إعراب ورد { قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }البقرة124

وُضِعَت القواعد النحوية ليست اعتباطاً أو عبثاً أو اصطلاحاً وإنما هي استقراء ودراسة منطقية ومتابعة لتحرك الكلمة حسب أوجهها بالكلام وتموضعها في الجملة وتعلقها بمحل الخطاب، والذي يحكم تغيرات حركة الكلمة أوبنائها هو تغير تموضعها أووظيفتها في الواقع، فحركة صيغة الفاعل غير صيغة المفعول به، ولم نقصد بكلامنا المصطلحات النحوية فهذا لامشاحة فيه وليست هي محل اختلاف ولامانع من اصطلاح غيرها أو تعديل المصطلح للأحسن، وقصدت مضمون التقسيمات والتوصيفات مثل فعل و فاعل ونائب فاعل ومفعول به ومضاف وصفة ومبتدأ وحال وبدل …الخ ، ويهمنا مضمون القواعد والضوابط للسان العربي ، ولاشك أن الخطاب القرءاني هو أول مصدر نحوي ولساني وهو برهان بحد ذاته في استخدام المفردات وتَغَيُّر بنائها من حال إلى آخر حسب تغير المعنى والوظيفة ، فمحل الخطاب هو الذي يحكم التغير الذي يصيب الكلمة.
وعند استقراء كيف أتت صيغة جمع المذكر السالم في اللسان العربي نجد أن له ثلاثة حالات ( رفع ونصب وجر)، ولنأخذ صيغة (فلاح) كمثل للنماذج:
– حالة الرفع يأت بالواو والنون وذلك يكون في مثل:
موضع المبتدأ: ( الفلاحون مجدون ونشيطون)، أو في حالة الفاعل: (جاء الفلاحون من الحصاد)،أو يأت بصيغة اسم كان وأخواتها ( كان الفلاحون نشيطين)
-حالة النصب بالياء والنون ويكون حسب تموضعه في الجملة ومحل الخطاب
حالة المفعول به : (رأيت الفلاحين يحصدون القمح).
حالة التأكيد اسم إنَّ: ( إن الفلاحين نشيطون)
حالة الجر بالياء والنون ( مررت بالفلاحين)
وبناء على هذا الاستقراء والمتابعة لحركة الفاعل وضع علماء النحو قاعدة تعبر عن هذا ، وهي: الفاعل دائماً مرفوع سواء بالضمة الظاهرة على آخره مثل( جاء الفلاحُ)، أو المقدرة على آخره، أو بالواو والنون إن كان جمع مذكر سالم مثل( جاء الفلاحون)، ويعرف الفاعل من سياق الكلام ومحل تعلق الخطاب بالواقع من حيث يكون هو الذي قام بالفعل وأسند إليه ذلك، ولابد لكل فعل من فاعل ، ولذلك قالوا نصيحة للطلاب: افهم ثم اعرب، وعندما تجد فعلاً في الجملة ابحث عن الفاعل له وحدده إما ظاهراً في الكلام بصيغة اسم أو ضمير أو مقدراً بضمير، ولايكون الفاعل إلا صيغة اسم ، ولايشترط للفاعل أن يأتي بعد الفعل مباشرة فيمكن أن يتأخر لقصد أراده المتكلم .
وبناء على هذه المفاهيم نحاول أن نتدبر كلمة ( الظالمين ) في النص التالي هل هي فاعل؟
وماهو إعراب كلمة ( عهدي) وهل هي فاعل كما قال أهل التراث؟
{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }البقرة124
كلمة ( الظالمين) في النص أتت منصوبة بالياء والنون، وهذه الصيغة ابتداء يُخْرِجُها من دائرة المسميات التي تناولت حالة الرفع لصيغة جمع المذكر السالم، بمعنى قطعاً ليست هي مبتدأ ولافاعل ولا اسم كان…، وبما أنها منصوبة فهي من قسم المنصوبات قطعاً وبالتالي نبحث عن المسمى الذي تنزل تحته ويكون ذلك من خلال فهم المعنى ومحل تعلقها في الواقع .
صيغة فعل (نال) لاتعني أخذ حصراً فالكلمة لايدل عليها إلا ذاتها كونها بناء قائم مستقل بذاتها بترتيب أصواتها وإذا اختلف المبنى اختلف المعنى، ونأت بالمفردات الأخرى لشرحها وتقريب المعنى للمتلقي من خلال استخدام جملة أو عدة جمل وليس كلمة بكلمة، وعندما يحصل المعنى في ذهن المتلقي نطلب منه أن ينس كل ماسمع من مفردات ويحفظ ويفهم مفهوم الكلمة ذاته الذي حصل في ذهنه والذي يعبر عنه بكلمة (نال) فهي تدل على ذاتها بذاتها.
فعلى ماذا تدل كلمة (نال) خلال السياقات التي تأت بها؟
لنقرأ:
-{أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ }الأعراف49
لاحظوا أن فاعل كلمة ( ينالهم) هو الله ، والضمير المتصل بكلمة (ينالهم) هو في محل نصب مفعول به ، ومعنى الكلمة في هذا السياق هو: لا يصيبهم أولا يشملهم …الخ ولايعني أن كلمة (نال) لساناً هي متطابقة في المفهوم مع هذه الكلمات أو يمكن أن يحلو محلها في الجملة ، فكما ذكرت -آنفاً- نأت بالمترادفات لتقريب المعنى للمتلقي وليس ليحل محل الكلمة كلمة أخرى، فقطعاً لايدل على كلمة (نال) إلا نال ذاتها، هل لاحظتم أن دلالة كلمة (نال) لم تأت بمعنى أخذ أو حصل؟
-{إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ }الأعراف152
أتت دلالة كلمة (سينالهم) في النص بمعنى سيصيبهم أو يشملهم أو يستحقون أو سيصلهم…
-{لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ }الحج37
أتت دلالة كلمة ( لن ينال) بمعنى لن يصل اللحوم أو لن ترفع اللحوم بذاتها لله وإنما يُرفع أو يصل حكم حسن العمل أو قبحه وفحشه ومدى صلاح أنفسكم وفائدتكم للناس وطاعتكم لله بهذه الأوامر، وهذا الذي يترتب عليه الثواب والعقاب.
-{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }التوبة120
أتت دلالة كلمة ( ينالون) في سياق النص هذا بمعنى ما أصاب الأعداء الكفارالمؤمنين من أذى أو ضرر إلا وسوف يعوضهم الله عنه خيراً ويكتبه لهم من الأعمال الصالحة لهم ويثيبهم عليها، ,وتحتمل أيضاً أن ما تناوله المؤمنون من العدو من خلال ردهم وصدهم فكرياً وعلمياً ونقاشا وجداًلاً أو إذا كانت الحرب قائمة فالأسر لهم أو القتل أو ماشابه ذلك فأيضا سوف يكون لهم بمثابة الأعمال الصالحة التي تكتب لهم .
إذاً؛ تأت دلالة كلمة (نال) بمعنى أخذ أو أعطى أو أوتي أو حصل أو أصاب أو شمل وما دل على ذلك من معاني، ويفهم ذلك حسب السياق ومحل تعلق الخطاب بالواقع، وفي النص المعني {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } أتت دلالة كلمة (لاينال) بمعنى لايحصلون عليه أو لا يصلون أو لايشملهم أولايُؤتون أولايُعطون….الخ، ويكون إعراب كلمة ( الظالمين) مثل إعراب كلمة ( الله) في النص التالي
-{لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ ..}الحج37
كلمة (اللهَ) في النص أتت بسياق مفعول به منصوب ، بمعنى أن الله محل نفي حصول أو وصول اللحوم والدماء له وإنما هو محل حصول ووصول التقوى فقط، وقُدِّم ذكر المفعول به لأهميته في الكلام وعظمته.
{لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } البقرة124
كلمة( الظالمينَ) أتت بسياق مفعول به منصوب بالياء والنون لأنها من صيغ الجمع الذكر السالم، ويكون المعنى لن يُؤتى أو يُعطى أو يشمل الظالمين عهد الله.
أما كلمة( عهدي) في النص فقد قال أهل النحو: إنها فاعل مرفوع بالضمة المقدرة والياء ضمير في محل جر بالإضافة، وأنا أخالفهم بذلك .
لنقرأ أمثلة لتقريب الفكرة :
– نال الطالب الجائزة.
كلمة ( الطالب) فاعل مرفوع وذلك واضح من المعنى لاخلاف عليه، والذي ينبغي أن نعرفه أيضأ أن الطالب قام بأفعال معينة استحق على موجبها نيل الجائزة فصار بذلك فاعلاً، وهذا لاينفي في الحقيقة أنه يوجد فاعل لفعل(نال) غير مذكور في الكلام وهو من قام بوضع الجائزة ومنحها للطالب، ولم يذكر لأن المهم في الحدث هو فاعلية الطالب.
– لاينال جائزتي الفاشلين.
كلمة(لاينال) فعل منفي حصوله ، وطالما هو منفي فمن الطبيعي أن لايكون له فاعل في الواقع بعد ولايظهر بالجملة
كلمة(جائزتي) مفعول به منصوب والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة، والمعنى للجملة كاملاً هو : لايُمَكَّن أولايُعطى أحد عهد الرب من الظالمين طالما لم يبادروا أويتصفوا بصفات مجيدة وحميدة ويعملون صالحاً ليكونوا مؤهلين لأخذ عهد الرب  والحصول عليه .
كلمة (الفاشلين) مفعول ثاني به منصوب بالياء والنون لأنه جمع مذكر سالم، وأُخِّر في الكلام لعدم أهميتهم أو تقديمهم لأي عمل للحصول على الجائزة، وعندما انتفى عنهم الفعل والمبادرة لذلك صاورا مفعول به .
لا: حرف نفي
ينال فعل مضارع مرفوعن والفاعل مستتر وهو الرب الذي سوف يعطي ويوصل عهده إلى المؤمنين والصالحين
عهدي: مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة ، الياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة
الظالمين: مفعول به  ثاني منصوب بالياء والنون لأنه جمع مذكر سالم
وهكذا يكون إعراب كلمة جملة {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } البقرة124
وكم من عائب قولاً صحيحاً…… وآفته من الفهم السقيم
افهم ثم اعرب.