{وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هدَى اللّهِ هوَ الهُدَى…} البقرة120

إن هذا النصَّ القرءاني قد أنزله الخالق العليم بدخائل النفوس وطبائعها{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ} الملك14، يخبر نبيه محمَّد القائد الاجتماعي للأمة حينئذ، وكل قائد سياسي يأتي بعده إلى يوم الدين. بأن معشر اليهود – المتمثل حالياً بالكيان الصهيوني -، ومعشر النصارى- المتمثل حالياً بأمريكا ومعظم دول أوروبا- لن يرضوا عن سياسة القائد المسلم مهما تنازل ما لم يتبع ملتهم، وما ينبثق عنها من سياسة تخدم مصالحهم، والذي يؤكد ذلك الوصف الإلهي، تلك الممارسة السياسية المهادنة التي تبناها بعض قادة الشعب الفلسطيني، فأهدرت دماء شباب الأمة، وتنازلت عن كل شيء، ومع كل ذلك لن يحظوا بمرضاة اليهود، مصداقاً لقوله تعالى في وصف اليهود{وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} (آل عمران 73) حتى إذا ما انتهى دور هؤلاء السياسيين المهادنين ألقى اليهود بهم جانباً، لأنهم ليسوا منهم أصلاً، ولا ثقة لهم إلا بمن كان من ملتهم التي جعلوها ديناً لهم.

 ورغم تحذير الله المسلمين من أن يُصابوا بالمرض ذاته، غفلوا وأصيبوا به، وصار لسان حالهم (ولن ترضى عنك الشيعة ولا السنة حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى) !، وانتشر بينهم منهج التهود والتنصر.

لذا، مسألة نيل رضا اليهود أو النصارى، وكذلك (الشيعة أو السنة) ضرب من المحال، لأن ذلك منوط بتنازل الأمة العربية عن كيانها السياسي، والسير في قضية التطبيع اليهودي للوطن العربي كله، من المحيط إلى الخليج، ومضمون هذا التطبيع، فتح سوق استهلاكي في الوطن العربي، يضمن تصريف منتجات اليهود بشكل خاص، وأمريكا وأوروبا بشكل عام، لأن التطبيع الثقافي بما تحمل هذه الكلمة من معان واسعة من الفكر والأدب والأخلاق والتاريخ والفن، أضعف من أن يقوم اليهود به، وذلك راجع إلى أصالة الثقافة العربية الإسلامية المتمثلة بالقرءان.

وربط التطبيع بعملية السلام، والإصرار عليه يكشف نوايا اليهود، والأبعاد التي ينظرون إليها. لأن التطبيع هو عملية استعمار من نوع آخر، والدول العربية التي تقع في فخ التطبيع، تصير امتداداً لدولة اليهود الطائفية، وحارساً أميناً لها من غضب الشعوب، وذلك لذهاب كيانها السياسي، وتشرع أبواب البلاد على مصراعيها لتصريف الإنتاج اليهودي؛ ما  يضمن لليهود الاستمرار، والاستقرار في قلب البلاد العربية، وتحقيق حلم اليهود بإيجاد أمة لهم على أرض جغرافية ذات حضارة وثقافة أصيلة، ويضمن الغرب النصراني الصليبي عدم قيام المارد العربي من جديد.

وهذا التطبيع هو الذي أشار إليه الخالق بقوله السابق: (حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) فالاتِّباع لليهود هو الرضوخ للتطبيع، ولن يقبل اليهود بديلاً عنه مهما طال الزمن، لأن التطبيع يضمن استمرار وجود الدولة اللقيطة في المنطقة، ويضمن سيادتها، ويُصيب المجتمع العربي بالتخلف العلمي، والانحلال الأخلاقي والقِيَمي   ؛ ما يؤدي إلى عدم قيام نهضة حقيقية تُرجع للعرب مقام الخلافة لهم في الأرض، وقيادة الناس بالفكر والعلم، والعدل والسلام، وعمران البلاد وحرية العباد.

وينبغي أن نعلم كيف ينظر اليهود لغيرهم، وكيف يتعاملون معهم؟

نجد جواب ذلك في أهم كتاب لهم (دليل المحتار) لابن ميمون، وهو أعظم كتاب في الفلسفة اليهودية، ينظر إلى غير اليهود بأنهم بهائم بصور بشرية، وبالذات من يتصفون باللون الأسود، وعندما تُرجم الكتاب إلى الإنكليزية، وطُبع في أمريكا طبعة شعبية عام 1925م، تُرجمت كلمة (كوشيم kushim) التي تعني (سود) بكلمة (كوشيتيين Kushites) التي لا تعني شيئاً، والحاخام لا يوضحها أثناء الطقوس الدينية أو دراسة الكتاب.

ومع ذلك دعم الحاخامات حملة (مارتن لوثر كنغ) وذلك لكسب دعم السود في أمريكا لمصلحة اليهود ودولتهم في فلسطين!.

 وهذا يفسر سبب دعم اليهود لـ (أوباما) رئيس أمريكا الحالي رغم أنه أسود!.

ففي معتقد اليهود كل الناس غير اليهود هم بهائم بصور بشرية، وأنجاس، وشياطين خُلقوا من أجل أن يسخرهم اليهود لخدمتهم وخاصة السود!، وجُعلوا بصورة بشرية حتى يَسهل التعامل معهم، ولا يجوز مؤاكلتهم، أو الاختلاط بهم، أو الزواج منهم، أو التعامل التجاري معهم، أو معالجتهم من الأمراض، أو دفنهم في مقابر اليهود… إلخ، ويجوز التساهل في بعض الأمور معهم لتحقيق مصلحة لليهود، أو تَقِيَّةً لحين التمكين.

لذا، ينبغي أن نعرف أن اليهود ليسوا أصحاب سلام حقيقي، وما المفاوضات والمؤتمرات إلا لعب بعامل الوقت، وأي معاهدة أو اتفاق يُبرمونها تكون غير ملزمة لهم، وإنما مناورة يستخدمونها لكسب الوقت وإطالة عُمر دولتهم، ويعملون على تفريق القوى من حولهم، والحرص على عدم وحدتهم، وزرع الخلاف والكره بينهم لينشغلوا ببعضهم، وينصرفوا عن مجابهة دولة اليهود، ويعملون على خلق أزمات أو حروب أخرى في أماكن مختلفة، مثل أزمة العراق ولبنان والسودان وجزر الإمارات مع إيران… إلخ، انظر إلى قول اللورد كرومر: (نحن لا نحكم مصر، وإنما نحكم حُكّام مصر) !. وهذا ينطبق على معظم حُكّام العرب!.

لذا، كان من الطبيعي ألا تنفرد دولة عربية واحدة في اتخاذ القرار، أو البتِّ في القضية، ولا بُدَّ من اجتماع الأسرة العربية، والإسلامية، ليتفقوا فيما ينبغي أن يعملوه من أجل القضية الفلسطينية التي استُخدِمَت لتغييب القضايا الأخرى، والسكوت عنها، وعلى رأسها مفهوم الخلافة للإنسان المسلم في الأرض،  وضرب وحدة الأمة العربية وتجزئتها، وإلهاء الأمة دولاً وشعوباً بفلسطين المحتلة، وكأن العراق، ولبنان، والصومال، والسودان، وموريتانيا، والأحواز، ولواء إسكندرون… إلخ! ليست قضايا عربية.

ومن هذا المنطلق تبرز أهمية تفعيل الدور العربي، والإسلامي بالتعاون مع الدُّوَل الصديقة ذات الاتجاه الإنساني، فكما أن القوى في العالم آلت إلى تكتلات كبرى، والفرد لا يستطيع أن يقف في وجه التكتل، يجب على العرب والمسلمين أن يتكتَّلوا ليجابهوا التَّكتُّل بالتَّكتُّل.

ففي عالم متصارع، لا يحترم الصغار، يجب أن نكرس كل قدراتنا الإيمانية، والإنسانية، والعلمية، والعملية، والثقافية، للارتقاء بأمتنا إلى مصافِّ كبار الكبار.