مفهوم تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ

إن دلالة كلمة (تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) هي إطلاق حرّية الإنسان وفكّ قيوده المقيّد بها التي تجعله ينتظر ويرقب الحرية و الفرج، فما هي القيود التي تقيّد الإنسان في الواقع الاجتماعي؟

إن صور القيود الاجتماعية التي تقيّد الإنسان غير محصورة بصورة واحدة، وإنما هي متعدّدة، نحو الإنسان الذي يصاب بحالة الإفلاس، ويُحكم عليه بالسجن، فيأتي دور المجتمع بأفراده لمساعدة هذا الإنسان، وتحريره من حالة الترقب ؛ من خلال دفع ما عليه من ذِمَم مالية، وكذلك الإنسان الذي يقع في ضائقة مالية، ويستدين من غيره، ولا يستطيع رَدَّ ذلك الدَّيْن، فيصير الدَّيْن قيداً في عنقه يجعله مترقباً ينتظر و يمنعه من ممارسة الحياة، بصورة متوازنة، ومطمئنّة، وينعكس ذلك على نفسه، وأسرته، فحضَّ الشارع على مساعدته، وفكّ قيده؛ لتحريره من ضغط الدَّين عليه، وذلك إمَّا بإعفائه من قسم من دينه، أو كلّه، حسب الواقع، وقد ربط الشارع التكفير عن مخالفات شرعية بتحرير رقبة؛ قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً } (النساء 92).

وقال: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } (المائدة 89).

وقال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ }{فَكُّ رَقَبَةٍ } (البلد 1213).

وظهر تفعيل مفهوم (تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) في التاريخ عند بدء نزول النصّ في إعتاق وتحرير العبيد؛ حيث إن أقسى قيد يتمّ تقييد الإنسان به هو استلاب إرادته، وحريته، فتوجَّه عمل المجتمع الإسلامي إلى تحرير العبيد بالدرجة الأولى، وساهم الشرعُ الإسلامي في تجفيف هذه الصورة، وإرجاع الحرية للإنسان، وبقي مفهوم فكّ رقبة وتحريرها مُغيَّباً في الفقه الإسلامي؛ لأنهم حصروه في صورة الرّقّ، وينبغي – الآن – تفعيل هذا المفهوم، وقيام المجتمع بمؤسّساته وأفراده على تحرير الناس، من ديونهم المالية، التي أثقلت كاهلهم، وأحنت ظهورهم، ومساعدتهم في فكِّ رقابهم.