السؤال:

{فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأنعام125، ممكن مساعدة في فهم هذه الآية فكيف يعاقب الله شخص أراد له الضلال ؟

الجواب:

الموضوع كبير وينبغي فهمه من خلال المنظومة التي ينتمي إليها ، ولايصح بناء مفهوم من خلال جزء أو من اهداب الكلمات .
وينبغي استحضار الثوابت في ذلك الموضوع لتكون نوراً وضوابطاً ومساعداً لفهم النص وهي:.
– اسم الله الحكيم العليم
– حرية الإنسان ثابتة، فهو الذي يختار الهدى أو الضلال
– مفهوم الإرادة يتعلق بالعزم والقصد لشيء واحد فهي حتمية في الوجود وتتعلق بفعل الله وليس بفعل الناس.
مفهوم مشيئة الله تتعلق بالاختيار الاحتمالي لاكثر من خيار في الواقع وهي كلها بالمستوى ذاته من احتمال الوجود.
– مفهوم رضى الله يتعلق بالمؤمنين ويحب ذلك منهم
– الله لا يرضى الكفر ولايحب الكافرين ولوأنه حصل ذلك منهم بمشيئة الله
– الهداية : يهدي الله من اختار الهدى مخلصا وجادا واتبع سبل الرشاد والخير
{يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }المائدة16
{كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }آل عمران86
والهداية أنواع :
1- هداية إلهية تتعلق بالإرشاد والتعليم والتوجيه والدلالة وهذا كان من خلال العقل والفطرة وبعث النبيين وإنزال الكتب.
2- هداية تتعلق بحرية الإنسان وإرادته وهي الإخلاص والصدق في البحث عن الحقيقة والإيمان بها.
3- هداية إلهية وهي توفيق وتيسير طرق الخير والرشاد للمؤمن
فالله هو الهادي والإنسان هو المهتدي
– الضلال : يضل الله الذين كفروا وحاربو الحق
فالضلال والكفر والفسق يكون من الإنسان ابتداء، وبعد ذلك يضله الله بمعنى يخذله ويتركه لما اختار من كفر وضلال ليتحمل نتيجة اختياره .
بعد هذا المدخل يمكن أن ندرس النص المعني بالسؤال ونستبعد المستوى الاول السطحي لفهم النص ونستخدم المنظومة والثوابت ، لأن القول بالمفهوم السطحي ينقض مفهوم اسم الله الحكيم والعليم ، وينقض مفهوم الحرية ، وتصير الحياة الدنيا عبث ويبطل الثواب والعقاب وتسقط المسؤولية ، وننسب لله الظلم ……
مع العلم أن تتمة النص هي شرح وتفسير لما قبلها من مواضيع وهي جملة { يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأنعام125، فالإيمان يبدأ من الإنسان كقرار وإتباع وطاعة، والهداية بعد ذلك من الله وهي هداية التوفيق والتأييد ، وهي غير الهداية الاولى التي هي هداية الإرشاد والتوجيه والتعليم والدلالة، وكذلك الضلال يبدا من الإنسان كقرار وكفر وفسق وظلم وبعد ذلك ياتي خذلان الله له ولما اختار من كفر وضلال .
والله لايرضى لعباده الكفر ولو أنه حصل ذلك بمشيئة الله
ويرضى لعباده الإيمان ويحبه لهم وزينه في قلوبهم
{إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }الزمر7

ولذلك كان الإنسان حراً ومسؤولا عن قراره واختياره وهو يتحمل عواقب ذلك العمل.