الملائكة من منظور قرآني منطقي ولساني
أصل كلمة “الملائكة”
تعود كلمة “الملائكة” في اللسان العربي إلى جذر “ألك” وليس “ملك” كما قد يعتقد البعض. فالجذر “ألك” يدل على معنى الرسالة والإبلاغ، ومنه كلمة “ملائكة” التي تشير إلى المرسلين أو من يقومون بمهام محددة من قبل الله تعالى.
طبيعة الملائكة في القرآن
الملائكة في القرآن هم عباد مكرمون ومقربون من الله، يتميزون بطاعتهم الكاملة ووعيهم التام بمهامهم ووظائفهم. لقد خلقهم الله ليقوموا بوظائف معينة دون أن تكون لهم شهوات أو هوى، ما يجعل نظامهم أحادي الحركة وموجه نحو الخير والطاعة الكاملة لله تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }التحريم6
وهم كائنات جنية يمتلكون قدرات وسرعات كبيرة في التنقل والتجسد بأي صورة يريدونها {فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً }مريم17
الملائكة كعباد لله
القرآن يؤكد أن الملائكة هم عباد لله وليسوا شركاء له، وهم يتصفون بالكرامة والطاعة المطلقة. يوضح الله أن المسيح والملائكة المقربون لا يستنكفون أن يكونوا عباداً لله:
{لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً } (النساء: 172)
وفي سورة الأنبياء يبين الله أن الملائكة عباد مكرمون:
{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} (الأنبياء: 26)
تفسير نص الملكين ببابل: هاروت وماروت
عند التعرض لنص الملكين ببابل، هاروت وماروت، نجد أن كلمة “الملكين” رغم أنها مفتوحة، ليست مثنى “مَلَكين” من الملائكة، وإنما هي من الملكية، من فعل “ملك”. يدل السياق على ذلك من خلال تعلق الخطاب بكائنين يملكان الحرية في الطاعة والمعصية وهما على الأرض، وهذا لا يمكن أن يكون صفة للملائكة. بل هما من الملوك على الأرض الذين اختُبروا بإعطاء الناس السحر كاختبار وفتنة. النص الوارد في سورة البقرة، الآية 102، يوضح ذلك:
{وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (البقرة: 102)
صفات الملائكة ووظائفهم
يصف القرآن الملائكة بأنهم عباد الرحمن الذين يقومون بوظائف محددة بنظام طوعي وحر، دون أن يكون لهم شهوات أو هوى. هؤلاء الكائنات المكرمة تعمل بتنظيم إلهي دقيق لا يتطلب إلا الطاعة والوعي الكامل بما يكلفون به من مهام.
مقارنة بين الإنسان والملائكة
يختلف نظام الإنسان عن نظام الملائكة، حيث أن الإنسان كائن عاقل حر ذو شهوات وهوى، ما يجعله بنظام ثنائي الحركة. هذا النظام الثنائي يمنحه القدرة على التوجه نحو الخير أو الشر، وبهذا الابتلاء يُختبر الإنسان في عمران الأرض وبناء ذاته.
خاتمة
إن فهم طبيعة الملائكة من منظور قرآني يتطلب التمييز بين مصطلحي “عباد” و”عبيد”، حيث أن “عباد” تشير إلى الخضوع الطوعي والحر لله، مما يعني أن الملائكة كائنات عاقلة حرة طموحة، تعمل بنظام طوعي خالٍ من الشهوات والهوى، بخلاف الإنسان الذي خُلق بنظام ثنائي الحركة يتطلب منه الارتقاء بنفسه والزكاة. كما أن دراسة نص الملكين ببابل، هاروت وماروت، توضح الفرق بين الملائكة والملوك على الأرض، مما يعزز الفهم القرآني الدقيق للكائنات المختلفة ووظائفها.
اضف تعليقا