هل كلمة الإثم صيغة تحريم

الحكم لله عز وجل وحده فهو يحرم ويحلل ويوجب، ولا يحق لأي جهة أن تشاركه في ذلك لا مَلك ولا نبي ولا رسول، ومن يفعل ذلك يقع بالشرك مع كتاب الله وهو ذنب عظيم.

والتحريم أتى في كتاب الله فقط ولا يصح التحريم من غير كتاب الله كما يفعل عبَّاد المثناة بالاعتماد على الروايات ويحرمون ما أحل الله أو يحلون ما حرم الله .

والخطاب القرءاني نزل بصفة الحق والصدق وليس بالهزل أو العبث ، فما أراد أن يحرمه نص عليه بصيغة التحريم صراحة أو  جعله تابعاً لنص تحريم لاشتراك العلة بينهما أو تحقق صفات المحرَّم بالنص بالأمر الآخر المسكوت عنه ، فالاستنباط في التحريم يكون  من خلال وجود نص يستخدم صيغة التحريم صراحة لشيء معين ووجود شيء يتماثل مع الشيء المحرم كمضمون وليس كشكل فيأخذ حكم التحريم ضمناً من باب أولى كدخول حرمة نكاح الجدة من الطرفين تحت مفهوم تحريم نكاح الأم {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ …}النساء23 ، لأن الجدة أم، وأي تحريم لا يبنى على هذه القاعدة لا يعتد به ولا قيمة له قرءانياً ويبقى رأياً خاصاً لصاحبه غير ملزم لأحد وهو كذب في الدين وافتراء على الله .

لنقرأ:

{قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ }يونس59

{وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ }النحل116

القاعدة في التحريم واضحة أنها ينبغي أن تكون نصاً صريحاً بلفظة التحريم وليس فهماً من صيغة كلمة أخرى بأي صيغة أتت ، والاستنباط لحكم تحريم مسألة معينة لا يكون من صيغة كلمة أتت في نص آخر غير التحريم ، وإنما يكون من  تدبر نص التحريم ذاته وفهمه وإلحاق به ما يتبعه مطابقة ومماثلة بعلته كإلحاق تحريم نكاح الجدة بنص تحريم نكاح الأم، ولذلك القاعدة تقول:

الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما ورد بالنص القرءاني أو ما دل عليه نص التحريم استنباطاً تابعاً له بشكل قطعي .

الإثم صفة لما يترتب على ممارسة فعل حرام أو منهي عنه وليس هو صفة للفعل ذاته مثل الفاحشة فهي صفة للفعل ذاته، والإثم يدل على الذنب والمعصية والتأخر والتخلف وخلاف الحق….الخ.

{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }البقرة173، لاحظ أن حكم التحريم تعلق بأكل الميتة والدم ولحم الخنزير…، ومخالفة هذا الحكم دون مبرر أو حاجة يترتب عليه اكتساب الإثم. اقرأ :

{وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }البقرة203

{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً }النساء48

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ }الحجرات12

وكما للفواحش كبائر أيضًا يوجد كبائر للإثم

{وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ }الشورى37

{وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ }الأنعام120

فيوجد أعمال توصف بالفحش لسانياً وواقعاً ولكنها ليست من الكبائر وبالتالي فهي ليست من دائرة الحرام ولكنها قطعاً ليس من حقل المباح فهي من دائرة النواهي مثل إتيان النساء بالمحيض أو بالدبر هي أفعال فاحشة لسانياً وواقعاً ولكن ليست من الكبائر وبالتالي ليست من دائرة الحرام وإنما هي من دائرة النواهي، وهذا يعني أن مجرد وصف فعل بالفاحشة لا يعني أنه حرام لاحتمال أن يكون من دائرة النواهي، ولمعرفة ذلك وتحديد الحكم لابد من نص صريح بلفظة حرام لفعل الفاحشة حتى يصير حكمه حرام وإلا فهو من دائرة النواهي كونه فاحشة.

وهذا ينطبق على كلمة الإثم فليس كل فعل ترتب عليه إثم يكون حراماً ومن كبائر الإثم ولكن قطعا ليس هو مباح، ولابد من نص صريح يستخدم كلمة حرام للفعل بعينه أو ينزل استنباطا تحت حكم فعل حرام لاشتراكهما بالوصف ذاته عملياً مثل إتيان البهائم فلا شك أن الفعل فاحشة وهو حرام ، وإذا انتفى وجود نص تحريم أو فعل حرام يقاس عليه قطعاً يبقى الفعل الموصوف بالفاحشة في دائرة النواهي ولا يصير مباحاً وهذا ينطبق أيضاً على مفهوم الإثم ، فأي فعل يوصف بالإثم أو ترتب عليه إثم فهو لاشك ليس مباحاً ابتداء ، ويحتمل أن يكون حراما أو منهي عنه، وهذا يرجع لوجود نص يحرم ذلك الفعل وبالتالي هو من كبائر الإثم، وإن لم يوجد نص يحرم الفعل عيناً فيكون الفعل منهي عنه والتحريم أو النهي حكم يتعلق بالفعل وليس بالشيء ذاته، فيحرم أكل لحم الخنزير وليس الخنزير هو الحرام! وكذلك الخمر فالحكم يتعلق بحالة الخمر التي تصيب العقل ويفقد توازنه وتمييزه ويغيب عن الوعي وهذا ما عبر عنه الفقهاء وأهل اللسان بأن الخمر هي التغطية للعقل والوعي وهو فعل يترتب على تناول الخمر بصرف النظر عن الوسيلة التي تم استخدامها، فالحكم ليس لمادة الخمر وإنما لما يترتب عليها، ولا يوجد نص صريح بتحريم الخمر عيناً ولا يوجد حكم فعل حرام تلحق به فهمًا واستنباطاً من جنسها ومشترك معها في العلة أو المقصد، وليست هي من كبائر الإثم لانتفاء نص التحريم ، ودلالة ( إثم كبير) تختلف عن الدلالة الأولى فهي وصف للإثم ذاته وليس وصفاً لنوعية الإثم، مثل قولنا زيد من كبار القوم، وقولنا : زيد كبير في قومه، ولا يشترط لكل كبير في شيء أن يكون من نوع الكبار، لأنه يوجد كبير ويوجد أكبر منه، بمعنى ليس كل إثم كبير هو من كبائر الإثم .

وحالة الخمر في الإنسان لاشك أنه يترتب عليها إثم كبير ولكن ليس هي من كبائر الإثم لانتفاء نص التحريم العيني أو النزول تحت حكم تحريم من جنسها مشترك معها بالصورة والحالة،

وعدم ورود نص بتحريم شيء معين  لا يعني إباحته فوراً لأنه يوجد مرتبة النواهي وهي أدنى من التحريم وتأت بصيغة النهي مثل النهي عن إتيان النساء في المحيض أو في الدبر {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ }البقرة222، فالنص لم يأت بصيغة تحريم إتيان النساء في المحيض أو في الدبر ، ولكن هذا لا يعني أنه مباح وإنما هو سلوك منهي عنه وهو أقل من الحرام درجة.

والحرام والمنهي عنه كلاهما فيهما إثم ، و الاختلاف بينهما بدرجة الإثم ومن الناحية الأصولية والتعامل معهما.

الحرام له تعلقين:

الأول : حرام يتعلق بحقوق الناس وهو أبدي وشمولي ومغلق، مثل قتل الإنسان البريء حين يتعرض أحدهم للهلاك أو نكاح الأم أو أكل مال اليتامى…الخ، فلم يسمح المشرع بفتح حكم التحريم أو تعطيله أو توقيفه لأي سبب كان ولو تعرض الشخص للقتل والهلاك، فعليه أن يختار الموت ولا يعتدي على حقوق الناس.

الثاني: حرام يتعلق بالشخص نفسه مثل تعرضه لحالة الجوع الشديد ولم يجد أمامه إلا أكل الميتة ، أو تعرض للضرب والأذى حتى يكفر بلسانه أو يشتم الله والدين، فسمح المشرع له أن يوقف حكم التحريم مؤقتاً وينقذ نفسه.

{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }البقرة173

{مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }النحل106

وفي هذا النوع التحريمي الشخصي تصح القاعدة التي تقول: الضرورات توقف حكم  المحظورات ، ولا تصح في النوع التحريمي العام للناس السابق.

بينما المنهي عنه ليس مغلقاً ولا أبدياً ويمكن أن يفتح حكم النهي ويتوقف أو يتعطل الحكم إن تعرض الشخص للأذى أو الهلاك أو لرفع حرج شديد عنه، وفي هذا النوع من الحكم تصح القاعدة التي تقول: الحاجيات توقف حكم  المنهيات، وهذا يرجع تقديره لكل شخص فهو أدرى بحاجته

كلمة (كبائر الإثم) تدل على أنه يوجد صغائر الإثم وهذا يدل على أن  الإثم ليس هو حكماً لسلوك وإنما هو وصف له كذنب ومعصية قد يكون حراماً وقد يكون منهي عنه فكلاهما إثم، ولا يوجد شيء يترتب عليه إثم  ويكون حكمه مباحاً. وصلنا إلى نص أتى بتعداد بعض المحرمات كأوصاف{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }الأعراف33

هذا نص عام في المحرمات و كلمة الفواحش لسانياً تطلق على أي سلوك فاحش وهذا يعني فتح باب المحرمات بشكل كبير، وكذلك كلمة الإثم، مما يدل على أنه ينبغي مجيء نصوص تتناول التفصيل وتحدد الإثم والفواحش المحرمة، وهذا أتى في نصوص أخرى تسمى تفصيل الكتاب، وتأتي هذه النصوص بكلمة التحريم صراحة أو بكلمة الفاحشة لأن الفاحشة هي وصف للفعل ذاته فتكون هذه الفواحش هي الحرام، أو تأت كلمة الإثم  كنتيجة لأمر حرام فيكون هذا السلوك هو من كبائر الإثم، أما مجيء كلمة الإثم كوصف لشيء فيقصد بها كنتيجة لفعله و بصيغة النهي ونفي مجيء كلمة التحريم يدل على أن هذا الأمر الذي يترتب عليه الإثم ليس من كبائر الإثم وبالتالي ليس حراماً وإنما منهي عنه وهذا الضبط مهم حتى لا يصير الأمر فوضى ويحرم الناس حسب مزاجهم  ورغبتهم.

واستخدم كلمة (حرَّم) وذكر كلمة ( الإثم) بينهم، فعلى ماذا تدل في هذا السياق، هل يوجد شيء اسمه الإثم حرمه المشرع، أم هو وصف لما يترتب على ممارسة وسلوك معين ؟

واضح حسب ما سبق بالنصوص أن الإثم وصف وليس اسماً لشيء بعينه، وأيضاً واضح أن الإثم كوصف يطلق على الذنب الصغير ويطلق على الذنب الكبير فكلاهما يترتب عليهما إثم بمعنى أن ممارسة الحرام يترتب عليه إثم ، وممارسة المنهي عنه يترتب عليه إثم، وكون كلمة الإثم أتت  في سياق التحريم مما يؤكد أن الإثم في النص هذا هو وصف لذنوب عظيمة ومعاصي متعلقة بالحرام  ذكرت في نصوص أخرى  وليس بالنواهي ولا ينفي الإثم عن ممارسة النواهي ولكنها لا علاقة لها بنص التحريم هذا .

إذًا؛ الإثم هو وصف ونتيجة لممارسة سلوك وليس صيغة  تحريم كما أنه لفظة وصفية تتعلق بالحرام والمنهي عنه فهو يدل على ذنب ومعصية قد يتعلق بالمحرمات وبالتالي هو من دائرة الحرام ، أو من دائرة النواهي وهو أقل من الحرام درجة

ونص الخمر والميسر {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }البقرة219، فكلمة (إِثْمٌ كَبِيرٌ) لا تعني أن الإثم هنا من الكبائر مثل صيغة ( كبائر الإثم) فيوجد اختلاف بين الصيغتين ، فالأولى (إِثْمٌ كَبِيرٌ) تدل على وجود الإثم بالشيء ذاته كضرر وأذى للناس ، ولذلك أتى بعدها كلمة (وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا) ليعلمنا المشرع قاعدة تكون ميزاناً في التشريع و الحكم على الأشياء المستجدة وهي قاعدة النفع والضرر، فأي شيء غلب عليه الضرر أكثر من النفع يكون من دائرة النواهي، وإن غلب عليه النفع والفائدة فيكون من دائرة المباح. وأتى الخمر مثل في النص وهي كلمة وصفية وليس اسم مادة معينة ، فأي مادة تخمر العقل وتغيبه تكون من دائرة النواهي بصرف النظر عن نوع المادة أو جنسها أو وسيلة تعاطيها، ولا يصح الاستنباط هنا من ورود كلمة الإثم في نص التحريم  على نص الخمر  لأن الإثم ككلمة بحد ذاتها ليست صيغة تحديد حكم ، فهذا فعل معكوس خلاف المنطق التشريعي، لأن الأصل أن يأت الحكم بنص الخمر ويحدد نوع الحكم حرام أو منهي عنه، وبعد ذلك نستخدم الاستنباط  من خلال  التماثل بالمضمون لشيء آخر ونحكم عليه بحكم الخمر، وهذا لم يتحقق في مسألتنا تلك.

لذلك من يقول: إن الخمر ليست حراماً اعتمد على الأصل التشريعي، وهو نفي وجود نص يحرم الخمر، والقاعدة تقول: الأصل في الأشياء الإباحة إلا النص، ولكن قصَّر على كبائر الإثم والفواحش في دراسته ولم يكتشف أنه يوجد مفهوم تشريعي لحظر سلوك معين أو تعاطيه وهو حكم النهي الذي يتعلق  بالفواحش والإثم دون الكبائر ، ومن يقول عن الخمر حرام فقد وقع بالافتراء على الله وهذا أمر خطير وإثم عظيم .

وهذا يعني أن مجرد وصف فعل بالفاحشة أو بالإثم لا يفيد التحريم ولكن قطعاً لا يفيد الإباحة، وهو محظور شرعاً ويعرف حكمه من النصوص هل هو حرام أم منهي عنه، بمعنى آخر هل هو من كبائر الفواحش أو كبائر الإثم أم من صغارها وكون الأمر كذلك فالخمر ليس حراماً ولا هي من كبائر الإثم لانتفاء النص الصريح بتحريمها، ولكن فيها إثم كبير وبالتالي ليست مباحة وهي من دائرة النواهي.

الخلاصة :  الحرام  هو من كبائر الفواحش والإثم  وهو مقيد ويلزمه نص عيني، وما كان يوصف بالفاحشة والإثم دون صفة الكبيرة مع انتفاء نص عيني في تحريمه يكون من دائرة النواهي، بينما المباح مفتوح ولا يُطبق المباح الاجتماعي إلا منظماً من قبل الدولة .

كل حرام أو منهي عنه محظور وليس كل مباح مقبول، ولا تكليف أو حساب إلا بشرع.

المنهي عنه يكون من خلال النص ويكون من خلال قاعدة النفع و الضرر

الإثم وصف لما يترتب على ممارسة فعل فاسد أو سيء  أو ذنب  وليس حكماً تشريعياً ويتعلق بالحرام أو المنهي عنه، وكذلك الفاحشة هي وصف للفعل ذاته من القبح والشناعة ويتعلق بالحرام أو المنهي عنه.

تعاطي الخمر وما هو بحكمها يتعلق بإثمها وقاعدة النفع و الضرر وهي من دائرة النواهي وليس من دائرة الحرام