نقاش ونقد

مقولة إن الرجال هم الذكور حصراً، و النساء هن الإناث حصراً

عندما يتعرض بعض المثقفين لدراسة مثل تلك الأفكار والرد على الآخرين  دون امتلاك المنهج القرءاني واللساني مع غياب المنطق في التفكير واستخدام ما هو شائع بين الناس، يصلون إلى مفاهيم سطحية ، فعلى سبيل المثال يقول أحدهم  في معرض رده: هل يعقل أن تأتي الكلمة في القرءان عشرات المرات بمعنى واحد وتأت مرة واحدة في نص بمعنى مختلف ؟ وعد هذا برهاناً على أن الكلمة في القرءان أينما أتت ينبغي أن تأت بمعنى واحد، وهذا يدل على درجة الجهل والنظرة السطحية للأمور، فالكلمة في اللسان العربي لها مفهوم واحد لسانياً ثابتاً  ويحدد هذا المفهوم  دلالة الجذر لها ، ويظهر معانيها المختلفة حسب استخدام المتكلم لها في سياق معين محكومة بالمفهوم اللساني.

وعلى سبيل المثال انظروا إلى كلمة ضرب.

مفهوم كلمة ضرب في اللسان العربي يعني إيقاع شيء على شيء يترك فيه أثراً ، وحين الاستخدام له من قبل المتكلم في سياق معين يظهر له دلالة مادية وأخرى معنوية ويختلف المعنى من سياق إلى آخر.

دلالة معنوية :{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء }إبراهيم24

دلالة مادية: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى }طه77

ويمكن أن تأتي الكلمة في كل الاستخدامات بمعنى واحد  وذلك يرجع لقصد المتكلم حين استخدامها، مثل كلمة التوبة .

ويمكن أن تأتي الكلمة عشرات المرات بمعنى واحد وتأت مرة أو أكثر بمعنى مختلف، وذلك يحدده السياق ومحل تعلق الخطاب، فالعبرة بالسياق وليس بتكرار الكلمة بمعنى واحد، لأن تكرار الكلمة بمعنى واحد لا ينفي استخدامها بمعنى آخر في سياق آخر، فلذلك هذا  ليس برهاناً على أن أينما أتت الكلمة يكون معناها حسب ما أتت في نص آخر.

قال أحدهم: إن جمع كلمة نسيء (وهو التأخير) هو نسؤ .. وليس نساء

أما جذر كلمة نساء ونسوة فهو (نسو). وذلك فيما نقل عن بعض الدارسين للسان العربي ووصفهم بالفهمانين!!

والمتتبع لرأي هؤلاء ومن يقول بقولهم يجد أن رأيهم ليس مبنيًا على دراسة علمية منطقية قراءنية وإنما  هو لنفي أن تكون كلمة نساء جمع لنسيء وذلك  لنقض ما أتى به الشحرور من تطبيقات ومعاني للنصوص التي أصاب في معظمها وأخطأ في بعضها ، ولكن ليس محل النقاش ما أصاب الشحرور أو ما أخطأ من تطبيقات، وإنما النقاش هو هل كلمة نساء مثل كلمة نسوة و جذر الكلمتين ( نسو) كما زعم هذا الرجل وسأل الفهمانين وقالوا له:  إن جذر كلمة نساء ونسوة  هو نسو،  و كلمة  نسؤ  جمع لمفردة نسيء.

لنقوم بعرض رأي أهل القواميس والمعاجم في ذلك  ولا نخوض في دراسة الكلمة منطقيا ولسانياً لأن ذلك صعب فهمه على الرجل و الفهمانين من أهل اللغة الذين سألهم، فهم متعودون على  مقولة: من قال بقولك  ومن معك على هذا الرأي وما هي المراجع التي اعتمدت عليها. اقرؤوا  وانتبهوا أين أتت كلمة النساء وما هو جذرها، وسأكتفي بذكر مصدرين لأن  بقية المصادر تتبعهم في ذلك:

1-  ابن منظور صاحب قاموس لسان العرب

      نسأ (لسان العرب)

نُسِئَتِ المرأَةُ تُنْسَأُ نَسْأً: تأَخَّر حَيْضُها عن وقتِه، وبَدَأَ حَمْلُها، فهي نَسْءٌ ونَسِيءٌ، والجمع أَنْسَاءٌ ونُسُوءٌ، وقد يقال: نِساءٌ نَسْءٌ، على الصفة بالمصدر. يقال للمرأَة أَوَّلَ ما تَحْمِل: قد نُسِئَتْ. ونَسَأَ الشيءَ يَنْسَؤُه نَسْأً وأَنْسَأَه: أَخَّره؛ فَعَلَ وأَفْعَلَ بمعنىً، والاسم النَّسِيئةُ والنَّسِيءُ.

وتابع ابن منظور شرحه واستخدام كلمة النسيء و النسء والنساء إلى أن وصل فقال:

يقال: امرأَةٌ نَسْءٌ ونَسُوءٌ، ونِسْوةٌ نِساءٌ إِذا تأَخَّر حَيْضُها، ورُجِي حَبَلُها، فهو من التأْخير ، وقيل بمعنى الزيادة من نَسَأْتُ اللَّبنَ إِذا جَعَلْت فيه الماءَ تُكَثِّره به، والحَمْلُ زيادةٌ.

انتبهوا لقول ابن منظور: (امرأَةٌ نَسْءٌ ونَسُوءٌ، ونِسْوةٌ نِساءٌ إِذا تأَخَّر حَيْضُها، ورُجِي حَبَلُها) ، فكلمة نسوة هي جمع امرأة من غير جنسها، فتكون كلمة نساء بعدها قطعاً لا يقصد بها جمع امرأة  وجذرها ضرورة حسب السياق عند ابن منظور هو نسأ ، فما هي مفردة جمع النساء من جنس أحرفها غير أنها جمع امرأة من غير أحرفها؟

2- نسأ (العباب الزاخر)

وهو نِسْءٌ نِسَاءٍ -بالكسر-: أي حدثُهُنَّ وخِدْنُهُنَّ. وأنْسَأْتُهُ الشيء: أخَّرْتُهوأنْسَأْتُ الدَّين: أخَّرْتُ، وقوله عز وجل: (إنَّما النَّسِيْءُ زِيَادَةٌ في الكُفْر): قيل: هو فَعِيْلٌ بمعنى مفْعُولٍ من قولك: نَسَأْتُ الشيء فهو مَنْسُوءٌ: إذا أخرته؛ ثم يُحوَّل مَنسُوْء إلى نسيء كما يُحوَّلُ مَقتول إلى قتيل.

  • وكل المعاجم أرجعوا كلمة النساء إلى جذرها نسأ، ولم يذكر أحدهم أن جذر كلمة النساء هو نسو، بل قالوا: إن جذر كلمة النسوان هو نسو أو نسا.

اقرؤوا :

  • نسا(لسان العرب)
  • النِّسْوةُ والنُّسْوة، بالكسر والضم ، والنِّساء والنِّسْوانُ والنُّسْوان: جمع المرأَة من غير لفظه

ذكر ابن منظور كلمة النساء في هذا السياق لأنها أيضاً جمع امرأة من غير جنسها مثل كلمة النسوان ولم يقصد أن جذر كلمة النساء هو نسا . وتابع قوله :

والنِّسيْان، بكسر النون: ضدّ الذِّكر والحِفظ ، نَسِيَه نِسْياً ونِسْياناً ونِسْوةً ونِساوةً ونَساوة ؛ الأَخيرتان على المعاقبة .
وحكى ابن بري عن ابن خالويه في كتاب اللغات قال: نَسِيت الشيء نِسْياناً ونَسْياً ونِسْياً ونِساوةً ونِسْوةً ؛

فعند أصحاب المعاجم

– جذر كلمة النساء هو نسأ  التي تدل على التأخر، {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً }التوبة37

– وجذر كلمة النسوة هو نسا  التي هي ضد التذكر وتعني تغافل الشيء وتركه وإهماله سواء بقصد أو دون قصد. { نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }التوبة67

وللتوسع في دراسة دلالة كلمة النساء ومفردتها النسيء يرجى قراءة هذا البحث: نسيء و نساء في لسان العرب والقرءان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وتابع قوله هذا الذي يسأل الفهمانين : أما بخصوص الرجل فالخلط الذي حصل هو بين الرجال التي هي جمع (رَجُل) .. ورجالاً التي هي جمع (راجل) .. فنقول قائم قياماً وراجل رجالاً .. فالراجل هو الذي يمشي على قدميه من (الرجل) .

  • عجيب على من يرد هذا الرجل ؟ من قال : إن كلمة رجالاً أينما أتت وبأي سياق هي جمع رجل ؟ طبعاً هو ينفي أن تأتي كلمة رجل ويقصد بها المرأة التي تعمل وتنفق ، فعنده الرجال صفة نوع حصرًا هم الذكور ، والنساء  صفة نوع حصرًا هن الإناث، ولن نخوض في دراسة المفهوم منهجيًا ومنطقيا ً ولسانياً فهذا صعب أن يفهموه وسوف نتبع الطريقة التقليدية التي يعشقونها.
  • بداية اقرؤا قول ابن منظور في لسان العرب :

رجل (لسان العرب)

حكى ابن الأَعرابي: أَن أَبا زياد الكلابي قال في حديث له مع امرأَته: فَتَهايَجَ الرَّجُلانِ يعني نفسه وامرأَته، كأَنه أَراد فَتَهايَجَ الرَّجُلُ والرَّجُلة فغَلَّب المذكر. وتَرَجَّلَتِ المرأَةُ: صارت كالرَّجُل. وفي الحديث: كانت عائشة، رضي الله عنها، رَجُلة الرأْي؛

فكلمة الرجل ليست اسم جنس أو نوع وإنما وصف حال أو مقام في اللسان العربي ، واستخدامها غالباً على نوع الذكور لا ينف أن تتصف بها المرأة ، ألا تترجل المرأة كحال أو تصل إلى مقام الرجولة كرأي ومال وقوة ؟

إن قلنا: رأيت رجالاً، هل تعني بالضرورة ذكوراً؟ ألا يمكن أن تكون وصفًا لجماعة من الناس مترجلين  أو وصلوا إلى مقام الرجولة كرأي ومال وقوة ، ولا علاقة لذلك بالنوع الذكري أو الأنثوي؟

اقرؤا هذه النصوص ولاحظوا استخدام كلمة  رجالاً فيها وحددوا المعنى من خلال السياق

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }النساء1

هل كلمة( رجالاً) في النص يقصد بها الترجل وخاصة بالذكور، أليس النساء يمكن أن يترجلوا أيضاً

{ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }النساء176

هل كلمة ( إخوة رجالاً ونساء) تعني الأخوة الذكور المترجلين من الترجل، ألا يمكن للنساء أن يترجلن أيضاً كحال؟

{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ }الحج27

كلمة (رجالاً) في هذا النص أكيد ليس جمع ذكور وإنما هي حال قد يتحق بالذكور أو بالإناث أو بكليهما من الترجل ، وبصرف النظر عن المفهوم فهذا ليس محله الآن، ولكن قطعاً جذر كلمة رجالاً وكلمة رجال هو رجل.

وللتوسع في دراسة مقام الرجال والنساء يرجى قراءة هذا البحث

مفهوم الرجال والنساء في القرءان