السؤال:

لماذا  بعث النبيين و نزلت الكتب الإلهية إذا كان الدين فطري في أصله،

وكيف نفهم سبب ارسال محمد و القران ان كان الاسلام مجرد دين فطري يعتمد على السلام !!
الا يكون عبثا هذا الامر ؟

ولماذا لم يتم إكمال الدين وختم النبوة بالنبي موسى أو بالمسيح، ونزل القرءان وبعث النبي محمد؟

الجواب:

عقل الإنسان هو أول نبي له ، و يضاف له الواقع والعواقب كل ذلك حجة على الإنسان، ومع كل ذلك من رحمة الله وحكمته أرسل رسلا ونبيين لنفي أي ظلم يصيب الإنسان أو حجة يعرضها الظالم أو المجرم أو أن يشعر بالظلم أو أن يخطر بباله ذلك
وكان النبييون يدفعون بحركة التاريخ للأمام للنهضة ويسرعون عملية الارتقاء نحو الإنسانية وتحريك الشعوب ليمارسوا حريتهم ويفكرون
{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ }الملك10
{رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }النساء165
{قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ }آل عمران137

{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ }الأنعام130

الأمر ليس كما تقولين ، فالأحكام الباقية ليست من أصول الدين وهي جزئية ، ووصف الدين عموماً بأنه فطري لايعني أن ذلك معلوماً ابتداء معه خلقا أو غريزة مثل غريزة النوع، وإنما المقصد أن الدين بمفاهيمه واحكامه وتوجيهاته منسجم مع الفطرة التي منها العقل ومقبولة لاترفضها ولا تخالفها ولاتقمعها، ولو لم يبعث الله النبيين ولم ينزل الكتب وترك ذلك لإدراك العقل لتأخرت مرحلة الطفولة وطالت زمنياً في المجتمع الإنساني ولن يحصل الوعي والتفكير القيمي والاخلاقي على مستوى الشعوب وإنما على مستوى فئة مفكرة فقط وبالتالي لن يتم النهضة بالشعوب وارتقائهم ولن ينضج الضمير عندهم والوازع الديني و لن يلتزموا بالقانون الوضعي وسوف يخالفوه في اي لحظة غفلت السلطةو الرقابة عنهم، لذلك كان من المهم أن ينزل نصوصا ربانية مقدسة تكون تحت متناول كل الناس ليلتزموا بها وهذا يقتضي بعث النبيين لينزل عليهم الكتب ويقودوا الشعوب نحو الوعي والحرية والتفكير….
انظري ماهي الاحكام الموجودة خارج منظومة القيم والأخلاق والوصايا العشر؟
معظمها أحكام تنظيمية توجيهية وتحذيرية ومنها غير ملزم بذاته مثل المواريث فالاصل فيها هو الوصية وليس المواريث، وتعدد النكاح فهو مباح وليس واجباً .
الكتب الإلهية السابقة لم تنزل بلسان عربي مبين ، والأمر أشبه بكتب مدرسية لمراحل ابتدائية وعندما تطور المجتمعات الإنسانية صار لابد من كتاب عالي الصياغة يحتوي معارف ليصلح للدراسة ويستمر كخطاب ومرجع للناس جميعا ، فنزل القرءان مكملا لما سبق وجامعاً وليس ناسخاً أو ملغيًا لها، واحتوى كل ماسبق سوى بعض الاحكام التي كانت خاصة وعينية فنسخها نحو الإنسانية ، والقرءان ليس كله كتابا دينيا فالدين فيه لايتجاوز بضع مئات من النصوص وهي محكمة الدلالة ، وبقية النصوص هي كونية وتاريخية وفلسفية ويغلب عليها التشابه وليس معني بها كل الناس وليس محل حساب فهي للدارسين و العلماء
ولايوجد محاباة عند الله ولو كان الناس مهيئين كوعي اجتماعي وفكري و لساني لتم إكمال الدين بالتوراة وكان النبي موسى هو النبي الخاتمي، أو بالإنجيل وكان المسيح هو النبي الخاتمي لأن سؤالك ينسحب على المسيح أيضا فماذا أضاف للتوراة من أصول الدين طالما الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح مذكور في التوراة وكذلك الوصايا العشر …..لماذا نزل الإنجيل وبعث المسيح ؟، في الواقع أن ذلك لم يحصل، وهذا لأن المجتمع الإنساني لم يصل إلى مرحلة رفع الوصاية الإلهية عنه فما زال في آخر مرحلة اليتم الفكري والإنساني والوعي ، وفي زمن النبي محمد وصل المجتمع الإنساني إلى بدء مرحلة الوعي والنضج الفكري واللساني فاقتضى رفع الوصاية الإلهية المباشرة وإكمال الدين بأجزائه الأخيرة وختم النبوة وتسليم مفتاح الخلافة للجنس الإنساني ودفعه لأن يسير وحده بمسؤولية وحرية مستخدما ما سبق من تربية وتعليم وتوجيه كإطار لحركته الاجتماعية فنزل الشرع في القرءان بشكل حدودي وليس عينياً ولاقوميا وإنما إنسانياً، ونزل بلسان عربين محكم الصياغة وصار كتابا يصلح للدراسة والتدبر في كل مجتمع وفي كل زمن ويواكب التطور والتغير العلمي .