دلالة كلمة العنف والرهبة والجهل

18 – عنف : كلمة تدل على خلاف الرّفق. (مقاييس اللُّغة).

لنر ذلك من خلال تحليل دلالة أصوات أحرف الكلمة:

ع: صوت يدل على عمق.

ن: صوت يدل على ستر، واختباء.

ف: صوت يدل على فتح منضم.

ومجموع دلالة أصوات كلمة (عنف) تدل على حركة بعمق مستورة، منتهية بفتح منضم. وتحقق ذلك بحركة العَنَفة لمحطات توليد الكهرباء؛ من حيث تَوجه الحركة نحو العمق؛ ليتم سترها لتعود بفتح منضم على ذاتها، واجتماعياً تدل على توجه الإنسان إلى عمق الآخر ونبش المستور في نفسه وإظهاره نقضاً وذماً أو نقداً بأسلوب عنفي، وهذا السلوك العنفي في التعامل مع الناس أو تربية الأطفال يترتب عليه دُخُول هذا السُّلُوك بعمق في نفوس الآخرين، وسترهم له؛ ليعود ويظهر مرة أخرى منكفئاً على نفس الفاعل، وسُلُوكه مع الآخرين، كفعل ورد فعل معاكس. ومن هذا الوجه يقال: العنف لا يولد إلا العنف،والنقد أو النقض المستمر لسلوك الناس ينعكس ضد المقصد منه، وسُحبت كلمة عنف لتدل على الشدة والضرب والتخريب والقتال والأذى تساهلاً في الخطاب بين الناس كعادتهم، وينبغي ملاحظة أن التنزيل الحكيم لم يستخدم كلمة عنف في خطابه قط.

19 ـ رهب : كلمة تدل على خوف، أو على دقة وخفة. (مقاييس اللُّغة).

لنر ذلك من خلال تحليل دلالة أصوات أحرف الكلمة:

ر : صوت يدل على تكرار.

ه‍: صوت يدل على تأرجح خفيف.

ب: صوت يدل على تجمع مستقر.

ومجموع دلالة أصوات كلمة (رهب) تدل على حركة مكررة مؤرجحة، منتهية بجمع مستقر. وتحقق ذلك بعملية الرهبة التي تحصل في نفس الإنسان؛ من خلال عملية التّكرار لأمر معين، والعودة إلى بدايته؛ ليُصاب الإنسان بحالة الخوف والتعظيم، من جراء عملية التّكرار والتّأرجح للأمر، الذي ينتهي بتجمع ذلك في نفس الإنسان، فالإرهاب عملية يقوم الإنسان بها تجاه الآخرين، وهي من الفعل الرباعي (أرهب) مستخدماً العنف والظلم والتهديد ليلزم الإنسان باختيار حالة القلق، والذّعر، والخوف، والاضطراب، ويشل حركته الواعية. ويفقده الشُّعُور بالأمن؛ لذلك كان الإرهاب جريمة اجتماعية، يجب أن يكافح.

وينبغي أن نفرق بين مُمارسة الإرهاب، وعملية الرّهبة التي تحصل عند الآخرين؛ نتيجة امتلاك القوة عند الجهة التي تمت الرّهبة منها. فالخالق المدبر يرهبه الخلق؛خوفاً من عذابه، وتعظيماً لأمره، وهو ليس إرهابياً !. وكذلك المجتمع العادل الإنساني، مطلوب منه أن يُرْهِبَ المجتمع الظّالم الجاهل، وذلك بامتلاكه القوة في الحق( قوة رادعة)، والعظمة في العدل، فيترتب على ذلك الرّهبة عند المجتمع الظّالم، القائم على الباطل، والمجتمع العادل ليس إرهابياً !، بينما المجتمع الظالم هو الإرهابي، فالرهبة سلوك يصدر من الإنسان نفسه نتيجة مفاهيم معينة، والرّاهب إنسان أخذ من الحياة جانباً واحداً فقط، وتقلصت حركته الواعية بموجب ذلك المفهوم، إلى الحد الأدنى. لذلك لا يُوجد رهبانية في الإسلام، ومفهوم الرّهبة ينبغي أن يحصل عند النّاس ليس من جراء مُمارسة الإرهاب، وإنَّما من جراء القيام بالحق والعدل في الحكم، فينتج عن ذلك الخوف من مخالفة الحق، والرّهبة من الحكم العادل، وذلك اختياراً وحرية، أما الإرهاب فهو مرتبط بالقهر والخوف والظلم، والمجتمع العدواني الظالم هو الطرف الإرهابي في المعادلة، ويجب على المجتمع العادل السلمي أن يُلزم المجتمع العدواني باختيار موقف الرهبة من الحق والعدل ليكف عن نفسه إرهابه.

20 – جهل : أصلان، أحدهما خلاف العلم، والآخر الخفة وخلاف الطّمأنينة (1)

ولنر ذلك من خلال تحليل أصوات أحرف الكلمة:

ج : صوت يدل على جهد، وشدة.

ه‍: صوت يدل على تأرجح خفيف.

ل : صوت يدل على حركة متصلة لازمة بطيئة.

ومجموع دلالة أصوات أحرف كلمة (جهل) تدل على: جهد متأرجح بخفة، منته بحركة متصلة لازمة بطيئة. وظهر هذا المعنى في إطلاق العرب على الأداة التي يحركون بها الجمر كلمة (مِجهال) ويقال: استجهلت الرّيح الغصن؛ إذا حركته فاضطرب.

أما قولهم: إن الجهل خلاف العلم؛ فيقصد به سُلُوك الإنسان الذي يصدر خلاف العلم والصّواب، وليس بمعنى انتفاء العلم والمعرفة عن الإنسان، فقد يكون الإنسان عالماً وعارفاً، ومع ذلك يصدر منه سُلُوك جاهلي.

قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} ( المائدة 50 )، إذن الإنسان الجاهل، ليس من انتفى عنه العلم والمعرفة، وإنَّما هو من صدر منه سُلُوك فاحش، أو فاسد، أو خطأ، أو قبيح….الخ، فيكون بذلك السُّلُوك إنساناً جاهلياً.

فالجاهلية ليست مرحلة زمنية مضت، وإنَّما هي صفة منهجية في التّفكير؛ ينبثق منها سُلُوك عنصري، أو طائفي، أو فاسد على صعيد الآفاق والأنفس، والملاحظ الآن أن حكم الجاهلية يهيمن على المجتمعات الإنسانية، بقيادة أمريكا ومن خلفها، بل تصدر تلك الجاهلية بقوة السّلاح والإعلام!.

(1) (مقاييس اللُّغة).