الأموات لايرجعون للحياة الدنيا

من يموت بصورة مادية وتزهق حياته من جسمه، وتتوفى نفسه يجمع على كلمة (أموات)، أو من يهلك جسمه ويقتل في سبيل الله فتخرج نفسه من جسده وتنتقل إلى حياة أخرى فهو ميت الجسم حي النفس ، و هذان الصنفان لا يرجعان إلى الحياة الدنيا قط ، وهذا لا يعني عجز قدرة الله عن إرجاعهم ، وإنما يعني أن الله هكذا جعل سنته في الخلق وهو ملتزم بما وضع من سنن، { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً }فاطر43 لنقرأ:
{وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ }الأنبياء95
{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ }يس31
{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }الأعراف53
{وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ }السجدة12
{وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ }فاطر37
{فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }آل عمران170
سنة الله في الخلق والحياة و الموت أن الذي يموت موتة مادية وتزهق حياته وتتوفى نفسه لايرجع إلى الحياة الدنيا ، وكذلك من خرج من الحياة الدنيا بطريقة ما مثل القتل في سبيل الله أيضاً لايرجعون للدنيا .
فأي نص يستخدم كلمة الأموات فهي تدل على الموت المادي ، وأي نص يستخدم كلمة (الموتى) فهو يدل على الموت المعنوي.
وصلنا الآن لتدبر النص: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ }{فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }البقرة72-73
بناء على قرينة أن الأموات لايرجعون، ومجيء في النص كلمة (الموتى) المتعلقة بالموت المعنوي، وأن الرجل تم إحيائه، وهذا لايكون للميت مادياً في الدنيا، مما يدل على أن القتل له ليس بالمعنى المادي، وإنما بالمعنى المعنوي، نحو فقد ذاكرته أو إصابته بمرض نفسي شديد مثل الانفصام بالشخصية أو فقدان الوعي مما أدى إلى توقف فاعليته الواعية ، والضرب له ببعض أجزاء البقرة ليس بالمعنى السطحي الذي يتعلق بلسانها أو فكِّها مثلاً ، فهذا لايوجد فيه أي سنة للإحياء المعنوي ، مما يدل على أن كلمة اضربوه ببعضها – وهو إيقاع شيء على شيء يترك فيه أثراً – تجاوز هذا المعنى السطحي إلى معنى أعمق يتعلق ببنية البقرة مثل مخ العظام وماشابه ذلك دون دمها لحرمته، والضرب به هو عملية حقنه في الجسم بمكان ما، وهذا يقتضي من العلماء دراسة هذا الأمر والقيام بتجارب كثيرة لمعرفة المادة التي ضُرب بها، وما هو نوع القتل الذي أصاب الرجل معنوياً فأفقده فاعليته الواعية، {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }العنكبوت20، وللعلم أن الرجل لم يعد لحالة الموت، والسياق للنص يدل على أنه بقي معافى من القتل الذي أصابه ورجع لفاعليته ، فالقرءان لم يذكر أنه رجع للموت، وإنما التلمود اليهودي هو الذي ذكر هذا، وتم دس تلك التفاصيل تحت ظلال القرءان.
وهذا تدبر قرءاني منطقي لساني وليس نهاية أو سقف لمفهوم الحدث، فالتدبر مازال متاحاً لكل باحث ومتفكر ومتدبر بالقرءان.