نقاش سريع لمجموعة من النصوص التي يعدها عباد المثناة برهان لإثبات حجية الحديث النبوي

طاعة الله وطاعة الرسول

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }النساء59

نلاحظ في النص أنه أتى فعلي طاعة مستقلين عن بعض الأول ( أطيعوا الله)، والثاني (أطيعوا الرسول)، وهذا يدل على وجود دائرتين لفعل الطاعة مستقلين عن بعضهما في الأمر ولو أنهما متداخلتين عموماً كضبط وتقييد الطاعة الثانية بالطاعة الأولى، وبما أن الحكم لله كتشريع ، والرسول مبلغ وتالي ومبين وليس مشرعاً، يكون مفهوم الطاعة الأول لله يتعلق بدائرة الدين الذي أنزله ، ويكون دائرة الطاعة الثانية التي تتعلق بالرسول هي ضرورة مجالها خارج الحكم والتشريع وليس هي إلا التحرك وفق حقل ومجال المباح أمراً وتنظيماً ومنعاً وتقنيناً لممارسته في الواقع، لأن المباح لا يطبق في المجتمع إلا منظماً ليحفظ مصالح الناس وينظم شؤونهم، ولذلك تم عطف أولي الأمر على الدائرة ذاتها ( أطيعوا الرسول) دون تكرار لفعل طاعة لهم خاص بهم (وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ منكم) ليأخذ أولي الأمر منا -وليس الدخلاء والمعتدين والطواغيت- حكم طاعة الرسول، وهذا يدل على أن طاعة الرسول في النص هي مثل طاعة أولي الأمر لأن المعطوف ( أولي الأمر) يأخذ حكم المعطوف عليه ( الرسول)، وفي حال حصل نزاع بين الناس وأولي الأمر وهذا يدل على أن أولي الأمر ليس معصومين وهم محل حساب ومراقبة  وجب رد ذلك النزاع لله والرسول (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ) ولم يتكرر فعل ( ردوه) للرسول خاصة ليدل على أن الرد هو لله كحكم وتشريع يتلوه أو يبينه ويبلغه الرسول وهو مقام مستمر لا يتعلق بحياة النبي محمد، وذلك كمثل وظيفة الأستاذ في المدرسة هو مقام اعتباري لا يبطل بوفاة الأستاذ، وإنما  يقوم به أي شخص عنده مؤهلات التدريس ويدرس الطلاب وفق المقرر المدرسي ولا يؤلف الأستاذ الكتاب من عنده أو يزيد أو ينقص.

{وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ }المائدة92

{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ }النور54

قل يا محمد خاصة ولمن يسمع الخطاب بعده : أطيعوا الله كمفهوم إيماني يتعلق بما أنزل للناس، وأطيعوا الرسول فيما تلى عليكم وبلغ وفيما حكم وقضى بينكم  وإن أطعتم الرسول فيما بلغ و تلى عليكم   وحكم وقضى تهتدوا، وإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين، وهذا مستمر لكل رسول يحمل الدعوة والتعليم إيماناً وطوعاً بعد وفاة النبي محمد .

أطيعوا الله ورسوله

{أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }المجادلة13

أتى في النص فعل طاعة واحد لله وعطف عليه رسوله،( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فالطاعة لله فقط ، ولا يوجد فعل طاعة للرسول في هذا النص وإنما هو مبلغ وتالي ومبين لطاعة الله فيما أنزل عليه من الرسالة

{قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ }آل عمران32

قل يا محمد خاصة ولمن يسمع الخطاب بعده : أطيعوا الله كمفهوم إيماني وذلك من خلال طاعة الرسول الذي هو الرسالة ذاتها ، وأنت يا محمد كنبي معني بهذا الخطاب أول المؤمنين يجب عليك أن تطيع الرسول، ومن يقول إن الرسول هو النبي محمد ذاته يضطر أثناء الشرح أن يقول المقصد ليس شخصه وإنما ما نزل عليه من الرسالة ، فالنتيجة أن كلمة الرسول التي تأت معطوفة على كلمة الله بفعل طاعة واحد يقصد بها الرسالة ، وهذا معروف في اللسان العربي يطلق على الرسالة اسم الرسول.

اتباع الرسول

{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }آل عمران31

الإتباع ليس لشخص النبي كبشر وهذا الأمر مستمر للمؤمنين بعد وفاة النبي فهو يتعلق بإتباع الرسالة التي نزلت عليه .

بيان الرسول

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }النحل43

{بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }النحل44

فهذان النصان مترابطان مع بعض وواضح أن الذكر بداية هو الكتب الإلهية ، والذكر الثاني هو القرءان الذي نزل على الرسول محمد، والمطلوب هو استخدام الذكر الحديث (القرءان) لتبيين الذكر القديم وفهمه على موجب الذكر الحديث، ولا علاقة لذلك بحديث النبي قط ، وكلمة التبيين تعني الإظهار والتلاوة و التبليغ وعدم الكتم لشيء مما أنزل الله {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ }آل عمران187

ما آتاكم الرسول فخذوه

هذه الجملة دائماً يخطئ بها معظم الباحثين عندما يقتطعونها من سياقها {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الحشر7، وينبغي قراءتها وفق سياقها وواضح أن المقصد  بالأمر بالإتيان و النهي يتعلق بأمور سياسية اجتماعية  دنيوية ضمن دائرة المباح وتنظيمه وليست دينية تشريعية ، وهي مستمرة لمن بعده في الدائرة ذاتها فهي مثل الطاعة للرسول المنفصلة عن طاعة الله ، ولاشك العبرة بعموم اللفظ  ومضمونه وليس بظاهر النص، وهذا يعني تفعيل مفهوم النص ليتناول أي أمر اجتماعي وسياسي يتعلق في تنظيم المجتمع وفق دائرة طاعة الله فيجب طاعة  أولي الأمر طالما هم راشدون ومنا.

شهادة النبي

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً }الأحزاب45، واضح أن الصفات الثلاثة هذه متعلقة بشخص النبي بحياته ومارسها على قومه، واستمر ذلك الفعل بعد وفاته  بالرسالة بدليل كلمة (أرسلناك) وهي كلمة متعلقة بالرسالة وليس بشخص النبي، فهي الشاهد والنذير والبشير

الدعوة إلى الله ورسوله لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ

{وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ }النور48

الدعوة إلى الله متمثلة في اتباع رسالته التي أنزلها ، ورسوله ليحكم بين الناس على موجبها، ولا تعني أن الرسول مشرع، فالرسول مبلغ وتالي لرسالة الله هذا مفهوم ثابت ما ينبغي أن ننقضه أو نغفله، ولا يصح تشكيل مفهوم وحده بمعزل عن منظومة الحكم لله والتبليغ للرسول فهذا المفهوم ثابت وهو يوجه معنى أي نص تعلق بذكر الرسول مع الله في أي أمر، وتم ذكر الرسول في النص دون كلمة النبي لأن المقام ليس متعلقاً بشخص النبي نفسه فقط وإنما هو متحرك إلى كل رسول بعده يحكم بين الناس بما أنزل الله في كتابه، وفعل الحكم بين الناس يتعلق بحياة الحاكم وحضوره .

قضاء الله ورسوله

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً }الأحزاب36

نلاحظ في النص أن فعل (قضى) تعلق بمن بعده وهو الله ، ولم يكرر فعل القضاء مرة ثانية منفرداً للرسول ليصير (قضى الله وقضى رسوله) ويصير في النص فعلي قضاء مستقلين عن بعض ويصير للرسول قضاء خاص به منفصل عن قضاء الله، وأتت كلمة (رسوله) لتحدد أن وظيفته التبليغ والتلاوة والتبيين لقضاء الله ولا يؤسس حكماً هو من عنده، ولذلك أتى آخر النص أيضا فعل المعصية واحد يتعلق بالله فقط وذلك يكون عن طريق رفض قضاء الله الذي بلغه الرسول، فالرسول هو الناطق بقضاء الله ومبلغ له وليس مشرعاً، وهذا يقتضي حياة الرسول وحضوره .

التحكيم للنبي كقاضي أو حاكم

{فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }النساء65

استخدم النص فعل (يحكموك) وهذا يدل على أن الأمر يتعلق بالتحكيم وليس بالتشريع ، و حرف (الكاف) للخطاب المباشر الذي يتعلق بالنبي كرئيس لمجتمعه وقاضي ولم يتعلق بمقام الرسول التبليغ والتلاوة و التبيين ، ولذلك انتهى النص بكلمة (قضيت) لتعني أن النبي قاضي وليس مشرعاً، والقاضي يحكم بين الناس وفق الشرع الذي عنده ولكن يتخير منه ما يناسب الحدث يتوخى الحق والعدل بين الناس، وهذا الأمر مستمر لأي قاضي يأتي بعد وفاة النبي لأن فعل التحكيم و القضاء أمر يتعلق بحياة وحضور القاضي.

مفهوم الأسوة و القدوة

مفهوم الأسوة والقدوة إنما هو مثل القدوة بالنبيين الذين مضوا يتعلق ذلك بالمنهج  والهدى والأخلاق عموماً وليس بالأحاديث فالنبي محمد نفسه مأمور بالاقتداء بالنبيين قبله ولا يعني ذلك أحاديثهم {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ }الأنعام90

مفهوم الأسوة عام  ومفهوم القدوة خاص بفعل معين ،فعندما نقول للطلاب أن فلان أسوة حسنة لكم نقصد من كلامنا نجاحه وتفوقه وطريقة عمله وليس عين عمله أو حديثه أو شكل ثيابه ….الخ، فكل طالب له عمله وهدفه الخاص به، بينما فعل الاقتداء يتعلق بفعل معين انظروا اقتداء المصلين بإمامهم في الصلاة، فالقدوة متعلقة بالطريقة العامة للفعل  وليس بالتفاصيل والأقوال عينها !

نطق الرسول وحي

{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى }ا {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }النجم4

سياق النصوص تتعلق بما نزل على الرسول محمد، والنص هذا ينفي أن يكون نطق الرسول بالرسالة هو من الهوى أو الشيطان ويثبت أنه وحي يوحى، ولا علاقة لذلك بكلام النبي الشخصي فهو ليس محل النقاش أو الخلاف مع قومه.

{هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }الجاثية29