مفهوم صفة الكلام لله

الله عزوجل أحد صمد ليس كمثله شيء وهو قادر على كل شيء
وهذه المفاهيم ينبغي أن تبقى ثابتة لا تنقض أو تتصادم أو تعطَّل لظاهر نص لم نستطع أن نفسره فالغلط وكل الغلط في أخذ أول ما يخطر في ذهننا من تفسير لظاهر النص حسب مفاهيمنا النسبية، وإنما يجب الوقوف عند النص والتدقيق فيه مع استصحاب الثوابت. فإذا استطعنا أن نفسره بموجبها فبها ونعمت، وإلا وقفنا من النص موقف المؤمن الذي لا يقول إلا ما يعلم [ ولا تقف ماليس لك به علم ] والذي نعلمه أن الله أحد صمد لا تدركه الأبصار ولا يُرى عياناً من باب أولى ونترك النصوص ليظهر تأويلها مع التطور المعرفي للناس، أو نعلم تأويلها يوم القيامة.
ومن الصفات التي وقع الخطأ بها نتيجة إخضاع المطلق إلى النسبي صفة الكلام لله سبحانه وتعالى، والذي وقع بذلك من ينتسب إلى عقيدة السلف وهو ابن تيمية ومن تبعه وحذا حذوه. فلقد قالوا: إن كلام الله إنما هو بحرف وصوت. ومن المعلوم أن الحرف هو من وضع الإنسان، والصوت صفة الإنسان. أي صفات المحدود. فكيف تكون لله الخالق الذي ليس كمثله شيء؟
وكان الأجدر بهم أن يطبقوا قواعدهم التي وضعوها لفهم الصفات الأخرى ويقولون: إن الله يتكلم بما يشاء ولمن يشاء دون حرف أو صوت لأنه ليس كمثله شيء، ولكنهم بسبب ضيق أفقهم المعرفي قالوا: وهل يُعقل كلام دون حرف وصوت؟! ونقول لهم نعم يُعقل لأن الغاية من الكلام إيصال المعنى المراد إلى فهم السامع. فإذا استطعت أن توصل ماتريد من معاني ومقاصد دون حرف وصوت تم المقصود. ويقول الإنسان الذي تلقى الرسالة القلبية: قال لي فلان وكلمني فلان مع عدم وجود حرف وصوت وقالوا أيضاً في مفهوم الكمال: إن كل صفة كمال للإنسان الله أولى بالاتصاف بها. وهذا الكلام باطل وهراء لأن صفة الكمال الإنساني نسبية وليس هناك كمال مطلق أي كمال من وجهة نظر المحدود القائم على قانون الزوجية، بينما الله يتصف بالأحدية وقالوا: إن الذي يتكلم أكمل من الأبكم، مع العلم أن الإنسان الآن بما توصل إليه من علوم ومعارف يستطيع أن يتكلم من غير صوت وذلك من خلال عملية اتصال مع الكمبيوتر والتركيز الذهني لما يريد فينتقل ذلك إلى الجهاز ويحوله إلى فعل. وهذه العملية تسمى كلاماً رغم عدم وجود الحرف والصوت.
فأين الكمال بالصفتين؟
هل الكلام بحرف وصوت أكمل؟ أم الكلام دون حرف ولا صوت أكمل؟
شرح صفة الكلام لله عزوجل:
لاشك أن الذي يتكلم دون حرف ولاصوت ويستطيع أن يقول ما يشاء لمن يشاء في قلب المقصود مباشرة أكمل وأقوى من الذي لا يستطيع أن يتكلم إلا بحرف وصوت وبالتالي يحتاج الطرف الثاني إلى عضو السمع حتى يسمعه ويستغرق وقتاً حتى يفهم وينتهي المتكلم من حديثه بخلاف صفة الكلام لله عزوجل فهو عندما يريد أن يُكلم أحداً يتجاوز الأذن ويلقي مايريد في الدماغ مباشرة لأن السمع موجود في الدماغ وما الأذن إلا لاقط للأصوات، والدماغ هو الذي يقوم بعملية قراءة الموجات الصوتية التي تأتي عن طريق الأذن، فإذا استطاع أحد أن يتجاوز الأذن إلى مركز السمع ويبث فيه ما يريد من مقاصد يكون الإنسان بذلك قد حصل عنده فعل السمع حقيقة. وهذا ما حصل مع النبي موسى عندما كلمه ربه وناداه بشكل مباشر دون وجود وحي بينهما ودون استخدام عضو السمع والأذن ولذلك سُمِّي موسى كليم الله وهذا الكلام لم يكن لموسى فقط وإنما كان لغيره من الرسل قال تعالى:
{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }البقرة253
من هنا نلاحظ أن القاعدة التي وضعها علماء السلف غير صحيحة لأن مفهوم الكمال عند البشر مفهوم نسبي مرتبط بالأرضية المعرفية.
لذلك من الخطأ فهم صفات الله عزوجل المتصف بالكمال المطلق على ضوء الكمال النسبي والمقاييس النسبية. فالخالق المدبر حي قيوم عالم مريد قادر حكيم سميع بصير متكلم لا إله إلا هو سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء ولم يكن له كفواً أحد، وهو الحي القيوم السميع البصير، وهذا العجز عن الإدراك هو من مقومات الإيمان لأن العجز عن الإدراك إدراك، والإدراك للعجز إيمان.
{وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ }الأنعام91
من كتابي الالوهية والحاكمية