مفهوم الجن بين الأحمدية و إسلامبولي و الرفاعي و الشحرور

 بقلم عبد الله إسلامبولي

                                                        بسم الله وبه نستعين

 

{يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ }البقرة269 

 

   اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

   هذه قراءة نقدية لعدة أبحاث عن مفهوم الجن أحببت أن أشاركها مع الأخوة القراء ، وأضعها بين أيديهم ليتابعوا القراءة النقدية ويشكلوا هم رأيهم الذي يرونه حقاً أو أقرب للصواب، وذلك وفق القرءان بلسانه العربي المبين والعلم و المنطق والواقع ، وعندما يغم علينا شيء من دلالة النص نلجأ للواقع والمنطق ومنظومة القرءان، ولا نجعل أهداب ألفاظ النص تحكم مفاهيمنا، وخاصة ما هو شائع بين الناس ومشهور في التراث.

  فإن أصبت فمن الله وله الحمد والشكر ، وإن أخطأت فمن نفسي وتقصيري في الدراسة وقلة علمي، وعذراً من القارئ الكريم.

 

ألمانيا-

23/ 8/ 2015

 

 

                جماعة الأحمدية وتناقضها في مفهوم الجن

–   النبي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد: كتاب(( مرآة كمالات الإسلام))

  

واضح رأي النبي والمسيح الموعود أنه يؤمن بوجود كائنات جنية شبحية مقابل الملائكة ولهم قدرات مثلها من حيث التمثل والاختفاء.

–  كتاب “التفسير الكبير” لابن النبي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد وهو الخليفة الثاني واسمه المخلص الموعود

يقول تحت تفسير آية {وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ }الحجر27: يوجد من الجن أرواح شريرة التي تعتبر مصدراً للأفكار الخبيثة مثلما تعتبر الملائكة مصدراً للأفكار الطيبة…

–  ويقول تميم أبو دقة على اليوتيوب :  الشيطان كائن جني شبحي موجود بشكل مستقل عن الإنسان ولا ننكره ، وهو مقابل الملائكة، ومهمته وسوسة وإضلال للناس فقط .

http://www.youtube.com/watch?v=ImggXGUa_x4

– وهاني طاهر يقول على اليوتيوب : يُطلق كلمة الشيطان على مخلوق خاص خلقه الله للوسوسة مقابل الملائكة.

http://www.youtube.com/watch?v=DD6Xpkfhuvg&feature=youtu.be

ويقول الشيخ مصطفى ثابت في كتابه [ الجن ] : ولفظ (شيطان) اسمٌ وصْفي.. وليس عَلَمًا على أحد بعينه. قد يكون الشيء شيطاناً في موقف، ولا يكون شيطاناً في موقف غيره.

ويقول أيضاً : [والشيطان الذي يقف في طريق دعوة الأنبياء إما أن يكون شخصية كبيرة.. أو بتعبير العصر: “شخصية قيادية”.. فإنه يُدعى في التعبير القرآني (شيطان الجن).. ذلك لأن هؤلاء الكبراء يتصفون عادة بالكِبْر الذي يجعلهم بمنأى عن عامة الناس. وقد يكون مناهضو الأنبياء من عامة الناس.. أو “الجمهور” بتعبير اليوم.. فيسمّى (شيطان الإنس).

ثم يقول:

[ إن العاقل يعترض على كل فكر ليس له سندٌ منطقي معقول.. ويعُدُّه فكراً هدّاما للعملية العقلية الإنسانية، فما بالك إذا كان الفكر منتسباً إلى الدين؟ إنه يصير سُماً زعافاً يفتك بالقلب والعقل.. فلا يستطيع العقل بعد ذلك أن يجد طريقه الصحيح إلى منهج الله تعالى.. وصراطه المستقيم.. إذ يبقى الفكر مكبّلاً بهذا القيد، فتتعطل ملكة الفهم الصحيح عن الله، ويعجز الإنسان عن إدراك المقاصد الإلهية السامية، ويمضي الناس في ممارسات سطحية تُرضي المظهر.. ولكنها لا تُسمن ولا تغْني من جوع في المجال الروحاني. وتنتفخ جنبات النفوس بحشْوٍ فارغٍ كالوَرم الذي يحسبه الجاهل قوة وصحة.. وهو في حقيقته مرض خبيث وضعف قاتل!! ]

والغريب أن نبيه المسيح الموعود وابنه المخلص ! يؤمنان بخرافة الأشباح ويجعلاها فكرة منتسبة للدين !!

فهل ما يعتقد به نبيه وابنه سماً زعافاً يفتك بالقلب والعقل كما قال !!

والصدمة أن لهاني طاهر كتاب اسمه [ الجن في القرءان الكريم ] يقول فيه بالحرف :

( وقد أيقنت بضرورة تبيان الوجه الحق في موضوع الجن كما جاء في القرءان الكريم بعد أن تقدم أحد زملائي في جامعة القدس المفتوحة ليكتب حول الجن وحياته ) ويتكلم في الكتاب أن زميله ذهب للشيوخ وأطباء النفس، أما الشيوخ فأكدوا أن الجن كائن شبحي يتلبس بالإنسان أما أطباء النفس فأنكروها مؤكدين أن حالة كهذه [ التلبس ] لم يشاهدوها وأن هذا لا يعدو أمراضاً نفسية تم معاجلة الكثير منها بالأدوية .

ثم يتساءل “هاني طاهر” بعد أن ذهب زميله لأحد الشيوخ وقال الشيخ :  كما هو في الكتاب بالحرف:

[ كما حدثه عن جن تشكل بهيئة شخص من حركة حماس، أيام الانتفاضة وصار هذا الجن يُثير الفتن والقلاقل بين الناس ما زاد في الخلافات ولكن الله سلم حيث اكتشف الشيخ جريمة الجن ]

وتساؤل هاني طاهر كان : [ تساءلت : هل نحن في فلم هندي ؟! وإلى متى سيبقى هؤلاء ينشرون الخرافات بين الناس ؟ فو الله لولا مهاجمتي هذه الخزعبلات وتفنيدها لصدقها زميلي، ولنشرها في بحثه ]

والنتيجة من خلال قول هاني طاهر أن نبيه المسيح الموعود غلام أحمد ميرزا وابنه المخلص الخليفة الثاني يؤمن بالخرافات وتراه يُدافع عن نبيه باستماتة لا منطقية خالية من الحكمة فكيف يقول شيء على اليوتيوب ويكتب شيء آخر !!

إنه السحر ياسادة والضحك على الناس وعدم المصداقية في الطرح.

ثم يقول بعد تساؤله من كتابه بالحرف : [ وإذا كان هذا حال زميلي المثقف الواعي، وإذا كان هذا حال كثير من المشايخ، أفلا يستحق نهضة منا نظهر فيها موقف الدين الحنيف وبراءته مما ينسبونه له من أساطير ؟ ]

بكلامه هذا هو أول من يُعارض نبيه المسيح الموعود وابنه المخلص الخليفة الثاني ويحارب خرافاته وأساطيره وكذبه ودجله على الناس ، لكن لماذا تراه يُدافع عنه بوجه آخر !!

وأيضاً هناك أستاذ أحمدي اسمه (سليم الجابي ) يقول في كتابه [ الجن حقيقة أم خيال ] :

[ وأقدّم الآن عدّة أدلّة مستنبطةٍ من كتاب اللّه العزيز تنفي وجود الجنّ بالمفهوم الوثني الجاهليّ

[أدلّة تنفي وجود (الجن) بالمفهوم الجاهلي]

الدليل الأوّل – دليل الفطرة البشريّة

وأبدأ الآن بتقديم دليلي الأوّل وهو الذي تضمنته الآيات الثلاث 30 /31/32 من سورة الروم والتي قال اللّه تعالى فيها (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرةَ اللّه التي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلقِ اللّه ذلك الدّين القيّم ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون.مُنيبين إليه واتّقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين. من الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً كلُّ حزبٍ بما لديهم فرحون.) فلقد نبّهت هذه الآيات أذهاننا إلى أنّ تعاليم الدين الإسلامي الحنيف قد أنزلها اللّه تعالى موافقة للفطرة البشريّة وليس موافقة لفطرة مخلوق آخر أطلقوا عليه اسم (جن).

فلقد قال اللّه عز وجلّ في هذه الآية الكريمة (فطرة اللّه التي فطر الناّس عليها).والذي يستفاد من هذه الحقيقة هو أنّ تعاليم الإسلام لا تتلاءم مع فطرة الملائكة ولا مع فطرة غيرهم من المخلوقات.ولذلك لا يكلّفون بالإيمان بالدّين الإسلاميّ ولا بالعمل على فرائضه.وبالتالي فإنّ هذه الحقيقة تدفعنا لنرفض المفهوم الوثني الجاهلي الذي زعم وجود مخلوق اسمه (جن) ]

فالرجل ينفي تماماً قصة الأشباح والخرافات التي يؤمن بها نبيه إيمان راسخ مسجل في كتابه على أنه وحي من الله فهل رؤية نبيه للجن رؤية وثنية جاهلية كما وصفها ؟! والجواب حتماً نعم حسب كلامه.!

ويوجد أيضاً أستاذ أحمدي اسمه ( محمد منير إدلبي ) ألف كتاباً بعنوان [ أبناء آدم من الجن والشياطين ]

ينكر فيه أن الجن من الأشباح ويعد هذا خرافات وأقتبس قليلاً من كتابه وأبدأ بهذه الفقرة إذ يقول :

[ وهكذا باسم الوجود الشبحي للجن والشياطين والعفاريت والأرواح الخبيثة والشريرة، نزفت العقول والجهود والكرامات عمراً مكسوراً يئن من ثقل الخوف الباطل من الشر والأذى، فوقعت فريسة سهلة في براثن الشر والأذى على أيدي محترفي الشعوذة والتلاعب بجهل الناس وإيمانهم بالخرافة . لقد ابتلع غول الخرافة والخيال ما لا يحصى من الضحايا البشرية على مدى الدهور والأزمنة، وقد آن الأوان إن لم يكن لإنقاذ أنفسكم، فلإنقاذ أولادكم وأهلكم ووطنكم وأمتكم والأجيال القادمة بعدكم من طحن هذا الفك المفترس والخلاص من ضريبة الجهل وإهمال الفكر والتعقل . يُفيدنا كثيراً أن نقف أمام وجداننا وعقلنا وقفة متأملة متفكرة، وأن نعترف ببساطة وصراحة أن الخرافة التي لا تستند إلى أي تبرير عقلي ولا تخضع إلى أي مفهوم علمي إنما تكرس في مجتمعنا العربي الناهض والإسلامي التبعية للوهم والجهل والخيال فتعطل جانباً كبيراً من القدرات والطاقات والعاملة والمنتجة الهامة والضرورية لأمتنا من أجل النهوض بمجتمعنا العربي والإسلامي من حالة التكاسل والتواكل إلى حالة السعي الواثق والواعي والمستنير بحضارة العقل والعلم لمواكبة ركب الحضارة الإنسانية الحقة في جميع مجالات نهضتها .]

والسؤال موجه للأستاذ محمد منير الإدلبي تخيل معي وتصور كم من العقول استنزفت باسم خرافات المسيح الموعود والمخلص الخليفة الثاني؟

تصور معي التبعية للوهم والجهل والخيال [ على حسب قولك ] لنبي يؤمن بأشباح وخرافات وخزعبلات وأساطير ثمودية إغريقية !!! وفهمك كفاية ياسيد محمد منير الإدلبي وفهمك كفاية أيها القارئ .

ثم يقول [ إن التصديق بالقرءان الكريم يستلزم التصديق بأن هناك ما يُسمى بالجن والشياطين وهذا صحيح، ولكنه لا يستلزم مطلقاً التصديق بالصور الخرافية التي يعتقد بها عامة الناس على أنها وحدها المفهوم الإسلامي الصحيح الذي ذكره القرءان الكريم أو جاءت به الأحاديث ]

أيضاً سؤال لحضرتك يا أستاذ محمد منير …. هل نبيك المسيح الموعود وابنه المخلص الخليفة الثاني من عامة الناس ؟ فإن نبيك وابنه أيضاً يؤمنان بهذه الخرافة التي تُحاربها !

ويقول [ إن الاعتقاد بالوجود الشبحي للجن والشياطين واعتبارها مخلوقات من غير البشر وإنها مكلفة ومأمورة بالإيمان بالقرءان الكريم ورسالة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤدي إلى وجود إشكالات قرءانية واختلاف كبير في الآيات لا يمكن أن يزول مع الإصرار على الاعتقاد بهذا الفهم الخرافي السائد ]

وأقول أيضاً نبيك يؤمن بهذه الخرافات وحتماً حسب كلامك أدى وجود هذه الخرافات في خياله الخصب إلى إشكالات قرءانية واختلاف كبير في الآيات وقد ورَّث هذه الخرافات والاختلافات لأتباعه المساكين أو الدراويش كما يحلوا أن يسموا أنفسهم !.

ملاحظة مهمة جداً

وهي أن الذي يمثل فكر الأحمدية هو ما يقوله نبيهم المسيح الموعود وابنه المخلص الموعود الخليفة الثاني ومن يأت بعدهم من الخلفاء الذي لا يخالفون جدهم أصلاً لأنهم يعدون ذلك وحياً ورأياً مسدداً من قبل الله ، ولذلك وجدنا “هاني طاهر” و “أبو دقة” صرحوا برأي نبيهم صراحة باليوتيوب وخالفوه في الكتابة ليكون لهم حرية التحرك والمناورة، ولا عبرة لمن يخالف قول المسيح الموعود وابنه المخلص ممن يأت بعدهم فهو رأي غير أحمدي وغير متبنى من قبل الجماعة ولو صدر من باحث ينتسب للجماعة الأحمدية مثل مصطفى ثابت، ومنير الإدلبي، وسليم الجابي، والشافعي.

وخلاصة موقف الأحمدية أنهم يتحايلون على الناس ويظهرون للناس بعدة وجوه وإن وجدوا شيء خرافي يدعو للسخرية والخرافة في وحي نبيهم فلا يعرضوه للناس بل يكتموا عليه خجلاً، أو يبرروه باستماتة عجيبة ، مثل تبني المسيح الموعود وابنه لحكم رجم الزاني المحصن ، والموقف الذي ينبغي أن ينسب لهم صراحة هو إيمانهم بوجود كائنات جنية شبحية مقابل الملائكة تأمر الناس بالضلال والفسق والفجور والتقول على الله ما لايعلمون كما صرح هاني طاهر وأبو دقة باليوتيوب نقلاً عن نبيهم المسيح وابنه المخلص الموعود ، وهذا الرأي على درجة خطيرة وفاحش من القول، إذ كيف يخلق الله كائن شرير محض ليضل الناس ويأمرهم بالسوء والفحشاء وهو بذلك ينفذ أمر الله ويطيعه مثل الملائكة تماماً؟!

ولايشفع لهم أنهم ينكرون تأثير الجن الشبحي على الناس مثل اللبس والسحر ومحاربتهم لهذه المفاهيم والحكم عليها بالباطل والدجل، فهذا ليس هو محل النقاش والاختلاف والدراسة.

ولا عجب أن يوماً ما يظهر عاقل منهم ويكفر بالفكرة الجوهرية التي تقتات عليها الجماعة عن طريق جهل أتباعهم وهي الفكرة الثمودية الإغريقية [البطل الأوحد] المهدي المنتظر في ذهن من ينتظره، والمسيح الموعود ويصدق بمجيئه كشبيه للمسيح عيسى بن مريم ،ويكفر بغلام أحمد وينشق عن الجماعة ويتركها تمضي بكذبها وضلالها بعيدة عن ما وصل له من حق .

الأستاذ “عدنان الرفاعي” ومفهوم الجن

يقول في كتابه ( قصة الوجود ) : [ لو نظرنا إلى القرءان الكريم لرأينا أنه يصف بهذه الكلامات ذوات محددة، من زاوية خلقها وماهية وجودها، وليس من زاوية صفاتها المعنوية والاجتماعية  [

{خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ }{وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ }الرحمن12-15

فالعبارة القرءانية [ من مارج من نار ] تصف حقيقة كينونة الخلق وماهيته بالنسبة للجان كما أن العبارة القرءانية [من صلصال كالفخار ] تصف حقيقة كينونته وماهيته بالنسبة للإنسان … ولا تصف هاتان العبارتان صفات معنوية أو اجتماعية ولا بأي شكل من الأشكال فتكرار كلمة خلق : [ خَلَقَ الإنسان ] [ وخلق الجان ]  يزيد في تبيان خلقين متمايزين في الماهية ولذلك لا يمكن لكلمة [ الجان ] أن تكون اسم صفة معنوية أو اجتماعية لبعض البشر، وبالتالي هي اسم ذات لجنس خاص من المخلوقات مخلوق من الماهية النارية ..

ولذلك حينما يُخاطب الله تعالى هذين العالمين المستقلين بماهية الخلق، يُخاطبهما بأداة النداء كعالمين لكل منهما حدوده الخاصة من ماهية الخلق {وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ }الأنعام128 {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ }الانفطار6

{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ }الأنعام130

إن القرءان الكريم يصف الذوات التي تسميها كلمتا الإنسان والجان وصفاً يتعلق بماهية خلق كل عالم من هذين العالمين المتمايزين تماماً في الخلق، وببداية الخلق{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ }{وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ }الحجر26-27

فإضافة إلى أن الجان خُلق من ماهية متميزة هي النار، خُلق قبل الإنسان الذي خُلق من ماهية مادية أكثف من ماهية خلق الجان…

والقرءان الكريم لم يصف ماهية الخلق من النار إلا للجان، ولم يصف ماهية الخلق من الصلصال كالفخار إلا للإنسان.

هذا خلاصة كلام الأستاذ عدنان الرفاعي

– أولاً هناك قاعدة ذهبية تغيب على معظم الباحثين في القرءان وهذا يُسبب خلل كبير في فهم وترابط الآيات، وبالتالي يؤدي إلى نتائج باطلة وأحياناً مُخجلة رغم أنهم يعتمدون على القرءان في البحث إلا أن هذا لا يكفي مادمت لا تملك منهجاً أو نظرة شمولية للقرءان .

القاعدة الذهبية تقول [ الكلمة القرءانية لها مفهوم لساني واحد أينما أتت، ومعاني كثيرة تظهر حسب سياق الآية ومحل تعلقها من الخطاب محكومة بالمفهوم اللساني]

واضح على الأستاذ من خلال طرحه أن القاعدة غابت عنه تماماً لذلك تراه لا يُفرق بين معنى كلمة جن في سياق وسياق آخر .

استشهد بهذه الآية [ يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس ] وأيضاً   [ يا معشر الجن والإنس ]

ليقول أن هذا النداء يدل على التمايز في الخلق من ناحية مادية وأنا أقبل هذا الرأي من إنسان أعجمي اللسان ولا أقبل هذا من إنسان لسانه الأم العربي …. وأضرب مثال بسيط جداً عندما يقف مدير أمام الطلاب ويقول : يا معشر الطلاب الثانوي وطلاب المراحل الأخرى عليكم بالدراسة الجادة فإن الامتحان قد اقترب  .

هل يعني أن طلاب الثانوي من كوكب زُحل وطلاب المراحل الأخرى من كوكب عُطارد ؟!

الجواب كلا … هذا يعني أن المدير يخص في كلامه طلاب الثانوي لأنهم في مرحلة مهمة أكثر من طلاب المراحل الأخرى .

كذلك الآية [ يامعشر الجن والإنس ] يوجد في المجتمع نخبة ويوجد عامة الناس النخبة هم الجن وعامة الناس من الإنس

هذا لا يعني أن الجن ليسوا من الناس أو أن الفرد الجني ليس بشر وإنسان، لكن حسب سياق الآية عليك أن تُدرك من يخص ومن يُعمم

وتقديم كلمة الجن على الإنس هذا يعني أن الخطاب موجه بالدرجة الأولى للجن لأن الجن كما قلت هم [ نخبة المجتمع] والإنس هم عامة الناس.

فأكيد خطابي للحاكم والوزراء والأطباء والفنانين والقضاة ….الخ أكثر أهمية من عامة الشعب.

وأكيد العقاب يكون للنخبة مضاعف عن عامة الشعب فالنخبة من الجن يعملون بجد وخفاء وبصرف النظر عن العمل أكان سيء أو جيد مضر للمجتمع أو غير مضر يبقى اسمهم ( الجن ).

ونهاية وهي مسألة مهمة جداً لم ينتبه الرفاعي لكلمة (معشر) في النصين التي تدل على التعاشر والتداخل في المعيشة و المصالح والحياة بين الطرفين ، ولم تتكرر في الخطاب لكل منهما على الشكل التالي( يا معشر الجن ويا معشر الإنس) وإنما أتت كلمة (يا معشر) واحدة وشملت الطرفين مع بعض بالمستوى ذاته، وهذا يدل على أنهما معشر واحد وليس معشرين منفصلين عن بعضهما.

{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ }الأنعام130

{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ }الرحمن33

{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً }الإسراء64

الأنبياء والمرسلون والنبيون ليسوا من الجن لأن الجن يتحركون في الخفاء، بينما الأنبياء والنبيين والمرسلين يتحركون بين الناس في فكرهم ودعوتهم علانية فلا يوجد عندهم ما يخفوه عن الناس ،لذلك كلمة الناس أتت من نوس وتعني الحركة المستورة المنضمة مكانياً التي تنتهي بحركة حرة، و هذا لا يعني أن الجن ليسوا من الناس لكن هم من فئة معينة من الناس ، وهذا أولاً

ثانياً : إن كلمة الجن في هذه الآية  : [ خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار ]

تختلف عن هذه الآية [ يا معشر الجن والإنس ] من حيث المعنى وليس من حيث المفهوم فكلمة (جان) وكلمة (جن) كلاهما يرجعان إلى الجذر (جن)

فالمفهوم الجذري حسب القاعدة واحد لا يتغير فمفهوم كلمة الجن هو الجهد والقوة المستورة أو المختفية، أما معانيها تختلف ففي هذه الآية [ يا معشر الجن والإنس ] المعنى هو النخبة وكلمة الجن مقابل كلمة الإنس وكلاهما من الناس.

لكن في هذه الآية : [ خلق الإنسان من صلصال كالفخار] [وخلق الجان من مارج من نار ]

المعنى ليس النخبة، بل هنا المعنى يُشير إلى خلق حقيقي والآية تتكلم عن الجان الذي خُلق من مارج من نار وهي [ النفس]الكائنة الجنية المختفية في الجسم البشري وتحكمه.

فالنفس كائن جني مخلوق من نار لا نراها ولكن نشعر بوجودها ككيان عاقل واعي غير الجسم وهي تحكمه وتتفاعل معه والعلاقة بينهما جدلية، لذلك قال النبي محمد : [ إذا غضب أحدكم فليتوضأ]

ولماذا لم يقل [ إذا غضب أحدكم فليُصلي ] أو يمارس اليوكا!!

لأن هذا المخلوق [ النفس ] من النار ( طاقة) والماء يُطفئ النار

[وجعلنا من الماء كل شيء حي ]

والغضب طاقة نارية سلبية تميت النفس الإنسانية، والغسل بالماء أفضل وسيلة لإطفاء غضب النفس وتهدئتها.

هذا هو بكل بساطة روح القرءان بقليل من الحكمة والنظرة الشمولية والرؤية العلمية.

أما رأي الأستاذ “الرفاعي” كلام بعيد عن واقعنا و أقرب إلى الخواطر لأنه لم يُراع سياق الآيات ولم ينبته أن الجن و الإنس معشر واحد يعيشون في عالم واحد متداخل العلاقات فيما بينهما وكلاهما يجمعهما خطاب (يا أيها الناس).

الدكتور “محمد شحرور” ومفهوم الجن

يؤمن الدكتور “شحرور” أيضاً بوجود كائنات جنية شبحية لها كيان موضوعي مُغاير عن الإنسان وهذا ما ذكره في كتابه [ الكتاب والقرءان] قال:

[يجب أن نميز بين الملائكة وإبليس، فإبليس كان من الجن وهي مخلوقات عاقلة مكلفة وجدت قبل الإنسان عندما كانت الأرض مازالت ملتهبة وقبل أن تبرد، لذا؛ قال : [ وخلق الجان من مارج من نار ] وقال [ والجان خلقناه من قبل من نار السموم ] وقال [ أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ] والجان لها بنية مادية تختلف عن البنية المادية للإنسان بحيث تأخذ هذه البنية أشكالاً مختلفة ويمكن أن تكون هذه البنية موجية لذا قال : [ وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهباً ] ، هذا الكلام لا ينطبق إلا على مخلوقات يمكن أن تأخذ بنية موجية  ] .

واضح أن الدكتور لم يبحث في المسألة ومر عليها مرور الكرام مكتفي بما قاله التراث أو بما هو شائع بين عامة الناس من خرافات ، وتمسك بظاهر النصوص، رغم أن الملائكة أيضاً مخلوقات جنية ، {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ }الصافات158.

ولو استخدم الدكتور منهجه العلمي في البحث كما استخدمه في كتابه اللاحق للأول وتراجع عن فكرة الناسخ والمنسوخ لما وصل لهذه النتيجة الغير موزونة، ولتراجع عنها دون أي تردد كما تراجع عن الناسخ و المنسوخ، وهذه ملاحظة للقارئ بأن الباحث مهما ارتقى بتفكيره يمكن أن يقع [ بالشرك ] شرك التراث والآبائية نتيجة التراكم والضغط الهائل طوال مئات الأعوام، فالتخلص من قبضة السلف والآبائية ليس بالأمر السهل.

 

الباحث سامر إسلامبولي ومفهوم الجن

في كتابه [ دراسة إنسانية في الروح والنفس والتفكير ]

https://www.facebook.com/groups/170302883083402/626993294081023/

أبدأ في القاعدة التي اعتمد عليها في التحليل والتي هي كما في كتابه :

[ دراسة مفهوم مُعيَّن بالقرآن ينبغي أن يتم وَفق منهج خاص به، وذلك من خلال ترتيل الآيات المتعلقة بالموضوع، ومن ثم ترتيبها حسب الأولوية والأسبقية، واستحضار المفهوم اللساني لها، وتشكيل مفهوم عام يحكم دلالة الكلمة في كل الآيات، وملاحظة المعاني من خلال السياق، لأنه إذا اختلف المبنى ومكان الكلمة اختلف المعنى والمقصد مع ثبات المفهوم اللساني ]

تكاد تكون هذه القاعدة أساس لأي بحث قرءاني

ويقول [ لدراسة مفهوم دلالة الجن، لابد من أمرين: أحدهما: دلالة الكلمة لسانياً، والآخر صور استخدامها في القرءان .

أولاً: دلالتها اللسانية:

كلمة ( الجن ) الجيم والنون أصل واحد يدل على الجهد أو الطاقة المستورة أو المختبئة. ومن هذا الوجه تم استخدامها على كل من يتصف بهذه الصفة، الستر والاختباء. نحو المجنون، والجنة، والجنين….الخ، وذكرت كلمة (جهد أو طاقة) لأن الأمر يتعلق بالكائن الحي، ولا يتعلق بالأشياء الجامدة فالحجر المختفي لا يسمى جني.

ثانياً: صور استخدامها في القرآن :

1- أتت كلمة (الجن) تدل على نوع من الأفاعي السريعة في حركتها.

[وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ] النمل 10

2- أتت كلمة (الجن) تدل على الكائن البشري في بطن أمه، كونه غائباً عن الأعين

[ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ] النجم 32

3- أتت كلمة (الجن) تدل على الملائكة، كونها مخلوقات غائبة عن الأعين

[جَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ] الصافات 158

وذلك عندما قال الكافرون: إن الملائكة هي إناث، وهي بنات الله، راجع سياق الآية.

4- أتت كلمة (الجن) تدل على شدة اسوداد الليل، وحجبه للأشياء.

[ لَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ ] الأنعام 76

5- أتت كلمة (الجن) تدل على غياب العقل والإدراك .

[ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ  حَتَّى حِينٍ  ] المؤمنون 25

6- أتت كلمة (الجن) تدل على الامكان المليء بالأشجار الكبيرة، التي تظلل الأرض وتخفيها

[فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ]المؤمنون 19

7- أتت كلمة (الجن) تدل على مكان الثواب، الذي أعده الله في اليوم الآخر للمؤمنين

يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا  ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ] الحديد 12

8- أتت كلمة (الجن) تدل على الاحتجاب، والاختباء، والتحصن وراء الشيء

[ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ] المنافقون 2

9- أتت كلمة (الجن) تدل على القوم الغرباء المجهولي الهوية، أو سادة الناس.

[ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبً ] الجن 1

إذاً ؛كلمة الجن في اللسان العربي تدل على صفة الستر والاختباء، وليست هي اسماً لجنس بعينه، والقرءان نزل بلسان عربي مبين، واستخدم معاني كلمة الجن حسب دلالتها اللسانية، فالنقاش ليس هو هل وردت كلمة الجن في القرءان أم لم ترد ، وليس هو إنكار لما في القرءان فهو محل تسليم بين المؤمنين به، النقاش هو بين فهمي وفهمك لنصوص الجن التي وردت في القرءان، فلا أنا أنكر القرءان ولا أنت تنكر القرءان ، وإنما أنا أرفض فهمك كما ترفض أنت فهمي ، وفهمي وفهمك ليس هو القرءان حقيقة ، وإنما هو مقاربة للفهم و التدبر قد يصيب أحدنا وقد نخطئ كلانا والأمر مازال تحت الدراسة مفتوح ومتاح، وهذا الاختلاف في تلك المسائل ليس اختلاف في الدين ولا تخضع لمفهوم الإيمان و الكفر، وإنما تخضع لمفهوم الصواب والخطأ.

والسؤال الذي يفرض ذاته هو: هل يوجد كائن جني شبحي يعيش بين الناس ويسيطر عليهم أو يؤذيهم كما هو سائد في معظم الموروث الإنساني قاطبة؟؟

والجواب عن هذا السؤال لابد له من أمرين أو أحدهما :

الأول : برهان علمي، وهذا يعني قابلية هذا الأمر للدراسة العلمية .

الثاني : برهان نقلي من القرءان يخبر بوجوده بشكل صريح وقطعي الدلالة .

والمشاهد أن هذا الكائن الجني الشبحي لا يخضع للعلم والدراسة، وبالتالي انتفى عنه البرهان العلمي وانحصر الأمر بالبرهان النقلي من القرءان فقط.

لننظر في مفهوم الجن الشبحي هل هو من ولادة القرءان. أو ولادة الموروث الإنساني في قديم الزمان من قبل نزول القرآن نتجية التخلف والبدائية في الحياة؟

نجد أن مفهوم الكائن الجني الشبحي من المفاهيم الوافدة، التي دخلت إلى الثقافة الإسلامية، واندرجت تحت نصوص قرآنية مستغلين دلالات لسانية قاموا بتعبئتها حسب احتمالها اللساني، ومرروا هذه الخرافة التاريخية التي نُسجت في الخيال الشعبي منذ آلاف السنين نتيجة غياب العلم والوعي وعدم استطاعة الإنسان حينئذ من معرفة أسباب الظواهر التي تحدث له أو لغيره أو من حوله مع وجود طبقة من الناس لها غرض في تكريس مثل هذه المفاهيم فقاموا بتعزيزها في أذهان الناس حتى صارت عقيدة يتوارثها الأجيال .

ثم يُكمل الكاتب ويقول :

لنرى هل القرآن أخبر بوجود مثل هذا الكائن الشبحي الذي حيكت حوله القصص والعجائب !

– الأمر الأول: النص القرآني، لم يوجه الخطاب التشريعي لغير الإنسان، فلا يوجد تشريع لجنس آخر في القرءان ومن المعلوم أن القرآن خطاب للإنس والجن بدليل تكليفهم وحسابهم

اقرؤوا قوله تعالى :

[ وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ] إبراهيم34

[ وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يؤوسا ] الإسراء 83

[ ووصينا الإنسان بوالديه حُسنا وإن جاهداك لتُشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تُطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ] العنكبوت 8

[ إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا ] الأحزاب 72

[ يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ] الانفطار 6

[ يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه ] الانشقاق 6

[ وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ] البقرة 30

أين الجن في الخطاب الإلهي هذا؟ ألا تلاحظون أن الخطاب كله للإنسان فقط ؟

أليس الإنسان وحده الذي حمل الأمانة، وهو وحده جُعل في مقام الخلافة!؟

– الأمر الثاني: إن بين الجن والإنس تداخُلاً في العلاقات الاجتماعية والثقافية ويؤثرون في بعضهم بعضاً أي أنهم يعيشون في عالم واحد وهذا دلالة كلمة (يا معشر) ) التي أتت مرة واحدة في النص ولم تتكرر ولو كان الجن ليس من الناس لأتت كلمة ( يا معشر ) مرة ثانية خاصة لهم.

[ يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ] الرحمن 33

[ ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم ] الأنعام 128

– الأمر الثالث : إن الرسل لا يبعثها الله إلا من جنس قومها والرسل للبشر هم من البشر ولا يوجد رسل من الجن إلى الجن .

قال تعالى : [ يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذروكم لقاء يومكم هذا ] الأنعام 130

قال تعالى : [ وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ] إبراهيم 4

انتبهوا إلى كلمة ( معشر ) أتت مرة واحدة فقط ولم تتكرر في النص قبل كلمة ( الإنس ) وهذا يدل على أن كليهما معشر واحد من العشرة والاختلاط .

– الأمر الرابع : إن رسالة الإسلام موجهة إلى الناس فقط، وكلمة الناس تشمل الإنس والجن كما ورد في لسان العرب .

نوس

الناسُ: قد يكون من الإِنس ومن الجِنِّ، وأَصله أَناس فخفف ولم يجعلوا الأَلف واللام فيه عوضاً من الهمزة المحذوفة..

قال تعالى [ وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون] سبأ 28

وبناء على ماذكرنا نلاحظ أن كلمة (الناس) عامة يدخل تحتها نوعين: الإنس والجن ذكوراً وإناثاً .

[ قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ] الأعراف 158

[ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ] الحجرات 13

[ قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين ] الحج 49

أين الجن في الخطاب الإلهي هذا ؟

وهذا يدل على أن الجن من الناس مثل الإنس ضرورة لدخولهم في معشر واحد وخطاب واحد وشرع واحد، والإنس والجن صفتان لبني آدم من الناس ويختلفون بطريقة حركتهم في الحياة المعيشية في عالم واحد متداخل بينهما، فهما صفات لا أجناس .

فالله خلق الناس وكلمة (الناس) تشمل الجن والإنس وقد خاطبهما الله معاً بخطاب واحد

[ يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ] البقرة 21

وهذا يدل على أن الجن من الناس مثل أن الإنس من الناس فمن هم الناس الجن ؟

إنهم الفئة التي تعيش في المجتمع بشكل خفي في حركاتهم وأعمالهم لا يظهرون غالباً لبقية الناس مثل رجال الأعمال والقيادات وغيرهم ممن يتحكم في شؤون الناس وهذا ملاحظ في الواقع لمن يعيشه، فيخبرنا الله أن هؤلاء الجن والإنس كلاهما مخلوقان لممارسة العبادة التي تدل على الحرية في الاختيار لأن كلمة ( عبد ) من كلمات التضاد في ظهورها فيوجد عبد الرحمن ويوجد عبد الشيطان .

والأمانة التي تم عرضها الرب لم يحملها إلا الإنسان ،{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }الأحزاب72، فأين النص القرءاني القطعي الدلالة الذي يدل على أن الكائن الجني الشبحي غير الإنسان وهو مكلف مثله وأين نزل تكليفه نزل؟

هذه المنظومة ثابتة وهي التي تحكم تدبر نصوص الجن وما ينبغي أن ننقض منها أي مفهوم والقارئ اللبيب من خلالها يكون قد وصل إلى تشكيل رأي عن مفهوم الجن، ومع ذلك

ولطول البحث وصعوبة اختصاره سوف نتطرق لبعض النصوص التي عالجها الباحث عن خلق الجن،وإزالة اللبس عنها، قال :

وبناء على معطيات الواقع، ودراسة النّص كمنظومة واحدة، منسجمة مع الواقع، نصل إلى أنَّ النّفس، هي كائن جني موجود في الجسم البشري، وهي المسؤولة عن قيادة هذا الجسم، وهي التي تتمتع بوُجُود واعي عاقل، وهي التي تُميز شخصية الإنسان وهويته عن الآخر؛ أي أن القرآن قد ذكر المادَّة التي تم خلق البشر منها، وذكر المادَّة التي تم خلق النّفس منها.

فبداية خلق الإنسان – قديماً في أول نشأته حيث لم يكن إنساناً بعد- من طين، وهذا الذي تكلم عنه الخالق في نص آخر بقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ} المؤمنون12، لاحظ الفعل الماضي (خلقنا) مع الانتباه لنوعية الضمير ودلالته( نا)، وهذه المرحلة الطينية متعلقة بالكائن البشري، اقرأ قوله تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ }ص71.

لاحظ الفرق بين كلمة  ( وبدأ خلق الإنسان من طين) وكلمة(إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ)، وهذا يدل على أن الإنسان في  أصله السابق البشري من طين، أما الوضع الحالي فهو من سلالة من ماء مَهين. اقرأ قوله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ }{ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ } (السّجدة 7 ـ 8)، وانتبه إلى حرف( ثم) ، ودلالة كل من( خلق وجعل).

وأحياناً يذكر الخالق صفات للإنسان معنوية أو علاقات سننية، وليست مادية نحو:

{خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ }الأنبياء37.

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ }الحجر26

{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} الحجر28

والحمأ : هو الحركة المؤرجحة الشديدة المجتمعة على بعضها اتصالاً لتظهر بصورة خفيفة أخيراً. وفي الواقع هي وصف لطاقة حرارية  متداخلة في بعضها ثائرة لتجتمع أخيراً وتظهر بمظهر واحد.

المسنون: الجمع المتصل المتحرك بحرية لينضم بامتداد ينتهي بستر.

وهذه الكلمة من( سن) التي تدل على الحركة الحرة المستورة.

والكلمتان ( حمأ مسنون)تُشكلان مفهوم العلاقات المؤرجحة الشديدة المستورة التي تحكم خلق الإنسان(نفس) والبشر(جسم حي).

ونصل الآن إلى النص الذي هو محل البحث:

قال تعالى: {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ*وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ}  (الرّحمن 14 ـ 15).

وذكر كلمة الإنسان  ـ  في النّص  ـ  من باب الأصل؛ إذ من المعلوم أنَّ الإنسان وُجد من خلال التّكاثر، والولادة من ماء مَهين، وليس من طين، والنص يصف الإنسان أنه خُلق من صلصال ، فماذا تعني ؟

صلصال:كلمة تدل على الحركة المحددة اللازمة البطيئة المكررة أيضاً بذات الحركة المحددة الممتدة بصورة بطيئة لازمة.

وهذا المفهوم تحقق في النفس من خلال مزج الطاقة الحرارية مع تقدير سنني(برنامج معلوماتي) وتحريكه بصورة لازمة، وتحقق في الجسم بعملية مزج التراب بالماء، وإعادة مزجهما إلى أن يصلا إلى مرحلة الطين اللازب المتماسك في ذراته ليُشكلا نسيجاً طينياً معجوناً متماسكاً منسجماً مع بعضه، وهذه العملية هي صفة لخلق الجسم البشري المتماسك في ذراته الأجوف الذي يحتفظ بالحرارة المناسبة له كالفخار، ولكنه ليس قاسياً مثله، و لا يفقد حرارته.

إذاً، القرآن لم يُهمل أصل مادَّة خلق النّفس، ولقد ذكر ذلك صراحة بأنها مخلوقة من مارج من نار(طاقة)، أي من خلاصة اختلاط واضطراب ألسنة النّار الصّاعدة الملتهبة، وصفة الجنية لازمة لها وليست عارضة مثلها مثل الملائكة تماماً. 

وبذلك صار الإنسان كائناً ترابياً ونارياً بوقت واحد، أي جسم ونفس، وروح تحكمه.

ولأهمية موضوع خلق الجن، وكي لا يكون المفهوم التّراثي عقبة تمنع القارئ من قَبول ما ذكرت عن خلق مادَّة النّفس، وأنها هي المعنية بكلمة الجانَّ في النص، ومن ثم َّ، فهي مخلوقة من مارج من النّار، كما أخبر الرّب في كتابه، اقتضى ذلك منّا، التّطرق إلى النّص القرآني التّالي:

{قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ *قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } (ص75 -76).

وذلك لمساعدة القارئ في عملية الفهم الكلي للموضوع، من خلال المنظومات القرآنية والواقعية، وعدم اقتطاع أي جزء من المنظومة؛ لأن ذلك يُؤدِّي إلى الشّطط، والوهم في الفهم، والوُصُول إلى نتائج غير حقيقية.

وبناء على ما ذكرت، من أُطُرٍ للمنظومة، نفهم النّص المعني بالتّفسير من خلال وضعه في مكانه المناسب من المنظومة؛ حتَّى يكمل معنا المنظر الكامل للوحة، ولا نقع بالتّصادم بين الأجزاء، ولا نشوه الحقيقة.

 ـ أول أمر: ينبغي ملاحظته في النّص، أنَّ الكلام المعني بالدّراسة، إنَّما جرى على لسان إبليس، فهذا الكلام يعبر عمّا بداخل إبليس، وليس بالضّرورة أن يكون حقاً في الواقع؛ فالقرآن ذكره كخبر عمّا جرى على لسان إبليس وليس تقريراً لمضمونه كما يذكر خبر على لسان فرعون والكافرين وليس هذا إقراراً بصواب ما يقولون.

ـ الأمر الثّاني: هو أنَّ النّص استخدم كلمة (بشر) في الآية{إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ }ص71.

ولم يستخدم كلمة (إنسان)؛ ومن ثم، فالبشر قد تم خلقهم  ـ  ابتداء  ـ  من حيث الأصل من طين.

ولما تكلم إبليس عن ذاته كنفس، استخدم الجانب المخفي فيه، وهي النّفس، فذكر أنها خُلقت من النّار.

فقد استخدم إبليس في جوابه، صفة التّدليس والتّغابي، لمَّا ذكر مادَّة خلق الجسم  ـ  بالنّسبة لآدم  ـ  التي هي الطّين، وتغافل عن مادَّة خلق نفس آدم من النّار.

فقام بإغفال مادَّة النّار في خلق نفس آدم، وإغفال مادَّة الطّين في خلق جسمه، فقال: خلقتني من نار، وخلقته من طين؛ رغم أن كليهما مخلوقان من طين ونار كإنسان(جسم ونفس)؛ ناهيك عن أن أصل النار هو من تراب وماء(طين) اقرأ قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ} يس80، والشجر الأخضر يدخل في بنيته التراب والماء، والحرارة والضوء والهواء ليصير في النهاية وقوداً للنار، اقرأ قوله أيضاً{أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ *أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ} الواقعة71_72، وكلمة (شجرة) تدل على العلاقات المتداخلة ببعضها (القوانين والتفاعلات) التي بموجبها يتم حدوث النار(طاقة) من عناصر في أصلها من التراب والماء(مادة)، ومن المعلوم أن المادة هي طاقة خامدة، والطاقة مادة متحولة، والعلاقة بينهما جدلية.

إذاً؛ أصل خلق الإنسان هو التراب والماء، فمن التراب والماء خُلق الجسم          ( الكائن الرحمادي البشري)، ومن النار المُنشأة من التراب والماء بواسطة شجرتها(قوانين وعلاقات) خُلقت النفس من مارج من النار، وتم نفخ النفس في الجسم فظهر الإنسان محل الخطاب التكليفي، والذي جعله الله خليفة في الأرض كجنس يتمثل في الحاكم العالم العادل الذي يقود خلافة الجنس الإنساني وفق نظام الله السنني، و الحدودي في التشريع.انظر: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ }ص26(1) 

فالنفس هي طاقة متحولة عن المادة مرتبطة بها، وتظهر من خلالها، لذا؛ أخذت صفة الطاقة من حيث حركتها وبنيتها، واختلفت عنها بثباتها وعدم تحولها إلى مادة خامدة مرة أخرى بأمر من الرب.

لذلك نلاحظ أنَّ الرّب لم يستمر بالحوار مع إبليس رغم أنَّ القرآن يأخذ الحوار على محمل الجد؛ ذلك لأنَّ الفكرة التي ذكرها إبليس كسبب لعدم سجوده، هي فكرة واهية غبية، لا تخرج إلا من متكبر، حسود، حقود.

فأنهى الرّب الحوار بلعن إبليس، وذمه على طريقة تفكيره، وتناوله للأمور، بصُورة غبية، وتدليس مكشوف ظاهر لكل ذي رأي.

نحو أن يقول أحدهم متفاخراً على آخر: إن جسمي  فيه عظام، بينما جسم الآخر فيه اللّحم !.

أو أن يقول: إن دمي فيه كريات بيضاء، ودمك فيه كريات حمراء، وما شابه ذلك من أقوال غبية، لا تصدر إلا من قاصر أو من مكابر للحقيقة !.

لذا، لا يصح أخذ ظاهر هذا النّص ـ  مقتطعاً من منظومته ـ  وبناء مفهوم كامل عليه، بل ينبغي إرجاعه ووضعه في مكانه، من المنظومة، ضمن الأطر العامَّة التي تحكم اللّوحة.

ويتابع النّص القرآني، ذكر خلق النّفس بقوله تعالى:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }  (النّساء 1).

تم خلق النّفس ابتداء من مارج من نار، ومن هذه النّفس الأولى  تم خلق زوجها، وكلمة ( زوج ) تطلق على الفرد من الزّوجين، فالواحد منهما زوج؛ لأنه لا يمكن وُجُود أحدهما دون الآخر، ويشترط الاختلاف في النوع، فالذكر والذكر ليسا زوجين، وإنما هما اثنين، وتطلق أيضاً على الاثنين المختلفين نوعاً والمتكاملين وظيفة وانسجاماً،{وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} الحج5، فكلمة (زوج) في النص يقصد بها النوعين المختلفين، وبالتالي يكون مفهوم جملة(خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) هو أن النفس الواحدة خُلق منها الاثنين المختلفين بالنوع (الزوجان) لا أسبقية لأحد على الآخر،أو تفضيل، والنفس لا تظهر إلا من خلال الجسم (ذكر أو أنثى)، ما يؤكد على أن النفس عندما دخلت الجسم انحكمت بنوعه الذكري أو الأنثوي.

{الذي يوسوس في صدور الناس ، من الجنة والناس}الناس5- 6.

يصح في اللسان العربي عطف العام على الخاص أو العكس، مثل قولنا: جاء زيد والناس، فزيد من الناس وليس من جنس آخر وأفرد لأهميته، ويمكن أن نعكس الكلام ونقول : جاء الناس وزيد، ومن هذا القبيل أتت جملة ( ومن الجنة و الناس) عطف العام (الناس) على الخاص ( الجنة).

فهذا الشيطان الوسواسي يقوم بالوسوسة في صدور الناس، بمعنى أنه يقصد الذين يتصدرون قيادة الناس، ويحاول أن يقلب الحقائق وينشر الفتن، فإذا كُشف أمره أبلس، فكلمة إبليس صفة يمارسها الجني أو الإنسي من الناس، اقرأ قوله: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى }طه120، فالذي يوسوس هو الشيطان سواء أكان من الجن أم من الإنس، و الذي وسوس  لآدم هو من نوع الجن الشيطاني؛ أي من طبقة متسلطة من الناس ذات النفوذ اقرأ قوله: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً }الكهف50(1)، فالصفات الثلاثة ( الجن والشيطان وإبليس) قد تحققت به.

ويقوم بالوسوسة أيضاً النفس الأمارة بالسوء اقرأ قوله:

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ }ق16

{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ }يوسف53

فالوسوسة الخارجية تكون من شيطان جني أو إنسي، والداخلية من نفس الإنسان الأمارة بالسوء.

{يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأعراف27، فيجب أن لا نفهمها بشكل سطحي، فالنص يتكلم عن الرؤية الذهنية من الرأي، وليس عن الرؤية العينية، اقرؤوا قوله تعالى: { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى }الصافات102، بمعنى أن رأي الشيطان وأتباعه فيكم غير رأيكم فيهم، وذلك راجع للمفاهيم التي يحملها كل منهما، فالمؤمنون يرون الناس بمنظار الحب والاحترام والإنسانية، بينما الشياطين وأتباعهم يرون الناس من منظار الكراهية والحقد والحسد والازدراء لهم(1)، لذا؛ كان لكل منهما اتجاه في الرؤية يختلف عن الآخر، وهذا دافع لأن لا ينخدع المؤمنين بمظهر الشياطين وكلامهم المعسول ورسم البراءة على وجوههم والابتسامة الصفراء الباهتة، ويجب أن ينتبهوا لرؤيتهم الشريرة.

انتهى كلام الأستاذ عن الجن وللمزيد من القراءة والإطلاع على مفهوم إبليس والشيطان ودراسة باقي النصوص وجب قراءة الكتاب المعني وهو متوفر على النت.

هل لاحظتم كيف أن الأستاذ عالج مفهوم الجن من خلال قاعدة جوهرية وانطلق منها عن طريق ترتيل الآيات وجعل المنظومة هي التي تحكم النصوص الجزئية والتي غابت عن المهندس عدنان الرفاعي وغياب هذه القاعدة هو غياب جزء كبير من المنهج القرءاني،  وأيضاً لم يُعالج الدكتور محمد شحرور الموضوع من منظور علمي وإنما  مر على الفكرة مرور الكرام واكتفى بما هو سائد في التراث وظاهر النصوص الجزئية وأخذ المفهوم من أهداب الكلمات  .

ما يُعجبني في طريقة الأستاذ “إسلامبولي” أنه يجلس مكان القارئ ويكتب ثم يرجع لمكانه ويقرأ ما كتب ليكون كاتباً ناقداً بجدارة ولا يدع مجال لأي خاطرة للقارئ أن تشوه المنظومة، فقد وضع القاعدة ثم عالج المسألة ولم يحيد عن القاعدة أبداً .

بينما الأحمدية الذين تبنوا نفي وجود الكائن الجني الشبحي عالجوا الموضوع من منظور ثقافي أكثر من كونه منظور قرءاني بحت رغم أنهم رتلوا الآيات، لكن هذا لا يكفي، وهذا أيضاً ضعف فإن أصابوا في هذه المسألة فلن يُصيبوا في مسألة أخرى لأن المنهج غائب عنهم .

كذلك المهندس عدنان الرفاعي بدأ بالتساؤل وانتهى بالتساؤل وأعطى نتيجة بناءاً على التساؤل وهذا عبث منهجي وواضح على أن الأحمدية والرفاعي لا يملكان منهج قرءاني واضح.

ورغم أن الشحرور يملك منهج علمي قرءاني إلا أن [ من وجهة نظري ] يقصر في دراسة  تفاصيل القرءان ، فرؤيته دائماً تكون شمولية كلية .

بينما الباحث سامر إسلامبولي بدأ في النظرة الشمولية ثم غاص للتفاصيل بناء على هذه القاعدة الذهبية :

الكلمة القرءانية لها مفهوم لساني واحد أينما أتت، ومعاني كثيرة تظهر حسب سياق الآية ومحل تعلقها من الخطاب محكومة بالمفهوم اللساني]

وملاحظة أخيرة : تغيب علينا أمور كثيرة في القرءان وسنبقى نتساءل عن آيات كثيرة، لكن هذا لا يُعطي مبرر إن لم نجد حلاً أو جواباً لتساؤلنا أن نفترض من خيالنا أو نسحب الرأي الشائع في المجتمع ونجعل منه جواباً لتساؤلنا فهذا ليس من صفات الباحث المنهجي القرءاني وإنما نترك الإجابة للزمن فهي كفيلة لأن تُجيب على تساؤلاتنا .

وأتوجه بالشكر للقراء الأعزاء الذين رافقوني برحلة النقاش التي أرجو أن تكون ممتعة ومفيدة ولهم كامل الحرية في تبني ما يرونه صواباً أو أقرب للصواب ، ومازال البحث مفتوحاً لم يغلق بابه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) غياب مجتمع راشدي أزمة تاريخية مستمرة رغم ظهور بعض قيادات راشدة لم تستطع أن تقود مجتمع همجي، والتاريخ حفظ لنا كثير من قصص الأنبياء الذين تخلى عنهم مجتمعهم ولم يحتضن دعوتهم، وفشل المجتمع في النهضة بسبب ذلك، والعلاقة بين القادة الراشدون والمجتمع الراشد جدلية، ولابد من ولادة مجتمع راشد لتنشأ النهضة، ويستمر التطور، ويتحرر الإنسان –كمجتمع- من خلال حمل ثقافة راشدة خالية من فيروسات الاستبداد والاستعباد، والإرهاب، والشرك بالله.

(1) كلمة (ذرية) المضافة لإبليس أحد الأدلة على أنه ليس من الملائكة، لأن الملائكة مخلوقات لا تتكاثر ولا نوع لها .

(1) وهذه الرؤية تجلت بوضوح للناس كلهم من خلال تصريح معظم حكام العرب برؤيتهم للشعوب أنها جرذاناً وفيروسات وحشرات!!!!