مفهوم أهل البيت في القرءان لا علاقة له بأقرباء النبي
استُغِل مفهوم أهل بيت النبوة كثيراً في التاريخ، وأُعطي مضموناً إلهياً، وقامت الحروب على هذا المفهوم، وما زال إلى الآن يُعبأ إيديولوجياً ويُسيَّس ،وتُحشد الجماهير على موجبه، وتُجمع الأموال باسمهم وتراق الدماء.
لننظر؛ هل أعطى القرءان لقرابة النبي محمد أو غيره من النبيين أي امتيازات عن الناس المؤمنين؟
قال تعالى :
1-{وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ } {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ } هود45-46
2- {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }الأنعام74
3- {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ }التوبة114
4- {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ }الزخرف26
5- {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }البقرة124
6-{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ }التحريم10
7- {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً }الجن21
8- {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }الزمر13
9- {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً }الكهف110
10- {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ }يوسف67
11- {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }التحريم11
12- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ }لقمان33
واضح في النصوص المذكورة أن النبي الوالد لا يُجزي عن ولده شيئاً ، والنبي الولد لا يُجزي عن أبيه شيئاً، وكذلك النبي لا يُجزي عن زوجته شيئاً، والزوجة الصالحة لا تُجزي عن زوجها شيئاً، ومن باب أولى القرابة الأبعد كالعم وابن العم والأحفاد من الجهتين، {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ} المؤمنون101، {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ_ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ _ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ _ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } عبس34-37.
أقرباء النبيين أو العظماء أو الصالحين ليس ذلك معياراً للصلاح ، وليس ميزة لأي إنسان، فالجميع أمام القانون الإلهي سواء كلهم لآدم؛ وآدم من تراب.
وهذا يوصلنا إلى دراسة نص : {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ }الشورى23
ينبغي أن نعلم أن دلالة كلمة (قل) في النص القرءاني مجردة عن قرينة تقيدها للنبي تكون عامة لكل من يصل إليه الرسالة مؤمنا بها.نحو {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }الإخلاص1، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ }الفلق1، والنص المعني بالدراسة هو من هذا القبيل {…قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى…}، وكلمة (قربى) ليست جمعاً لكلمة (قريب) وإنما هي مصدراً، لأن كلمة (قريب) تجمع على (أقرباء) أو(قريبين) ومصدرها قرابة، بينما كلمة (قربى) تدل على الطاعات والأعمال التي يبذلها الإنسان في سبيل الله ولوجه لله {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }التوبة99، ولو كان المقصد بكلمة (القربى) قرابة النبي لقريش ويطلب منهم مودته لكان ينبغي أن تأتي بصيغة تدل على تعلقها بالنبي مثل:(إلا مودتي في القرابة)، ولو كان المقصد طلب المودة لأقرباء النبي لأتت الجملة بصيغة ( إلا أن تودُّوا أقربائي)، ولو حصل ذلك لصار النص كذباً وينقض نفي عدم طلب الأجر، لأن ذلك الاستثناء هو أجر في واقع الحال، ولكن الجملة أتت{…قل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقرْبَى…} غير متعلقة بالنبي ولا بقرابته قط، وهذا يدل على أن دلالة كلمة ( قربى) غير دلالة كلمة (قرابة أو أقرباء).
{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }النساء8
وكلمة( قربى) في النص هذا لايقصد بها القرابة، لأنه لايعقل أن مجرد حضور أحد من الأقرباء وكان غنياً ينبغي أن نرزقه! ولو كان المقصد بها القرابة لأتت كلمة (الأقربون) كما في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ }البقرة180.
وهذا يدل على أن كلمة القربى حين إسقاطها على الواقع تدل على أصحاب القربات بمعنى أصحاب الحاجات سواء الخاصة أم العامة ، فهؤلاء هم محل القربى.
فنص {…قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى…} لا علاقة له بالأقربين قط ، وهو من الاستثناء المنقطع بمعنى الاستثناء من نفي السؤال وليس الاستثناء من الأجر لأن الأجر أي كان نوعه مادياً أم معنوياً انتفى كلياً، ويصير النص : لَّا أَسْأَلُكُمْ…إلا المودة في القربى) الذي يدل على طلب الصلة والدعم النفسي والمادي لأصحاب الحاجات في المجتمع، وهذا يعني أن الفائدة راجعة لهم وليس للنبي أو للداعية أو المعلم، ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى: { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ }الأنعام90، {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }سبأ47 .
وبناء على ذلك تكون دلالة كلمة (لذي القربى) في النص التالي {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }الأنفال41، هم محل القربى إلى الله، وهم ذو أصحاب الحاجات
الخاصة نحو أصحاب العاهات والأمراض المزمنة النفسية أو الجسمية، والعامة نحو أصحاب المشاريع العلمية والبحثية أو الإنسانية التي ترجع فائدتها إلى المجتمع، ولا علاقة لذلك بما يسمى الخُمس الذي يسلبه الكهنوت والهامانات من الناس من غير وجه حق باسم قرابة النبي وبتحريف مفهوم النص لشرعنة الاحتيال والنهب والسلب، و أكل أموال الناس بالباطل.
1- ورد في تفسير القرطبي: روى منصور وعوف عن الحسن البصري ” قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ” قال: يتوددون إلى الله عز وجل ويتقربون منه بطاعته.
2-تفسير البغوي: روى ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في معنى الآية: إلا أن تودوا الله وتتقربوا إليه بطاعته، وهذا قول الحسن، قال: هو القربى إلى الله، يقول: إلا التقرب إلى الله والتودد إليه بالطاعة والعمل الصالح.
3- تفسير البحر المحيط: وقال الحسن : المعنى إلا أن تتودّدوا إلى الله بالتقرّب إليه . وقال عبد الله بن القاسم : إلا أن يتودّد بعضكم إلى بعض وتصلوا قراباتكم .
4- تفسير فتح القدير: قال الزجاج : { إلاّ المودّة } استثناء ليس من الأوّل ، أي : إلاّ أن تودّوني لقرابتي ، فتحفظوني ، والخطاب لقريش . وهذا قول عكرمة ، ومجاهد ، وأبي مالك ، والشعبي ، فيكون المعنى على الانقطاع : لا أسألكم أجراً قط ، ولكن أسألكم المودّة في القربى التي بيني وبينكم ، ارقبوني فيها ، ولا تعجلوا إليّ ، ودعوني والناس ، وبه قال قتادة ، ومقاتل ، والسدّي ، والضحاك ، وابن زيد ، وغيرهم ، وهو الثابت عن ابن عباس .
5- تفسير لسيد طنطاوي :ولو كان معنى ذلك على ما قاله من قال إلا أن تودوا قرابتي ، أو تتقربوا إلى الله ، لم يكن لدخول { فِي } في الكلام في هذا الموضع وجه معروف ولكان التنزيل إلا مودة القربى ، إن عنى به الأمر بمودة قرابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أو إلا المودة بالقربى إن عنى به الأمر بالتودد والتقرب إلى الله – تعالى – .
وفى دخول { فِي } في الكلام أوضح الدليل على أن معناه إلا مودتي فى قرابتي منكم .
6- تفسير السعدي:
…ويحتمل أن المراد إلا مودة الله تعالى الصادقة، وهي التي يصحبها التقرب إلى الله، والتوسل بطاعته الدالة على صحتها وصدقها، ولهذا قال: { إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } أي: في التقرب إلى الله، وعلى كلا القولين، فهذا الاستثناء دليل على أنه لا يسألهم عليه أجراً بالكلية، إلا أن يكون شيئاً يعود نفعه إليهم، فهذا ليس من الأجر في شيء، بل هو من الأجر منه لهم.
ونصل الآن لتعريف كلمة (آل) والفرق بينها ودلالة كلمة (أهل).
آل: تدل على القوة المثارة الممتدة زمانياً ومكانياً بثقل أو تكتل لازم.
وظهر ذلك المفهوم بالأتباع المتكتلين على نهج معين.لنقرأ قوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ }غافر46، وآل فرعون ليس هم حصراً المعاصرين له، وإنما هم كل من نهج نهجه في التفكير والإجرام.
{إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ }آل عمران33، آل إبراهيم هم أتباعه إلى يوم الدين، وآل عمران كذلك هم أتباعه. {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }يوسف6
{إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ }الحجر59، وبورود كلمة (أجمعين) دليل على عدم استثناء أحد قط من آله، وأن النجاة تشمل جميع أتباعه، ولو كانت امرأة لوط من آله وقد ذكر النص الآخر أنها هالكة{إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ }الحجر60، لكان ينبغي حذف كلمة ( أجمعين) والاكتفاء بكلمة ( إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ) ويأتي الاستثناء {إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ } فتكون امرأته من آله، ولكن بمجيء كلمة (أجمعين) دل على أن الاستثناء من نوع المنقطع الذي لا علاقة له بالمستثنى منه، وفي موضوعنا هو الآل، وإنما يشترك في الحكم فقط وهو نفي النجاة عنه، وهذا أسلوب يستخدمه القرءان مثل قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ }الكهف50، فإبليس مستثنى من فعل السجود ولا علاقة له بالملائكة، وإنما اشترك معهم بأمر السجود فقط، لذا؛ أتى النص الآخر وذكر سجود الملائكة أجمعون {فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ }الحجر30، وامرأة لوط هي من أهله بدليل {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ }الأعراف83، لاحظوا عدم مجيء كلمة (أجمعين) بعد كلمة (أهله) لأن امرأة الرجل من أهله، وامرأة لوط لم ينجها الله ، فأتى الاستثناء المتصل، وهذا دليل على أن كلمة آل غير كلمة أهل.
والصلاة الإبراهيمية التي يقولها المصلون في صلاتهم: اللهم صلي على محمد و على آل محمد…)؛ تدل على طلب الصلاة على محمد وأتباعه إلى يوم الدين، ولاعلاقة لذلك بأقرباء النبي قط إلا من كان منهم من أتباعه.
أهل: تدل على ظهور قوة خفيفة متحركة منضبطة بعلاقة متثاقلة لازمة. وظهر هذا المفهوم بعلاقة جماعة بشيء وارتباطهم به ، ولا يشترط الاتباع، ومن هذا الوجه ظهر التداخل بين مفهوم كلمة (آل) وكلمة (أهل) انظر قوله تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ }
{قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ }هود 45-46، فالنبي نوح ظن أن الله سوف ينقذ أهله بالمعنى المعيشي الأسري حسب الوعد الذي وعده إياه، فأخبره الله إن الوعد بإنقاذ أهله صادق لاشك بذلك، ولكن ليس بالمعنى الذي ظنه النبي نوح، وإنما بالمعنى الآخر للأهل وهو الاتباع للحق والعمل الصالح، ولم ينف صفة البنوة الفيزيولوجية والمعيشية عن ابن نوح فهو لاشك أنه من أهله بهذا المعنى، وإنما وجَّهه للعلاقة الحقيقية وهي الاتباع والعمل الصالح فنفى عنه ذلك بقوله {…يا نوح إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ…}نفى عنه بنوة الثقافة مع إثبات بنوة المعيشة.
انظر لدلالة كلمة (أهل ) بمعنى أفراد الأسرة من أب أو عم أو أخ أو زوجة أو أبناء….أو القوم الذين ينتمي إليهم الإنسان.
{ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ }النساء25
{ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ }البقرة196
{ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ }النساء92
{ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءاً إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }يوسف25
{ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ }يوسف26
{ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ …}المائدة89
{فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ }الأعراف83
انظر لدلالة كلمة (أهل ) بمعنى أصحاب العلاقة بالشيء فقط.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً }النساء58
{وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ }التوبة101
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }الأعراف96
إذاً؛ لا يشترط لدلالة كلمة (أهل) أن تشمل القرابة ، قد تأت بدلالة القرابة والعلاقة معاً، وقد تنفرد بأحدهما.
مفهوم كلمة (بيت)
بيت: تدل على القوة المجتمعة الممتدة بتضام وتماسك المنتهية بدفع خفيف.
وظهر ذلك المفهوم بمعنى العلاقات المجتمعة بتماسك واستقرار.وهذا ما يفرق دلالة كلمة (بيت) عن كلمة (منزل) التي تدل على النزول في مكان معين فهي متعلقة بالمكان وليس بالعلاقات.
انظر قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }العنكبوت41، فالنص لا يتكلم عن شبكة العنكبوت التي هي منزله عملياً، وإنما يتكلم عن العلاقات التي تحكم أسرة العنكبوت، وهذا واضح من خلال فعل أنثى العنكبوت إذ تقوم بقتل الذكر بعد لقاحها مباشرة ! وبالتالي تصير هي أرملة العنكبوت، وتُيتِّم أولادها قبل أن يأتوا إلى الحياة ! فهذه العلاقة الأسرية هي أضعف علاقة في البيوت كلها، ويوصف كل بيت مُغيب عنه دور الأب ثقافياً أو معيشياً سواء بموت أو غيره من الأسباب ببيت العنكبوت، و الوصف يتناول كل بيت تغيب العلاقات الأسرية الدافئة عنه ويفتقد للمودة والمحبة والتعاون بين أفراده ، فهذا هو بيت العنكبوت، وهو أضعف البيوت.
كلمة ( بيت) بمعنى المجتمع ونظامه الذي ينتمي الإنسان إليه ويعيش فيه.
{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً }نوح28
فالنبي نوح لا يقصد دخول قومه منزله أو مكان سكنه، مثل قوله تعالى: { قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }النمل18، وإنما يقصد دخول قومه الإسلام ويتبعوه في دعوته فهذا هو بيت النبي نوح وآله.
{ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }النساء100
{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ }الأنفال5
كلمة (بيت) بمعنى المنزل الخاص المحكوم بعلاقات صاحبه ونظامه، ودائماً تأت محددة أو مضافة.
{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ }يوسف23
{فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ }الذاريات36
{أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء }الإسراء93
{ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ }القصص12
لنرى دلالة كلمة (البيت) التي حددها القرءان بصياغته ثم استخدمها في نصوص أخرى دون تحديد لها واعتمد على ألـ العهد التي تفيد أن المعنى معروف عند السامع أو القارئ.
{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ }آل عمران96
{فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }آل عمران97
{جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }المائدة97
{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ }الحج29
{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ }قريش3
نلاحظ من النصوص السابقة أن دلالة كلمة (البيت) هي الكعبة وليس أي بيت.
وبعد أن ثبت لنا المقصد من دلالة كلمة (البيت) المعرفة لنرى نصوص أخرى اعتماداً على ألـ العهد عند السامع أو المتلقي، قال تعالى:
{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }البقرة127
{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ }البقرة125
{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ }البقرة158
{وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ }الأنفال35
{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ }الحج26
{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ }قريش3
جميع كلمات (البيت) التي أتت في النصوص السابقة المعرفة بألـ التعريف هي ألـ العهد، التي تعني أن البيت معروف في ذهن المخاطب، ولا يوجد حاجة من تحديده مرة ثانية، وينبغي على المخاطب أن يُبقي هذا المعنى بذهنه عند قراءة النصوص الأخرى لأن النص القرءاني منظومة واحدة.
لنرى استخدام كلمة (البيت) مقترنة بكلمة (أهل) دون إضافتها لأحد (أهل البيت).
{قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ }هود73
لا وجود لقرينة في النص الأول ترجع دلالة كلمة (أهل البيت) للنبي إبراهيم ، ولو كانت ترجع إليه لأتى النص بجملة: أهل بيته، أو أهل بيت إبراهيم، أو أهل هذا البيت.وبنفي القرينة عن النص، ومجيء كلمة ( أهل البيت) دون إضافتها لأحد دل على أن المقصد بها هي ألـ العهد المعنى المعروف عند السامع أو القارئ وليس هو إلا الكعبة البيت الحرام التي هي قبلة المسلمين، ويصير معنى النص هو: إن رَحْمَتَ اللّهِ وَبَرَكَاتَهُ عَلَى إبراهيم وأسرته ومن تبعه انتماء وولاء لبيت الإسلام وقبلته الكعبة، وصار مفهوم كلمة (أهل البيت) أي أهل بيت الإسلام المجتمعين بتوجههم إلى الكعبة، فرحمت الله وبركاته عليهم جميعاً.
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33
كلمة (أهل البيت) في النص التالي مثل أختها في النص السابق تماماً لا علاقة لها بمسألة القرابة لا لنساء النبي، و لا لأولاده، ولا لعمه أو ابن عمه، أو غيرهم من القرابة قط، وإنما دلالة (أهل البيت) أتت بألـ العهد لتدل على معنى معروف عند السامع وهو بيت الإسلام والكعبة، لذا؛ أتت كلمة (عنكم) بصيغة المذكر المنتهية بميم الجمع المتصل لتدل على المسلمين جميعاً، {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} إذا التزموا بما أمر الله من مفاهيم وسلوكيات مُطَهرة، وإرادة الله في النص ليست تكوينية مثل إرادته المتعلقة بالخلق ، وإنما شرعية اجتماعية متعلقة بحرية الناس واختيارهم مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }المائدة6 ، فدلالة جملة(يريد الله… ويطهركم تطهيرا) في النص المعني مثل دلالة جملة (يريد ليطهركم) في النص الثاني، وكلاهما متعلقان بإرادة إلهية اجتماعية متعلقة بوعي الناس وحريتهم وسلوكهم.
لذا؛ ينبغي عدم مزايدة فرقة إسلامية على أخرى بادعاء الانتماء إلى أهل النبي محمد، لأن كل المسلمين هم أهله بمعنى الأتباع {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }آل عمران31، وكل المسلمين من أهل البيت انتماء للإسلام وولاء له.
وينبغي أن نضع الحروف على النقاط ونبين للمسلمين هذه المفاهيم حتى نحميهم من مكائد الشيطان والكهنوت والهامانات من أن يغتالوا عقولهم ويسلبوا أموالهم ويضلونهم عن سبيل الله وبيته الإسلام، وأهله المسلمين، وليعلموا أن التكتل والولاء في الإسلام ليس لشخص أو أسرته أو قرابته ولو كان ذلك الشخص النبي نفسه، وإنما التكتل والولاء للفكر الإسلامي المتمثل بالقرءان والعلم ، وكل المسلمين أفراد في هذا البيت.
{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ }آل عمران68
{وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} النساء125
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }الأعراف158
اضف تعليقا