الأخبار الظنية المتعلقةِ بالأحكامِ الشرعيةِ. وبعد هذا التفصيل نستطيعُ أنْ نقولَ: إن الألباني لم يراعِ فهمَ المصطلحاتِ. ومن المعروفِ أنّه لا مشاحة في الاصطلاح، وبالتالي فقولنا هو: إنّ أخبارَ الآحاد الصحيحة، تقبل في تفصيل الأحكام الشرعيةِ الثابتة في القرءان، وتقبل في تفصيل الشعائر الثابتة في القرءان، أما المتعلقةٌ بالمسائل الإيمانية الغيبية فهي ليست محل إيمان أو كفر ونتوقف بتعاملنا معها ولا نعرف صوابها إلا بعد وقوعها، مع ملاحظة عدم إفادتها اليقين، بنوعيها: أي في الأحكام والمسائل الإيمانية، وبعد هذا العرض نلاحظ خطأ قول الألباني السابق.

2- قال الألباني: نحنُ لو سلمنا لهم جدلًا بقولهم: (إن حديث الآحاد لا يفيد إلاّ الظن) على إطلاقه، فإنّا نسألهم: من أين لكم هذا التفريق؟ وما الدليل على أنّه لا يجوز الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة؟!.

ج- فالملاحظ في عبارة الألباني الأولى: أنّه يوجدُ عنده نوعان للآحاد: نوعٌ يكون ظنيًا، ونوعٌ آخر يكون قطعيًا، أو بعبارةٍ أخرى، ظني قطعي، وظني ظني، ونجد المقدم لرسالته يلخصُ ذلك بقوله:    [والحق الذي نراه، ونعتقده، أن كل حديث آحادي صحيح، تلقته الأمة بالقبولِ من غير نكير منها عليه، أو طعن فيه، فإنّه يفيدُ العلم واليقين سواء كان في الصحيحين، أو في غيرهما: وأمّا ما تنازعت الأمةُ فيه فصححه بعض العلماء، وضعّفه آخرون، فإنما يفيدُ عند من صححه الظن الغالب فحسب ].

ونجدُ الألبانيّ نفسه يكرر نفسَ المعنى تقريبًا بسياقِ الرسالةِ إذ يقول: [والخلاصةُ أنّه يجبُ على المسلم أنْ يؤمنَ بكل حديث ثبت عن رسول الله عند أهل العلم، سواء كان في العقائد، أو الأحكامِ، وسواء كان متواترًا، أم آحادًا، وسواء أكان الآحاد عنده يفيد القطع واليقين، أو الظن الغالب، على ما سبق بيانه، فالواجبُ في ذلك الإيمان به والتسليم له..].

ومن خلالِ التحليل لكلّ من النصين للشيخ وتلميذه، نجدُ نقاط التقاء، ونجدُ نقاط خلاف، ألاّ وهو قول: (عيد عباسي) الأخير:       [فإنما يفيدُ عند من صححه الظنّ الغالب فحسب ]. والكلامُ ليس على السندِ، لأنّ السندَ محلُّ اتفاق بأنّه سند آحادي، وإنّما القولُ: على فائدةِ هذا الخبر الآحادي، فالتلميذُ يصرحُ بأنْ الخبرَ الآحادي الذي اختلف أهل العلم فيه، بينَ مصحح، ومضعف، لا يفيد العلم بحق صاحبه، إنّما الظنّ الغالب فحسب. بينما شيخهُ يصرحُ أنّه يفيدُ العلم، ونقلَ ذلك عن ابن حزم، وابن القيم، وغيره.

والملاحظ في كلامِ الشيخ الألبانيّ السابق: [ يجبُ على كل مسلم أنْ يؤمن بكل حديث ثبت عن رسول الله..] إلى أنْ قالَ: [ سواءُ كان متواترًا أم آحادًا..] أنّه وقع بمغالطات جمة، لأنه هو نفسه يفرقُ بين إنكار المتواتر، وإنكار الآحاد، بينما نجد في كلامه أنه أعطاهما ذات الصفة. والغلطُ الثاني، استخدام كلمة ثبت لكل حديث، ولو كان آحاديًا، محل خلاف بين العلماء، رغمَ أنّه هو نفسه، لا يستطيعُ أنْ يجزمْ بصحةِ حديث آحادي إلى رسول الله فما معنى قوله: [ ثبت عن رسول الله ]. هل يقصدُ المتواتر فقط؟ أم يضيفُ إليه الآحاد؟ والواضح أنّه يضيفُ إليه الآحاد، فكيف ثبت عنده، وجعله هو والمتواتر بمنزلة واحدة؟ فإنْ كان عنده علمٌ، فليظهره لنا. لنعلم كيف ثبت، وما المنهج الذي استخدمه في ذلك. ويشيرُ الألباني في قوله الأول: [على إطلاقه] بأنّه يوجدُ أخبار آحادية، تفيدُ العلم اليقيني، وحشدَ كثيرًا من أقوال العلماءِ، ووقع في مطباتٍ، وتدليسات كثيرة. الأولى: أنّ البحثَ هو في الخبر الآحادي الصحيح المجرد عن القرائن، وما درجة ثبوته، وما فائدته؟ فمن المعلومِ أنّ درجة ثبوته، هو الظنُّ الغالب، وفائدته كذلك لا تتجاوز الظن الغالب، بصرف النظر عن موضوعه، سواء كان في الأحكام، أم في  الإيمانيات، بينما الألباني يتكلم عن الخبر الآحادي الذي رافقه قرائن كقبول الأمة له، أو وجوده في الصحيحين، والموضوع هنا أخذ منحى آخر في النقاش، ولكنْ يجبَ تثبيتَ النقطة الأولى، وهي أنّ الخبرَ الآحادي الصحيح المجرد عن القرائن، ظنيّ الثبوت، ويفيدُ الظن الغالب. هذه يجبُ أن تكون قاعدة في الباب. أمّا النقطة الثانيةُ، فهي أنّ الخبرَ الآحادي الذي احتفّ بالقرائنِ، فالحكم للقرائنِ، فإذا كانت القرينة قطعية، ارتفعَ الخبر الآحادي إلى درجة القطع، واليقين، أمّا إذا لم تكن القرينةُ قطعية، وإنّما كانت ظنّية، فيبقى الخبرُ على ظنيته، وآحاديته. ولا يفيد العلم، واليقين مطلقًا. أمّا القرائن التي أتى بها الشيخُ، نحو: وجود الخبر الظني بالصحيحين، وأنّه قرينةٌ، تفيد القطع، والعلم، فهذا: قولٌ عجيب، وغريب، لأنّ ذلك تصريحٌ من الألباني بأنَّ ما في الصحيحين كله ثابتٌ، وصحيح. بينما، نجدُ الألباني يتناولُ الصحيحين نقدًا، ومن قبله الدارقطني، وغيره. ومعروفٌ أنّه لا صحة لكتاب، سوى كتاب الله، وهذه مقولةٌ يرددها الألباني نفسه، فكيف يكون مجرد مجيء الخبر الآحادي في الصحيحين قطعيًا، والقرينة نفسها غير قطعية؟ فتأمل، ومتى كان الألباني من منهجه اتباع الرجال، وهو المعروفُ بترديد المقولة:      [اعرف الحق، تعرفُ أهله، واعرف الرجال بالحق، وليس الحقُّ بالرجالِ ]، وعدم نقد النصّ سابقًا، لا ينفي نقده لاحقًا. أمّا القرينةُ الثانية التي هي: قبولُ الأمة للحديث، فلا ندري ما قصد بالأمة. هل هي السواد؟ أم العلماء فقط؟.

والواضح من خلال منهجه أنّ الأمةَ يقصدُ بها العلماء فقط. لأنه قطعًا، لا يقصدُ عوام الأمة، وهو الذي تصدى لكثير من النصوص، التي اشتهرت على ألسن الأمة، تضعيفًا وجرحًا، وإنكارًا. فإن قصدَ العلماء، فما أكثرَ الأحاديثِ التي قبلها العلماء، إمّا اتباعًا بعضهم لبعض، أو تقليدًا، والألباني من أدرى الناسَ بذلكِ، وهو نفسه قد ضعفَ كثيرًا من الأحاديث متحقق فيها هذه الصفة، واتهمهم بتقليدِ بعضهم بعضًا. والجانبُ الآخر من المسألة: أنّ قبولَ العلماءِ لنص لا يعني أنّ النصّ صار متواترًا، لأنّهم لم يشاركوا أصلًا في روايته ابتداء، لأنّهم لم يكونوا يومئذٍ حاضرين الحديث، وهذا بديهي. فالخبرُ يبقى آحادًا ظنيًا ولو قبله ألف عالم لا يرفعه إلى درجة القطع أبدًا، لأنّ المنهجُ المتبعَ في التحقيق، ليس هو من قبل النص، أو من رفضه، وما عددهم. وإنما المنهجُ هو صحة هذا الخبر عن الحدث، فمتى كان الألباني يتبع أقوال الرجال، والأكثرية والغوغاء؟!.

أمّا استشهاده بقول ابن القيم، فلا قيمة له من وجهين: الأول أنّ ابنَ القيمِ، ليس إلاّ رجلًا، وليس هو برهانًا، أو دليلًا بذاته، والألباني أدرى الناس بذلك.

الوجه الآخر: أنّ ابنَ القيم يناقض نفسه في هذه المسألة في كتبه، ويكفي أنْ نشيرَ إلى قوله الذي مرَّ معنا في فصل. كيفَ يحكم الإنسانُ على وجود الشيء؟ الذي هو: [فركز سبحانه في فطرِ الناس أنهم لا يقبلون قول من لم يقمْ الدليل على صحة قوله ] إلى أن قال: [ فكيف يُقبلُ قولُ من عداهم، بغير حجة توجب قبولَ قوله…] فلتراجع هناك. أمّا استشهاده بقول ابن تيمية، فذلك غلطٌ وقع فيه، ما كان أن يقعَ به، وهو المتلمذ على ابن تيمية، لأنّ ابن تيمية نفسه لم يضبطْ مصطلح الاعتقادِ، واستعمله لكل من عملِ القلبِ والجوارح، سواءٌ ثبت بشكل قطعي، أو ظني، وهذا واضحٌ في القول الذي سقناه له، في موقف العلماء من الخبر الظني، والشاهد في قوله هو: [ فإنه ليس المطلوب اليقين التام بالوعيد، بل المطلوب الاعتقاد الذي يدخل في اليقين، والظن الغالب، كما أنه هذا المطلوب في الأحكام العملية]. وكلامُ ابن تيمية واضحٌ في أنّ الخبرَ القطعي، يفيدُ اليقين التام، بينما الخبر الظني، يفيدُ الظن الغالب، لا فرقَ بين مسائل الاعتقادِ، أو الأحكام. أمّا تنويه الألباني على إجماعِ الصحابةِ والأمة على قبول خبر الواحد الثقة، وأنّه يفيدُ العلمَ، فهذا بحاجة إلى معرفة ما هو الإجماعُ عند الألباني. والتفريقُ بين قبول خبر الواحد العدل الضابط، فهذا صحيح قد تمّ الاتفاق عليه، أمّا أن فائدته العلم فأمرٌ لم يتمُ الاتفاق عليه، ابتداءً من الصحابة، إلى يومنا المعاصر، ويكفي أن نرجع إلى موقف الصحابة من الخبر الظني لنعرف ذلك.

ونعود إلى قول الألباني السابق: [من أين لكم التفريق؟ وما الدليل على أنّه لا يجوز الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة؟]. فكما قلنا سابقًا: إنه لا فرقَ بين الأخبار الإيمانية، والأحكام الشرعية، فما وصلنا عن طريق القطع يفيدُ اليقين، وما وصلنا عن طريق الآحاد الصحيح يفيدُ الظن الغالب وواجب الإتباع لكليها، على تفصيل قد ذكرناه سابقًا.

أمّا قوله: [وما الدليل على أنه لا يجوزُ الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة].

فيجبُ تحديد السؤال، لأنّ الألباني يتخبط في مصطلحِ العقيدة، والسؤال يجبُ ضبطهُ على الشكل التالي: [ما الدليل على أنّه لا يجوز الجزم على وجود شيء بخبر ظني ]. لأنّ الآحادَ  الصحيح متنًا نأخذ به في تفصيل الأحكام والعبادات دون إلزام به، والدليلُ على ذلك قسمان:

الأول: العقل، فممَّا فطرَ الله عباده عليه، أنّهم لا يجزمون بوجود الشيء، إلاّ إذا قام الدليل القاطعُ عليه، سواء كان الدليل عقليًا، أو نقليًا، راجع كلام ابن القيم في بدايةِ هذه الرسالة، كيف يحكم العقل على وجود شيء.

الثاني: القرءان بقوله تعالى{وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ }  [الأنعام:116]. وراجع ذلك بتوسع في فصل موقف القرءان من الخبر الظنيّ.

نقلَ الألباني عن ابن القيم، التفريق بين المخبر عن رسول الله، والمخبر لأحداث الناس وقضاياهم، وجعلَ قياسهم على بعض فاسد، فقال: [ فساد قياس الخبر الشرعي على الأخبار الأخرى في إفادة العلم ].

وهذا التفريقُ من أقبح ما رأيت، أو سمعت، وهو مخالفٌ للعقلِ صراحة، إذ كيف جعل قبول الناس لخبر يخصهم في أمور حياتهم لا يفيدُ العلم، بينما قبول الناس لخبر شرعي يفيدُ العلم. فهل الشرع، أهون عليه من أخبار الناس؟ أم الأمر فيه التباس، حتى اختلطَ عليه الأمر، فجعل قبولَ الناسِ للخبر الدنيوي لا يفيد العلم، بينما قبولهم للخبر الشرعي يفيد العلم، ووضع للمسألةِ سرًا، فقال: [ وسر المسألة أنّه لا يجوز أن يكون الخبر الذي تعبَّد الله به الأمة، وتعرَّف به إليهم على لسان رسولهم في إثبات أسمائه، وصفاته كذبًا وباطلًا في نفس الأمر..].

فهذا الكلام صحيحٌ، وحقُّ، ولكنْ أساءَ استخدامه، فهذا ينطبق على كتاب الله فقط، وبالتالي محفوظٌ بحفظ الله له كما أخبرَ تبارك{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر:9].

أمّا الأخبار الآحادية، فلا ينطبق عليها هذا القول. والغريبُ أنّ الألباني من أدرى الناس بما وضع الناس من أخبار على لسان رسول الله، وهي كلها كذبٌ وزورٌ رغمَ قبولها عند كثير من الفرق الإسلامية، فهذا لا يعوّل عليه، قبله الناس، أم رفضوه، سواء دامَ سنة، أو ألف. فالأصلُ كتاب الله،  وكل ما أراده الله من ثباته وديمومته إلى يوم الدين، نص عليه بشكل قطعي في الكتاب وحفظه بعنايته وهو العمدةُ، والأساسُ، وإليه الرجوع حين الخلاف.

والأغرب من ذلك، أنّ ابن القيم نفسه، وقعَ في تناقض بهذه المسألة أيضًا، فقوله الذي سقته في فصل: [ كيف يحكم على وجود الشيء]. يصرحُ به صراحةً بأنّ الأنبياء والرسل هم أولى بالتشدد معهم في المطالبة بالحجج، والبراهين، لأنّهم يخبرون عن الله، فكيف أقبلُ قول غيرهم في الشرع لمجردِ أن الناس قبلوه، أو مضى عليه ألف عام، دون نقده، فهل العلم كذلك؟

وهل عدم النقدِ سابقًا لشيء، يعطيه القداسة والصحة المطلقة، وهل ينفي النقد لاحقًا؟

هذه هي أهمُّ النقاط التي انطلق منها الألباني في بحثه السابق، وقد بَيَّنَّا تناقضه، وعدم ضبطه للمصطلحات، مما أدى إلى ظهورِ الخلاف، ولو بشكل سطحي، ولكن الألباني عمقه ورسخه، ووسعه، وذلك حينما حشدَ عشراتِ النصوصِ الآحادية التي تتعلق بأخبار إيمانية، واتهمَ المسلمين وعلماءهم بإنكارها، وصال، وجال حول ذلك مما أدى إلى التباس الأمرِ عند طلاب العلم، وانخدعوا بقوله، وظنّوا أنّ الأمرَ كما قالَ الألباني، والصواب هو، كما بينّاه آنفًا، وهو أنّ العلماءَ، لم ينكروا هذه الأخبار، وإنما لم يجزموا بها، وبالتالي لم يسموها عقيدة وبقيت أخبارًا إيمانية مقبولة، دون الجزم.

فكل ما حشده الألباني من نصوص متعلقةٍ بمسائل إيمانية، إن كانت في القرءان فهي عقيدةٌ مجزوم بصوابها، وإن كانت ظنية الثبوت، أي آحاد فهي أخبار عقائدية اصطلاحًا، ولكنْ غير مجزوم بثبوتها ونتعامل معها، ضمن منهج علمي، أساسه القرءان، والواقع، وبعد ذلك ينظرُ في السندِ وحال الرواة.

وبعد ذلك النقاش لرسالةِ الألباني نجدُ أنّ رسالته انتفى عنها اسمُ البحث العلمي الموضوعي، وإنّما هي مؤلفٌ لتقريرِ فكرةِ سابقة، وحشدٌ لكل ما يخدمُ هذه الفكرة، مع محاولة اغتيالِ عقل القارئ، وذلك بتقرير النتائج وتضليل المخالف ولم يترك للقارئ حريةَ التفكير، والبحث، والمقارنة، بين الرأيين، واختيار الأقرب للصواب، واستخف بعقل القارئ، عندما نقل أقوال العلماء كان قصدهم شيئًا واستخدمه هو في تقرير شيء آخر، نحو: نقله لقول ابن تيمية، ونقله لقول ابن القيم، رغم أن ابن القيم يناقض نفسه في هذه المسألة، كما لاحظنا، ويصرحُ في كل من كتبه بقول، فكيف ينقلُ الألباني قولًا ويدع الآخر؟ ألا يدلُّ هذا على أنّ الفكرة موجودةٌ، مسبقًا، والرسالة هي للتدليل عليها فقط، وليس بحثًا علميًا موضوعيًا، يبحثُ من أجل الوصول للصواب، والحقيقة ؟