الفرق بين دلالة أراد ودلالة شاء

إنَّ كَلمة (أراد) تدلُّ على القَصْد والعَزْم والتّحديد، والرّغبة بشيء مُعيَّن دُون غيره؛ بخلاف كَلمة (شاء)، فهي تدلُّ على الاختيار الاحتمالي، دُون تحديد لشيء بعينه.

لنرَ ذلك من خلال الآيات القُرآنيَّة:

قال تعالى: {إِنّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (يس 82)

{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلاّ مَا شَآءَ رَبّكَ إِنّ رَبّكَ فَعّالٌ لّمَا يُرِيدُ} (هود 107)

{قُلْ مَن ذَا الّذِي يَعْصِمُكُمْ مّنَ اللّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوَءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً } (الأحزاب 17)

فالمُلاحظ من النُّصُوص السّابقة أنَّ (الإرادة) مُتعلِّقة بالفعل -دائماً -، ولا تأتي مُجرَّدة دُون فعل، ممَّا يُؤكِّد على دلالة (أراد) للقَصْد والعَزْم على الشّيء، كَذلك نُلاحظ أنَّ كَلمة (أراد)  تدلُّ على تحديدها وتعلُّقها بشيء مُعيَّن؛  أيْ لكُلِّ فعل (إرادة) مُتعلِّقة به، انظر إلى قوله تعالى: { إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوَءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً }ففعل السُّوء، له إرادة مُتعلِّقة به، وفعل الرّحمة له إرادة مُتعلِّقة به.

أمَّا كَلمة (شاء)؛ فقد وَرَدَتْ لتدلَّ على الاختيار الاحتمالي المُتساوي بين طرفَيْن، بين الفعل والتَّرْك على حَدٍّ سواء.

قال تعالى: {لّوْ أَرَادَ اللّهُ أَن يَتّخِذَ وَلَداً لاّصْطَفَىَ مِمّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهّارُ} (الزمر 4)

فلو قَصَدَ وعَزَمَ اللّه -سبحانه – على أنْ يتَّخذ ولداً؛ لقام بعمليَّة الاصطفاء، ممَّا يخلق دُون تحديد لمخلوق بعينه سابقاً، وإنَّما الأمر مُرتهن بعمليَّة الاختيار الاحتمالي.

وقال: {وَمَا تَشَآءُونَ إِلاّ أَن يَشَآءَ اللّهُ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} ( الإنسان 30)، فمشيئة الإنسان في الواقع، لها احتمالات، فإذا اختير أمرٌ، وحُدد بعينه؛ تحوَّلت المشيئة إلى إرادة.

ولو فهمنا أنَّ المشيئة تعني الإرادة في النَّصِّ؛ لصار الإنسانُ مُجبراً مُسيَّراً بإرادة اللّه، إذ أن إرادة اللّه حتميَّة في التّنفيذ، ومُحدَّدة في الواقع، ومُرتبطة بفعله، â فَعّال لما يُريد á ومن ثم؛ يصير الإنسان مُنفِّذاً لإرادة اللّه، وهذا يقتضي ـ في واقع الحال ـ نفي الحُرِّيَّة، وإبطال المسؤوليَّة، والثّواب، والعقاب.

لذلك استخدمت كَلمة (شاء)؛ لتدلَّ على أنَّ الإنسان يقوم بمشيئته، في عمليَّة الاختيار الاحتمالي، فإذا قَصَدَ وعَزَمَ على أمر مُعيَّن؛ تحوَّلت مشيئته إلى إرادة، وكُلُّ ذلك يجري ضمن مشيئة اللّه، فالإنسان يُؤمن أو يكفر ضمن مشيئة اللّه، وليس بإرادة اللّه، فلا يصحُّ أنْ يقول الإنسان عن أيِّ عمل يُريد أنْ يعمله : إذا أراد اللّه؛ لأنَّ هذا يعني نَفْي المسؤوليَّة عن الإنسان، ويصير المسؤول الحقيقي هُو اللّه U، كون الأمر قد فُعل بإرادته،  والصّواب أنْ يقال: إنْ شاء اللّه؛كما علَّمنا ربُّنا بقوله: {وَلاَ تَقْولَنّ لِشَيْءٍ إِنّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً}{إِلاّ أَن يَشَآءَ اللّهُ } (الكهف23-24)؛ لأنَّ حُصُول الشّيء في الغد؛ أمر احتمالي مُرتبط بالظُّرُوف، والإمكانيَّات، وقد يحول بين الإنسان، وفعله ظُرُوف مُعيَّنة، وعلى كلا الحاليْن (الفعل أو التَّرْك)، فالأمر بمشيئة اللّه، وليس بإرادته؛ لأنَّ الفعل، أو التَّرْك إنَّما هُو من الإنسان، وليس من فعل اللّه، ومن ثم؛ فالإنسان مسؤول عن أعماله.(1)

فالمشيئة أعمُّ من الإرادة، وسابقة عنها من هذا الوجه.