النهي عن نكاح زوجة العمّ، أو الخال

إن إغلاق باب الاجتهاد، وجمود التفكير لسنوات طويلة، والابتعاد عن التعامل مع القرآن بصورة مباشرة، أدّى إلى قصور الفقه الإسلامي، ووقوفه حيث انتهى السلف، وصارت مقولة: ما ترك الأوَّلون للآخرين شيئاً، تتردّد على ألسنة طلاب العِلْم ذهولاً وعجزاً، بل على ألسنة الفقهاء أنفسهم، الذين رضوا بأنْ يكونوا حَفَظَةً ونَقَلَةً لأقوال السلف، لا يتجاوزونهم قيد أنملة.
ومن المسائل المهمة المتعلّقة بالحياة الاجتماعية التي غفل السلف عنها، وتبعهم بذلك الخلف، مسألة النهي عن نكاح زوجة العمّ، أو الخال، وذلك في دلالة النصّ القرءاني الذي يقول: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً } (النساء 22).
وكلمة (الأب) في الخطاب القرءاني تُطلَق على وجهَيْن:
الأول: آباء ثقافة وسلف، قال تعالى:
{ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ } (الحج 78).
{بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ } (الزخرف 22).
الثاني: آباء نَسَـب، وتُطلَق على الأصول، مهما علوا، وتقادموا، قال تعالى:
{وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } (يوسف 38).
{ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } (يوسف 6).
كما أن الأمّهات – أيضاً – مُتضمَّنة في خطاب الآباء، مهما تقادمنَ، قال تعالى:
{ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ } (النساء 11).
{ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ } (الكهف 80) .
فدلالة كلمة (أب) في الخطاب القرءاني تتضمَّن الآباء، رجالاً، ونساء، على حدٍّ سواء، فالجَدُّ من جهة الأب أو الأمّ هو أبٌ في الخطاب القرءاني، كما أن الأمَّ مُتضمَّنة بكلمة الأب، فعندما ترد كلمة (آباء) في النصّ يُقصَد بها الآباء مهما علوا من طرف الأب أو الأمّ على حدّ سواءذكوراً أو إناثاً، وبناء على ذلك؛ نُهي عن نكاح زوجة الجَدّ، من طرف الأبوَيْن (الأب والأم).
وهذا القول المذكور لا خلاف عليه، وإنما يوجد أمر آخر مسكوت عنه، ألا وهو أن العمَّ والخال هما من الآباء في النصّ القرءاني(العمّ صنو الأب)، وما ينطبق على العمّ ينطبق على الخال؛ لأن الأمَّ من الآباء، فيكون الخال أباً. فيكون قوله تعالى: {وَلاَ تَنكِحواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً }نصّ عامّ في النَّهْي، يشمل كلّ الآباء نَسَبَاً دون استثناء لأيّ أحد منهم، ابتداءً من الأب المباشر، أو الرضاعة، إلى العمّ، والخال، والجَدّ من الطرفَيْن مهما علوا، وتقادموا.
وبناءً على ما ذكرتُ؛ ينبغي التعامل مع زوجة العمّ، أو الخال، مثل المحارم تماماً من حيث الأحكام والعلاقات الاجتماعية.
هذا ما يدلّ عليه النصّ القرءاني، وبالتالي؛ لا يصحُّ رفض دلالة النصّ القرءاني لشبهات وتساؤلات لا جواب عنها؛ نحو قولهم: لماذا لم يُنقَل ذلك لنا من خلال السُّنَّة، أو الحديث؟!‍‍ أو: قولهم لماذا لم يقلْ أحد قبلكَ بذلكَ؟!
فهذه الأقوال، وغيرها، قد كفانا الله الجواب عنها بقوله تعالى:
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } (البقرة 170).
{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (البقرة 134).
{قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى }{قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى } (طه5152).
من كتابي القرءان من الهجر إلى التفعيل الذي صدر 2007