حوار فلسفي بين أجنة

تقلب زين في رحم أمه فوقعت يده على شيء بجواره فتلمسه تفحصاً يريد معرفته وسأل بصوت عال هل من أحد هنا ؟
فردت زينة : نعم يوجد، من المتكلم؟
زين: أنا هنا ساكن معك في هذا العالم .
زينة: وما هو شكلك؟
زين: لا أدري كيف هو شكلي ، ولكن بإمكانك أن تتعرفي عليه وتفحصيه.
زينة: إن شكلك مثل شكلي من حيث المظهر.
زين: من أين جئت
زينة: لا أدري ما شعرت بوجودي إلا هنا.
زين : وأنا كذلك .
زينة: ماذا نفعل هنا؟
زين: لا شيء.
زينة: مستحيل طالما أننا لم نأت نحن بأنفسنا إلى هنا فهذا يدل على أنه يوجد من وضعنا هنا لقصد معين.
زين: ولماذا تفترضين هذا المقصد ولا تفترضين أننا موجودون هنا دون بداية ؟
زينة: أولاً لأننا لم نوجد أنفسنا بأنفسنا فنحن أضعف من ذلك بكثير، ووجدنا بعد أن لم نكن موجودين. وثانياً نحن نملك وعياً بوجودنا المستقل عن بعضنا فأنت غير أنا ، ونحن غير المكان الذي نعيش فيه حالياً، والوعي لهذه الحقيقة يدل على أنه لابد من وجود فاعل أوجدنا هنا لقصد معين.
زين: لا أتصور كلامك صواباً، لو كان كلامك صواباً لكان الفاعل يعيش معنا ونستطيع أن نلمسه.
زينة: ولكن هذا عالمنا الخاص بنا ،وليس عالمه ، ومن الطبيعي أن يكون الفاعل المختلف عنا في وجوده في عالم آخر مختلف أيضاً في وجوده.
تابع زين تفحص جسمه وجسم زينة فوقعت يده على القدمين، فسأل زينة ما هذه الأشياء؟
زينة: لا أدري، ولكن طالما هي موجودة فلابد أن يكون لها وظيفة معينة تظهر لنا فيما بعد.
زين: لا أتصور أن يكون لها أي وظيفة نافعة فهي مجرد زيادات .
وفجأة يشعرون بحركة واهتزاز ، فيمسك أحدهما الآخر خوفاً ، ويسأل زين: ماذا حصل ؟ ما هذا ؟
زينة: لا أدري، ولكن كأن الشيء الذي نعيش فيه يتحرك وينتقل ويسير .
زين: هذا هراء كيف يتحرك ويسير ونحن أصلاً نعيش فيه.
زينة: وهل أنت تحدد ما ينبغي أن يكون وما لا يكون؟
زين: أنا أتصور الأمور.
زينة:وهل تصورك للأمور له علاقة بوجودها إثباتاً أو نفياً؟
زين: أتصور أننا في وهم وحلم .
زينة: تتصور نفسك في حلم أم تتصورني معك أيضاً؟
زين : كلانا في حلم و لا وجود لكلينا أصلاً.
زينة: ولكن الحلم لابد له من حالم يحلم به ، وعلى افتراض أننا في حلم فنحن في حلم غيرنا وليس حلمنا نحن، وما يحصل معنا من أمور تدل على أننا ليس في حلم غيرنا، ونحن نتمتع بوجود حقيقي نحس به مغاير للمكان الذي ننتمي إليه ومغاير لوجود بعضنا فأنت ليس أنا بدليل أننا نتحاور مع بعض وكل واحد يمثل نفسه .
زين: على افتراض صواب كلامك ،لماذا الفاعل لايظهر لنا ويدعنا نلمسه ونشعر بوجوده ونتفحصه؟
زينة: ولماذا تفترض أن الفاعل هو من جنسك ويخضع لصفاتك وأدوات معرفتك الحسية ؟
زين:وكيف أعرف أنه موجود دون أدوات حسي؟
زينة: وهل تملك كل أدوات المعرفة التي تستطيع أن تدرك بها كل وجود مهما كان مختلفاً عنا؟
زين: أملك الحس باللمس والسمع.
زينة: إذاً ؛ معرفتك بالوجود خارج ذهنك محصورة بهاتين الحاستين، فأنت لا تعرف إلا عالم الأصوات وعالم اللمس، واللمس حاسة محدودة جداً وقاصرة على ما يقع تحت لمسك فقط وعالمك صغير جداً لا يخولك لمعرفة شيء من خلال اللمس بخلاف حاسة الصوت فهي أقوى وأوسع معرفة، وما تعجز عن لمسه لا يعني أنه غير موجود لأنك ممكن تسمع صوته، وكذلك مالم تسمع صوته أيضاً لا يدل على نفي وجوده لاحتمال وجود حواس أخرى وأدوات معرفية لا تملكها حالياً، وقد تظهر أو تملكها فيما بعد فتدرك بها وجود أمور كانت غائبة عنك .
زين: أفهم من كلامك أنك تثبتي وجودنا الحقيقي غير الوهمي، وتثبتي وجود فاعل لنا مختلف عنا، ووضعنا في هذا العالم الصغير لقصد معين أليس كذلك؟
زينة: نعم أثبت ذلك وأؤمن به.
زين: كيف أثبت ذلك لنفسي وحواسي قاصرة ومحدودة فأنا لم ألمسه ولم أسمع صوته، وإذا فعلاً وضعنا في هذا العالم لقصد معين لماذا لايظهر ويعرفنا على نفسه ويكلمنا بصوته ويخبرنا ماذا يريد منا؟
زينة: أنت تتجاهل أكبر أداة أو مركز الأدوات المعرفية كلها وسيدها!!
زين: كيف ذلك، وهل يوجد أداة غير اللمس والسمع لمعرفة وجود الأمور أو الأشياء؟
زينة : نعم يوجد وهو في داخلك وتستخدمه؟
زين: عجباً ماهو؟
زينة: إنه قوة الإدراك والوعي والتمييز، وما الحواس الأخرى مهما قلت أو كثرت إلا وسائل معرفية تنقل الحس بالواقع إليه ، وهذه القوة هي التي تربط المعلومات ببعضها وَفق نظام منطقي صارم يحكم على الأشياء .
زين: وماذا أفهم من كلامك هذا وما علاقته بسؤالي؟
وفجأة يصدر صوت ألم من زين ويصرخ عالياً آي ويقول موجهاً حديثه لزينة :
زين : لماذا فعلت ذلك؟
زينة: وماذا فعلت؟
زين :ألم تقرصيني بيدك بقوة ؟
زينة: لا؛ لم أفعل ذلك.
زين: ومن فعل ذلك إذاً ، هل يوجد أحد غيرنا ؟
وفجأة سمعا صوت آخر يقول: نعم أنا موجود معكم أشارككم عالمكم هذا وأسمع حواركم منذ بدايته، وأنا اسمي زيد.
زين: هل أنت فعلت ذلك ؟
زيد : نعم؛ أنا قرصتك من جلدك.
زين: ولماذا فعلت ذلك.
زيد : أحببت أن أوصل لك الجواب عمليا ً على سؤالك الأخير الذي وجهته لزينة وهو:(وماذا أفهم من كلامك هذا وما علاقته بسؤالي)؟
زين: وأين الجواب يا زيد؟
زيد: الجواب هو ما حصل معك وما مارسته بنفسك دون علم من أحد.
زين: لم أفهم عليك، أرجو التوضيح لي؟
زيد:حسناً ؛ لنحلل ما حصل معك وكيف تصرفت وحدك.
عندما قرصتك بيدي تألمت فوراً ، والسؤال لك يا زين كيف شعرت بالألم؟
زين : من قرصتك لي.
زيد: القرصة كانت للجلد وأنت لم تتألم بالجلد ، وإنما تألمت نتيجة نقل الإحساس بالقرصة إلى مركز داخلي في جسمك قام بقراءة الحدث وحلله، وهذا المركز هو مكان تموضع القوة الواعية المميزة وهو سيد الحواس وتجتمع فيه كل المعارف والمعلومات وتدرك به الأشياء ، وبناء عليه حكمت فوراً بوجود فاعل قام بقرصك حتماً وهو حكم صواب ، ولكن أخطأت بتوجيه التهمة لزينة لأنك لاتملك معلومات تعرف من خلالها من هو الفاعل حقيقة فحكمت بناء على معرفتك السابقة وعلى قدر معلوماتك.
ماذا يعني هذا الكلام؟
يعني الكلام أن الحكم على وجود الشيء من خلال أثره قطعياً يُدرك بالقوة الواعية المميزة في الإنسان داخلياً، ولا يقبل الإنسان قط نفي وجود فاعل لفعل حصل، ولكن ممكن أن يضل في تحديد هوية أو صفة الفاعل أو لا يعرفه أصلاً حسب المعلومات التي يحملها عن الوسط الذي يعيش فيه، لذا؛ ينبغي أن تفرق بين التعقل للشيء كوجود وبين التصور له كشكل وماهية .
زين: أُسلم لكم بوجود فاعل وجوباً لكل فعل حادث وقاصر، ولكن أسأل هل نحن وجدنا من قبل الفاعل لقصد معين في هذا العالم الصغير؟
زينة: طبيعة نظام وجودنا الواعي لأنفسنا، والعلاقات المتكاملة بين الوجود، وشعورنا بالاستقلال النفسي والألم الداخلي، ونمونا، يدل على أن وجودنا في هذه المرحلة مؤقتة ونحن نتجهز لمرحلة لاحقة مختلفة سوف نذهب إليها .
زين: تقصدين أننا سوف نحيا حياة أخرى خارج هذا الوجود الحالي؟
زينة: نعم؛ أؤمن بوجود حياة أخرى مختلفة في نظامها ومعيشتها عن حياتنا هذه لأن هذه الحياة قاصرة ومؤقتة وضيقة جداً وهي مرحلة تفاعلية للنمو فيها ونقوى ونكبر.
زين : هذا هراء، لا يوجد أي حياة خارج هذا العالم الذي نحن فيه ، وهل تستطيعين أن تتصوري ما شكل الحياة ؟
زيد : لا نعلم كل التفاصيل، لكن يوجد النور والسعادة وسنأكل بأفواهنا ونتحرك بأرجلنا بحرية .
زين : هذا مضحك، عندنا الحبل السري وبواسطته ننمو ونتغذى ولم يرجع أحد إطلاقاً من الخارج ليخبرنا ماذا حصل معه أو ماذا رأى، والحياة تنتهي هنا ، والخروج منها يعني الموت.
زينة : أنا لا أعلم بالضبط شكل الحياة بعد الخروج من هنا، ولكن بكل الأحوال سنرى أمنا، وهي من سيعتني بنا.
زين: وهل يوجد لنا أم؟ وأين مكان هذه الأم؟
زيد: هي في كل مكان، تحيط بنا، وبسببها نعيش، ودونها نحن لا شيء.
زين : سخافة وهراء، أنا لا أرى أية أم، وهذا يعني أنها أصلاً غير موجودة، ولو كانت موجودة لكانت بيننا الآن ومعنا.
زيد: رجعت لهرائك وطريقة حكمك على الأشياء من خلال الحس فقط رغم أنك لا ترى أصلاً وتطالب برؤيتها، بل؛ وبدخولها لعالمك الصغير جداً، ولو أصغيت بهدوء وتمعن لسمعتها تغني لنا، ولشعرت بها كيف تحتضن عالمنا، وكيف تمدنا بالغذاء وتعتني بنا ، أنا مؤمن بأن حياتنا الحقيقية ستبدأ بعد الخروج من هنا.
زينة: نعم؛ نحن ندرك في عالمنا الصغير وبحواسنا المحدودة جداً التي لا تتجاوز اللمس والسمع أجوبة الأسئلة الثلاثة الملحة على النفس الإنسانية وهي: كيف ، ولماذا، وأين؟
1- كيف وجدنا؟
ج- وصلنا من خلال القوة الإدراكية الواعية وعلمنا بقصورنا وضعفنا واحتياجنا أنه لابد من فاعل وجوباً لنا مخالف في وجوده لوجودنا.
2- لماذا وجدنا؟
ج- وجدنا لغاية وقصد نبيل وهو الارتقاء والتطهير والتزكية من خلال حياتنا الجديدة بعد خروجنا من الرحم.
3- أين نذهب؟
ج- طبيعة نظام الحياة الذي يقوم على الصراع التناقضي بين الخير والشر يدل على وجود البعث بعد الموت والحساب على مااقترفناه في الحياة الدنيا وإلا كان وجودنا منذ البداية عبثاً وفوضى وما ينبغي أصلاً أن نوجد على هذه الصفة العاقلة الحرة بهذا النظام الذي يقوم على قانون التناقض الجدلي .
هذا ما يدركه أي إنسان بالحد الأدنى، وبأقل حواس ممكنة، فكيف إن امتلك بقية الحواس الخمسة، وتوسعت أدواته المعرفية وتنوعت، وارتقى من مرحلة التعقل إلى مرحلة التفكير وانطلق في الحياة الكبيرة دراسة وعلماً، ومع كل تلك المعرفة والعلم لم يتركنا الله الخالق المدبر وحدنا رحمة منه ومحبة فبعث لنا النبيين والرسل منذرين ومبشرين ومعلمين لئلا يكون على الناس حجة بعد الرسل.
{رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }النساء165
{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }فصلت53
{قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَـمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ }إبراهيم10