القول بالمجاز هو هروب من التجسيم

من قال بالمجاز وبالتنزيه والتفويض بالمعنى للنصوص المتعلقة بالله انطلق بداية من التجسيم في ذهنه وهروباً من ذلك قال بما قال به.

مثلاً: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }الفتح10

– المعتزلة : قالوا : إن المعنى ليس هو المراد لسانياً من كلمة اليد العضو الجارح وإنما المقصد هو المعنى المجازي وتعني القدرة .

– مفهوم السلف وعلى رأسهم ابن تيمية : قال: إن كلمة اليد تعني اليد ونثبت مااثبت الله لنفسه، ولكن ننفي عن دلالة اليد التشبيه و التجسيم ولهم في ذلك مقولة وهي ( إثبات دون تشبيه ولاتجسيم ، وتنزيه دون تعطيل أو تأويل) بمعنى أن الله له يد وليس كسائر أيدي الخلق، وذلك كما ورد في حق الله وأسمائه ، ولامانع من توسيع المعنى دون نفي اليد بالقول إن المقصد بها القدرة والمنعة، ويعدون القرءان والحديث نص مرجعي.

– المفوضة: قالوا: نؤمن بماورد حسب ماورد ولانزيد ولاننقص ونوكل المعنى لله فهو ادرى بما وصف أويصف به نفسه ، ويتركون هذه النصوص كما هي ولهم قول مشهور: أمروها كما هي دون كيف ولاتمثيل ولاسؤال عن ماهيتها.

لو انطلقنا من البداية أنه لايوجد تجسيم لله ولاتمثيل وهذا أمر مفروغ منه ليس محل نقاش ولادراسة، وأن الخطاب القرءاني حق وصدق، وان الكلمة في اللسان العربي المبين لها مفهوم لساني واحد ويظهر معانيها المختلفة والمتعددة من خلال استخدامها وفق السياق ومحل تعلقها بالخطاب من الواقع ، وينبغي العلم ان المفهوم موجود قبل المعنى وليس العكس، بمعنى ان كلمة اليد سميت يداً لتحقق بها المفهوم وليس العكس بمعنى لم ناخذ كلمة اليد من العضو الجارح.

لنجرب ذلك ، كلمة اليد في اللسان العربي تدل على القوة الطايلة مادياً أو معنوياً، ويظهر معناها المختلف والمتعدد حسب السياق وتعلقها بالواقع.

فنقول: فلان له يد بيضاء عند فلان ، بمعنى عمل معروف

ونقول: يد زيد طويلة في الخير أو الشر بمعنى أنه لايقف عن ممارسة الخير أو الشر بقوة وله أدواته .

ونقول: زيد يده طايلة ، بمعنى انه واصل للسلطة ويستطيع ان يساعد الناس او يضرهم.

ونقول: دعم زيد عمراً بيده، بمعنى أيده ونصره بقوته ومنه التأييد والنصرة

ونقول: مسك الأب يد ابنته الصغيرة في الطريق، بمعنى مسك اليد العضوية لحمايتها من الوقوع أو الأذى .

ونقول : كونوا يداً واحدة، بمعنى قوة مجتمعة .

فكلمة اليد مجردة تعني القوة الطايلة ولايمكن معرفة معناها إلا إن وضعناها بسياق وعرفنا تعلقها بالواقع.

فعندما نقول يد زيد، نفهم فوراً أن قوته الطايلة المتمثلة بيده العضوية .

وعندما نقول : يد الباب، نفهم انها العضو الذي يفتح الباب ونمسكه منها حين الفتح أو الإغلاق

عندما نقول يد الاسد أو النمر ، نفهم انها اليد العضوية .

وعندما نقول : يد الله ، لايوجد عندنا تصور ولاتجسيم ولاتشبيه ولايمكن إسقاط المعنى على الواقع المجسم فيبقى ضرورة المفهوم اللساني دون المعنى وتفهم الكلمة على موجبه وتكون تعني قوة الله الطايلة وهو مفهوم لساني حقيقي وليس تشبيه ولامجاز وهو الأصل، ويكون النص قوة الله الطايلة فوق كل القوى والقدرات .

لذلك؛ لاحاجة للقول بالمجاز أو بالتنزيه والتشبيه والتاويل هروباً من التجسيم فهو غير واقع أصلاً بداية إلا في ذهن من يفترضه ومن ثم يذهب لنفيه .