الفرق بين دلالة جمع الأموات وجمع الموتى.

كلمة الموت تدل على توقف فاعلية الشيء وإنتاجه سواء أكان بصورة مادية متعلقة بزهق الحياة أو تقليص الفاعلية الحركية للحد الأدنى أم بصورة معنوية تتعلق بتوقف الفاعلية والإنتاج النفسي والفكري والثقافي أو العقلي، والقرءان استخدم كلمة (أموات) جمع للميت المادي لنقرأ:

{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }البقرة28

{وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ }البقرة154

فالقتل لهؤلاء في سبيل الله حصل بصورة مادية تتعلق بزهق حياتهم وخروج نفسهم من الجسم لإصابته بعطل قاتل، ومع ذلك أتى النص بالنهي عن وصفهم بالأموات، وكونهم مقتولين مادياً فالموت المنهي عن وصفهم به لاشك هو الموت المادي الذي يتعلق بتوقف فاعلية نفسهم بدليل مجيء جملة تثبت لهم الحياة خارج عالمنا ولا نشعر بهم، واستخدم النص كلمة (أموات) ليدل على نفي الموت المادي عن النفس وأنها مازالت بفاعلية وحية وليؤكد هذا المعنى أتى بكلمة أنهم يرزقون في نص آخر{وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }آل عمران169، هذا المفهوم لكلمة (أموات) بالمعنى المادي واضح في النصين وتفهم النصوص الأخرى على موجبهما أو نتوقف عن دراستهما ريثما نزداد علماً وارتقاء بالأدوات المعرفية ونحتفظ بما وصلنا إليه من مفهوم أن كلمة (الأموات) هي جمع لكلمة ميت الذي يحصل موته بصورة مادية سواء بشكل نهائي يتعلق بزهق الحياة أم جزئي يتعلق بتقليص حركة وفاعلية الإنسان جسمياً مثل الحالة السُّبات أو النوم أو الشلل الحركي للجسم.

واستخدم القرءان كلمة (موتى) جمع للميت المعنوي النفسي أو الإيماني لنقرأ:

{إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }الأنعام36

{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ }الأنعام111

وجملة (وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى) تدل على أنهم يمكن أن يتكلموا ولكن فاقدين السمع والبصر والتفكير من خلال تعطيلهم فهم موتى الفاعلية .

{إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ }النمل80

الأموات لايسمعون وهذا تحصيل حاصل بينما الموتى يملكون حاسة الأذن وسلامة مركز السمع في دماغهم ولكن لا يُفعِّلون السمع فهم فقدوا الفاعلية فصاروا موتى.

{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ }يس12

إحياء الموتى هو بعث في نفوسهم الحياة الفكرية والإيمانية وتفعيل طاقاتهم وإدراكهم وبعد ذلك كتابة ماقدموا وآثارهم ، ولذلك أتت كلمة (نكتب) فعل مضارع.

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }الأحقاف33

عملية إحياء الموتى المعرضين عن الحق ومعطلين طاقاتهم أمر يمكن أن يفعله الله وهو على كل شيء قدير ، وقد بعث لهم الرسل والنبيين وزرع في نفوسهم الفطرة التي تدرك الخير والصلاح وخلق لهم طاقات عقلية إدراكية يمكن أن تبعث مرة ثانية وتدب الحياة فيها فلا تيأسوا من دعوتهم إلى الحق.

وأيضاً تفهم النصوص التي تعلقت بكلمة (موتى) على موجب هذه النصوص ، والنص الذي لم نفهمه أو أشكل علينا لا يصح أن نستخدمه لنقض المفهوم ، وإنما نتركه لغيرنا أو لنزداد علماً وبعد ذلك ننزله بمكانه من المنظومة دون نقض المفهوم لكلمة ( الأموات) وكلمة (الموتى).

الأموات لايرجعون للحياة الدنيا

من يموت بصورة مادية وتزهق حياته من جسمه، وتتوفى نفسه يجمع على كلمة (أموات)، أو من يهلك جسمه ويقتل في سبيل الله فتخرج نفسه من جسده وتنتقل إلى حياة أخرى فهو ميت الجسم حي النفس ، و هذان الصنفان لا يرجعان إلى الحياة الدنيا قط ، وهذا لا يعني عجز قدرة الله عن إرجاعهم ، وإنما يعني أن الله هكذا جعل سنته في الخلق وهو ملتزم بما وضع من سنن، { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً }فاطر43 لنقرأ:

{وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ }الأنبياء95

{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ }يس31

{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }الأعراف53

{وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ }السجدة12

{وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ }فاطر37

{فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }آل عمران170

سنة الله في الخلق والحياة و الموت أن الذي يموت موتة مادية وتزهق حياته وتتوفى نفسه لايرجع إلى الحياة الدنيا ، وكذلك من خرج من الحياة الدنيا بطريقة ما مثل القتل في سبيل الله أيضاً لايرجعون للدنيا .

فأي نص يستخدم كلمة الأموات فهي تدل على الموت المادي ، وأي نص يستخدم كلمة (الموتى) فهو يدل على الموت المعنوي.

وصلنا الآن لتدبر النص: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ }{فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }البقرة72-73

بناء على قرينة أن الأموات لايرجعون، ومجيء في النص كلمة (الموتى) المتعلقة بالموت المعنوي، وأن الرجل تم إحيائه، وهذا لايكون للميت مادياً في الدنيا، مما يدل على أن القتل له ليس بالمعنى المادي، وإنما بالمعنى المعنوي، نحو فقد ذاكرته أو إصابته بمرض نفسي شديد مثل الانفصام بالشخصية أو فقدان الوعي مما أدى إلى توقف فاعليته الواعية ، والضرب له ببعض أجزاء البقرة ليس بالمعنى السطحي الذي يتعلق بلسانها أو فكِّها مثلاً ، فهذا لايوجد فيه أي سنة للإحياء المعنوي ، مما يدل على أن كلمة اضربوه ببعضها – وهو إيقاع شيء على شيء يترك فيه أثراً – تجاوز هذا  المعنى السطحي إلى معنى أعمق يتعلق ببنية البقرة مثل مخ العظام وماشابه ذلك دون دمها لحرمته، والضرب به هو عملية حقنه في الجسم بمكان ما، وهذا يقتضي من العلماء دراسة هذا الأمر والقيام بتجارب كثيرة لمعرفة المادة التي ضُرب بها، وما هو نوع القتل الذي أصاب الرجل معنوياً فأفقده فاعليته الواعية، {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }العنكبوت20، وللعلم أن الرجل لم يعد لحالة الموت، والسياق للنص يدل على أنه بقي معافى من القتل الذي أصابه ورجع لفاعليته ، فالقرءان لم يذكر أنه رجع للموت، وإنما التلمود اليهودي هو الذي ذكر هذا، وتم دس تلك التفاصيل تحت ظلال القرءان.

وهذا تدبر قرءاني منطقي لساني وليس نهاية أو سقف لمفهوم الحدث، فالتدبر مازال متاحاً لكل باحث ومتفكر ومتدبر بالقرءان.