مفهوم الخمار، والرد على المشتهري

هذا رد على (المشتهري) في حصره دلالة كلمة الخمار على غطاء الرأس فقط
(وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)؛ قالوا: إن الخمار غطاء للرأس حصرًا، مستدلِّين عليه بأبيات شعر، وغيره؛ نحو:
قل للمليحة بالخمار الأسود…. ماذا فعلتِ بعابد مُتنسِّكِ
وفاتهم أن استخدام دلالة الكلمة على احتمال واحد أو شيوع هذا الاستخدام في الواقع، لا ينفي صواب الاحتمالات الأخرى، والصور الأخرى لدلالة الكلمة، فالخمار كلمة تدل على ارتخاء الشيء على بعضه بجمع متصل مكرر، وظهر ذلك واضحًا بعملية التخمير للمواد، مثل الشراب واللبن، وأطلقت على الشيء المرخي من الأغطية لتحقق صفة الخمر فيها سواء استُخدمت للتغطية أم لم تُستخدم؛ فهي خمار (1)، وكذلك الشراب الذي تخمر؛ يُسمى خمرًا بذاته.
أما عملية التغطية فهي نتيجة أو ظرف يلازم بعض عمليات التخمير ضرورة، نحو؛ تخمير الشراب، فالتغطية ليست هي المقصودة بذاتها، وإنما ظرف لازم لحصول التخمير.
إذن؛ الخمار يطلق على الغطاء المرخي، بصرف النظر عن مكان التغطية، سواء أَكان الرأس، أو الوجه، أو الجسم، أو الأرض، أو أشياء أخرى، مثل سجادة الصلاة، والحجة باللسان العربي الذي نزل القرءان به، وليس بما تعارف عليه الناس واصطلحوا عليه، أو ما أشيع بينهم واشتُهر.
كيف كان العرب يستخدمون دلالة كلمة الخمار
عن أنس بن مالك أن رسول الله يوم أحد مرَّ بحمزة، وقد جدع ومثِّل به، فقال: « لولا أن تجزع صفية، لتركته حتى يحشره الله عز وجل من بطون الطير والسباع » فكفنه في نمرة، إذا خَمَّر رأسه بدت رجلاه، وإذا خَمَّر رجليه بدا رأسه، فخَمَّر رأسه، ولم يصلِّ على أحد من الشهداء غيره. مشكل الآثار للطحاوي.
عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ وَذَكَرَ بِنَاءَ الكَعْبَةِ فِي الجَاهِلِيَّةِ قَالَ: فَهَدَمَتْهَا قُرَيْشٌ وَجَعَلُوا يَبْنُونَهَا بِحِجَارَةِ الوَادِي تَحْمِلُهَا قُرَيْشٌ عَلَى رِقَابِهَا فَرَفَعُوهَا فِي السَّمَاءِ عِشْرِينَ ذِرَاعًا فَبَيْنَا النَّبِيُّ يَحْمِلُ حِجَارَةً مِنْ أَجْيَادٍ وَعَلَيْهِ نَمِرَةٌ فَضَاقَتْ عَلَيْهِ النَّمِرَةُ، فَذَهَبَ يَضَعُ النَّمِرَةَ عَلَى عَاتِقِهِ فَيُرَى عَوْرَتُهُ مِنْ صِغَرِ النَّمِرَةَ فَنُودِيَ: يَا مُحَمَّدُ خَمِّرْ عَوْرَتَكَ. فَلَمْ يُرَ عُرْيَانًا بَعْدَ ذَلِكَ. مسند أحمد، ومسند إسحاق بن راهويه.
عن عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد أخبره أن رسول الله ركب على حمار على أكاف على قَطِيفَةٍ فَدَكِيَّةٍ، فأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة قبل وقعة بدر، فسار حتى مرَّ بمجلس فيه عبد الله بن أُبي ابن سلول، وذلك قبل أن يُسلم عبد الله فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيتهم عجاجة الدابة خَمَّر عبد الله بن أُبَيٍّ أنفه بردائه، ثم قال: لا تُغَبِّرُوا علينا، فسلم رسول الله عليهم ووقف، فنزل فدعاهم إلى الله عز وجل وقرأ عليهم القرءان وذكر الحديث. رواه البخاري في الصحيح.
عن ميمونة قالت: كان رسول الله يصلي وأنا حذاءَه، وأنا حائض وربما أصابني ثوبه إذا سجد، قالت: وكان يصلِّي على الخُمرة. رواه البخاري في الصحيح.
عن عائشة أن رسول الله قال لها: ناوليني الخُمرة، قالت: إني حائض، قال: إن حيضتك ليست في يدك، فناولته إياها. رواه مسلم في صحيحه.
عن نافع قال: كنَّ جواري عبد الله بن عمر يغسلن رجليه وهن حُيَّض، يلقين إليه الخُمرة. الموطأ.
– ابن حجر في فتح الباري، ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة:
وَالنِّقَاب الخِمَار الَّذِي يُشَدّ عَلَى الأَنْف أَوْ تَحْت المَحَاجِر، وَظَاهِره اخْتِصَاص ذَلِكَ بِالمَرْأَةِ.
– ابن حجر في فتح الباري، قصة الأسود العَنْسِيّ وَهُوَ الأَسْوَد وَاسْمه عَبْهَلَة بْن كَعْب، وَكَانَ يُقَال لَهُ أَيْضًا ذُو الخِمَار بِالخَاءِ المُعْجَمَة؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُخَمِّر وَجْهه.
– قَالَ فِي القَامُوسِ: الخِمَارُ بِالكَسْرِ النَّصِيفُ كَالخَمْرِ: كَطِمْرٍ وَكُلِّ مَا سَتَرَ شَيْئًا فَهُوَ خِمَارَةٌ جَمْعُهُ أَخْمِرَةٌ وَخُمُرٌ وَخُمْرٌ. تحفة الأحوذي.
– شرح بلوغ المرام للشيخ عطية سالم: الخمر من حيث هي اسم جنس يصدق على كل ما خامر العقل، والتخمير: من الخمار وهو الغطاء على الوجه.
– لسان العرب: والخمر: ما أسكر من عصير العنب؛لأنها خامرت العقل.
– والتخمير: التغطية، يقال: خمَّرَ وجهه وخمَّر إناءك.
– مقاييس اللغة، مادة خمر، الخاء والميم والراء أصل واحد يدل على التغطية والمخالطة في ستر، فالخَمْرُ: الشراب المعروف.
(1) راجع كتابي (علمية اللسان العربي وعالميته).
راجع كتابي : غطاء رأس المرأة أو شعرها حكم ذكوري وليس قرءانيَّا