مفهوم الإكمال، والإتمام، والختم

الخلط بين  دلالات الكلمات ، وجعل أحدها يحل محل الأخرى أوصل معظم المسلمين إلى فقه هزلي وسطحي ومخالف لما عليه الحقيقة ، ونتج عن ذلك سوء فهم للإسلام من قبل الآخرين ، لذا؛ لابد من ضبط مفاهيم الإسلام وإرجاع الدلالات الحقيقية إلى الكلمات لتستخدم في مكانها الصواب.

كمل: كلمة تدل على ضغط خفيف مجتمع باتصال منته بحركة لازمة متثاقلة متعلقة بالشيء ذاته.

وظهر ذلك ثقافة من خلال تحديد عمل معين والبدء به على مراحل متعلقة ببعضها منفصلة زمنياً إلى أن ينتهي  العمل .

لنرى ذلك من خلال استخدام القرءان لها:

-{ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }البقرة196

من خلال النص نفهم أن الأمر منذ البداية كان محدد بصيام عشرة أيام تم تقسمتها إلى جزأين عملياً وعندما حصل الجزء الثاني للعمل وانتهى يكون بذلك قد كمل العمل المقصود مسبقاً، لذلك أتت كلمة( تلك عشرة كاملة) متعلقة بالصيام وليس بظرف الصيام.

تم:  تدل على دفع خفيف منته بجمع متصل متعلق بظرف حصول الشيء . وظهر ثقافياً بالقيام بعمل بشكل متصل دون فاصل زمني.

{قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ }القصص27

إن العمل المتفق عليه هو ثمانية حجج فقط، فأتت كلمة (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ) لتدل على أن السنتين هما طوعاً ولاعلاقة لهما بالاتفاق ولو كان لهما علاقة بالاتفاق ووصل النبي إلى السنة الثامنة وتوقف لأتت كلمة (أكمل إلى العشرة حسب الاتفاق) ولم تأت كلمة (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ) والإتمام متعلق بالظرف الزماني.

وواضح ذلك أيضا بقوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً }الأعراف142

فالوعد كان ثلاثين ليلة فقط، وحصل شيء فأضيف للثلاثين عشرة ليال أخر متصلة بها لم تكن مسبقاً موجودة فتمت أربعين ليلة.

{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }البقرة185

مطلوب صيام شهر رمضان كله ، فمن كان مريضاً أو على سفر فلا حرج من الإفطار حينئذ لتيسير أموره على أن يكمل عدة الشهر فيما بعد  ، والملاحظ أن الصيام الإكمالي له علاقة بما سبق وليس إتمام له.

{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }البقرة187

وكلمة (أتموا الصيام إلى الليل) بمعنى القيام بالعمل وفق وحدة زمنية متصلة دون انقطاع.

ومن خلال تدبر استخدام كلمة (كمل) ،  وكلمة ( تم) في القرءان وصلنا إلى أن:

الإكمال:  متعلق بإنهاء العمل السابق بعد توقف وانقطاع عنه.

الإتمام:  متعلق بظرف حصول الفعل وإنهائه موصولاً زمنياً.

{… الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المائدة3

بدأ نزول دين الإسلام  وفق علم الله وإرادته على مراحل زمنية متراكمة إلى أن بعث النبي محمد فحصل إكمال الدين بنزول القرءان فجمع فيه كل ما سبق من الدين الإسلامي مع الإكمال له ، وصار الكتاب( القرءان) الجامع للدين الإسلامي كله، وأتم الله نعمته على الناس بمعنى أضاف لهم من النعمة ووصلهم بها وذلك عطاء وكرم منه ، وتحقق ذلك الإتمام لنعمة الله في إكمال دينه للناس لما يترتب عليه من رفع الوصاية الإلهية المباشرة عن الناس وتسليمهم زمام الأمور ومفاتيح الخلافة في الأرض ليتحملوا مسؤولية أنفسهم واختيارهم في عمارة الأرض  وفق دين الله الذي ارتضاه للناس كونياً واجتماعياً، وهذه نعمة كبيرة من الله وإكرام وتشريف للإنسان.

والكمال لا يعني الاستيعاب لكل شيء ، وإنما يعني إنهاء العمل المحدد سابقاً بما يتطلب، وممكن يكون جزء من العمل مكلف به واحد فيجب عليه أن يكمل ما هو  مطلوب منه، ويأت آخر ويتابع العمل من حيث وصل الأول،  وقد حدد الله الإطار العام والمفاهيم للدين الإسلامي وأحكامه  بما يصلح وينفع الناس خلال امتداد الزمن  وفق محور الثابت والمتغير ،  وأكمل ما بدأ به وأنهاه، فالكمال يقتضي إنهاء ما بدأت به ، ومن الطبيعي أن يكون العمل متصلاً بما سبق ومن جنسه  بصرف النظر عن انقطاع زمن الفعل أو توقفه .

والإتمام يعني أن  تقوم بعملك بشكل كامل أو تضيف لعملك  شيء من جنسه متصلاً به دون فاصل زمني و لا يشترط له الاتفاق عليه سابقاً أو  دخوله في الإرادة بداية.

نحو: أكمل زيد عمله وأتمه في يومين.

ختم: كلمة تدل على ارتخاء ودفع خفيف منته بجمع متصل.

وظهر ثقافياً بمعنى إضعاف أو  تقليص  حركة الشيء مع دفع خفيف له مجتمع على هذا الإضعاف بشكل متصل لا ينقطع أو يتوقف.

لنرى ذلك من خلال استخدام القرءان لكلمة ( ختم).

(خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (البقرة:7)

نلاحظ في النص عملية الإضعاف والتقليص لفعل القلب والسمع والأبصار بواسطة  الغشاوة التي صارت عليهم، وظهر من استخدام كلمة (ختم) في محل الخطاب معنى  المنع والتغطية للشيء.

(الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (يّـس:65)

ظهر من استخدام كلمة ( نختم) في محل الخطاب معنى الإغلاق والمنع المتصل لفعل الكلام من الأفواه.

{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }الأحزاب40

ظهر معنى عملية التوقف و المنع والاتصال بما سبق  والإنهاء المتصل زمنياً لفعل بعث النبيين من الله بعد النبي محمد، وظهر أيضاً لفعل الختم  من محل الخطاب لزوماً التصديق لمن أتى قبل النبي ،  والختم لشيء إنما هو لإنهاء حركة هذا الشيء وإبقائه على ما هو عليه .

وسمي الخاتم الذي يوضع بالأصبع زينة خاتماً لأنه أغلق الطرفين بشكل متصل، ومنع حركة الشيء في داخله من تجاوزه وانتهى على ما هو عليه، وشاع بين الناس أن كلمة خاتم تعني زينة من باب تفسير الشيء بمآله المستخدم له، وهذا ليس معنى لسانيا ً وإنما معنى أتى من الاستخدام الشائع له وهو تساهل الناس في استخدام الكلمات في غير معناها اللساني ، ومن الخطأ  الفاحش الاعتماد على ما شاع بين الناس استخداماً في دراسة الخطاب القرءاني وتدبره.

ومن خلال ضبط مفهوم كلمة ( الإكمال ) وكلمة (الخاتم) نصل إلى أن العمل الكامل فيه إمكانية وخاصية التعامل معه ، مثل كمال الدين الإسلامي فهو يتصف بإمكانية التعامل معه وفق الثابت والمتغير، بينما  الأمر المختوم لا يمكن التعامل معه لفقدانه خاصية التحرك والفتح له، لذا؛ كان مقام النبوة الإلهية مغلق على ما سبق من النبيين بشكل متصل معهم مثل الحلقة التي اتصل طرفاها ببعضهما فمنعت الحركة والتجاوز  وصار النبييون حلقة واحدة  متصلة مغلقة غير قابلة للفتح أو التعامل معها.