أسلوب الخطاب الذكوري في اللسان العربي ليس خطاباً نوعياً

من الأمثلة المهمة على أنَّ اللسان العربي يعتمد على الواقع، هو أسلوب الخطاب الذي استخدمه العرب القدامى، عندما يتكلمون عن جمع من النّاس فيهم إناث، فيستخدمون الخطاب الذّكوري، ويقصدون به كل النّاس بما فيهم الإناث، نحو: يا أيها النّاس، جاء القوم…..الخ. ولابد أن نعرف مفهوم الذكر والأنثى في الواقع ما هو:
ذَكر: كلمة تدل على دفع وسط ملتصق مع ضغط خفيف منته بتكرار ما سبق. وتحققت هذه العملية في نوع من الكائنات الحية التي تعتمد في تكاثرها على اللقاح فأُطلق عليهم اسم الذكر، فهي تسمية وظيفية.
أنثى: أصلها أنث، وهي تدل على ظهور لطيف مستور منته بدفع خفيف ملتصق. وتحقق ذلك المفهوم بمجموعة في نوع من الكائنات الحية التي تعتمد في تكاثرها على اللقاح فأطلق عليهم اسم الأنثى ، فهي تسمية وظيفية.
والذكر والأنثى يشكلان مع بعضهما الجنس الواحد، وعلاقتهما قائمة على التكامل الوظيفي؛ لا على التفاضل.
ولمعرفة سبب ذلك الخطاب؛ ينبغي الرّجوع إلى محل الخطاب، الذي هو الواقع لمعرفة علاقة الذّكر بالأنثى فطرياً، واجتماعياً، كيف هي؟
إذا بحثنا في طبيعة كل من الرّجل الذكري والمرأة، ووظيفتهما، وحركتهما في الواقع، نجد أنَّ الرّجل هو بمثابة مركز الدّائرة، التي تمثل المرأة محيطها، وينتج عن هذه العلاقة بينهما أولاد يطوفون حول المركز ضمن محيط الدّائرة، وإذا أسقطنا ذلك على الواقع؛ نلاحظ أنَّ المركز والمحيط يشكلان الدّائرة برمتها، ويكون المركز هو المسؤول عن ربط جميع نقاط المحيط به بصُورة لازمة، وذلك متحقق في حركة الرّجل المركزية في أسرته؛ من حيث العناية بهم وتأمين الحياة الأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية لأفراد أســرته، فالرّجــل – دائماً – في مقدمة الحياة الاجتماعية بالنّسبة للأسرة، وحركة الرّجل تمثل حركة الأسرة بكاملها، فعندما نخاطب الرّجل (مركز الدّائرة) يتضمن الخطاب ضرورة الأسرة، كونها تمثل محيط الدّائرة المُرتبطة بالمركز، فيكون أي خطاب للأب، أو للرّجل، أو للنّاس يدخل في سياقه المرأة والأولاد واقعاً، وهذا الخطاب الذّكوري؛ ليس هو تفضيل للنّوع الذّكري على النّوع الأنثوي؛ بل هو خطاب يعكس وظيفة الرّجل، وعلاقته بالمرأة في الواقع؛ من كون الذّكر يشكل على الغالب الحماية، والعناية، والمسؤولية، والقيادة للأسرة خارجياً، ويؤمن سهولة قيام المرأة بوظيفتها داخل الأسرة؛ من تربية،وعناية، وإدارة وَفق قيادة الرّجل، ليُوجدا مع بعضهما علاقة جدلية تكاملية، قيادة الأب، وإدارة الأم.
فأي خطاب لساني يأتي بصياغة ذكورية، نحو : الذين، آمنوا، النّاس، القوم، الإنسان..الخ؛ يكون المقصد منه الرّجل، والمرأة على حد سواء، وأي تجمع أنثوي مهما بلغ عدده؛ إذا وُجد خلاله إنسان ذكر واحد، تحول الخطاب إلى الصّياغة الذّكورية، أما إذا أراد المتكلم تحديد خطابه للإناث فقط، فيستخدم الصّياغة الأنثوية، ومن هذا الوجه جاء الأسلوب اللساني الذّكوري؛ ليدل على الخالق وصفاته، ليس كجنس، وإنَّما كدور الخالق وعمله في الواقع؛ من كونه الخالق المدبر المنعم، الذي يقود النّاس إلى الفلاح، ويدير أمورهم كمركز للوُجُود كله؛ لذلك تُستخدم صفة الأب على الخالق؛ لتدل على وظيفة الأب المركزية بالنّسبة لأسرته، وليس صفة الوالد، وتُستخدم صفة الرب لتدل على الإدارة والتدبير والعناية.
إذاً؛ أسلوب الخطاب الذّكوري(1) في اللسان العربي؛ ليس لتفضيل نوع على آخر، وإنَّما هو يعكس علاقة الذّكر والأنثى في الحياة الاجتماعية ووظيفة كل منهما ودوره، كونهما يُشكلان مع بعضهما الجنس الإنساني، مثل علاقة محيط الدّائرة بمركزها، وعلاقة المركز بالمحيط، فلا يمكن أن يكون المحيط هو المركز، ولا يمكن للمركز أن يكون المحيط، فلكل منهما دوره، ووظيفته التي يُكمل بها الآخر؛ ليشكلا مع بعضهما الدّائرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وصف الخطاب بالذكر والأنثى هو شيء اصطلاحي وليس حقيقياً،وذلك لسهولة التفاهم والتواصل بين الناس، وتميل الناس في فهم الكون والأحداث إلى إسقاط الخطاب على نفسها، والواقع أن الاختلاف في أسلوب الخطاب يرجع لاختلاف في وظائف الأمور، انظر إلى الشمس والنجوم والكواكب والقمر…..الخ، صنفها أهل النحو من حيث الألفاظ إلى مؤنث ومذكر اصطلاحاً وليس حقيقة،فالشمس ليست أنثى، وكذلك القمر ليس ذكراً !.