توجه التنزيل الحكيم وحركته

إن التنزيل الحكيم، منذ بدء نزوله كان توجهه إنسانياً عالمياً، قال تعالى آمراً رسوله : {قُلْ يَأَيّهَا النّاسُ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الّذِي لَهُ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لآ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النّبِيّ الأُمّي الّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتّبِعُوهُ لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ} (الأعراف 158) فحمل العرب التنزيل الحكيم، وتفاعلوا معه، وتحركوا به على أرض الواقع، وصنعوا نهضة وحضارة.
ولكن الذي حصل، هو أنَّ التنزيل الحكيم؛ قد أُلصق بحركة العرب وتفاعلهم، وانتشر الإسلام الممزوج بالثّقافة القومية، التي هي نتيجة تفاعل العرب، حسب المعطيات الزّمانية والمكانية حينئذ، واستمر هذا الإسلام القومي، في قيادة المجتمعات إلى يومنا المعاصر، بل تم تصديره إلى المجتمعات الأخرى غير العربية فصار هذا الإسلام القومي – الممزوج بالثّقافة – هو المسؤول الأول، عن تخلف المسلمين في العالم – حالياً – عن ركب الحضارة والنّهضة، وظهر على أرض الواقع؛ نتيجة تدافع السّنن والبقاء للأصلح والأنفع، صراع بين الإسلام العربي الإنساني، الذي هو دين الله {إِنّ الدّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} (آل عمران19)، والإسلام القومي، الذي هو تفاعل العرب الزّمكاني مع الإسلام؛ بمعنى آخر، صراع بين التنزيل الحكيم، وثّقافة القومية العربية الممزوجة بثقافة أهل الكتاب وما دخل إليها دساًّ (1)!.
وبما أنَّ التنزيل الحكيم وحي من الله إلى النّاس جميعاً، على مختلف ثقافاتهم، وهو عربي الحكم، وعربي النظام، وقد أخذ صفة الكتاب الجامع لما قبله والإكمال، التي تقتضي صلاحيته، واستمراره، في كل زمان ومكان، كان لابُدَّ من نزوله بلسان عربي مبين؛ ليتم الانسجام والتوليف بين عربية التنزيل الحكيم حُكماً ونظاماً، وعربية اللسان، فاختير اللِّسان العربي من دون سائر ألسنة العالم، وذلك لوجود صفة المركزية به، وصفة الأم لسائر الألسنة الأخرى، وتحقق صفة العلمية به في ولادته، ونشأته، وتوسعه، وبنائه، وإذا أخذ الشّيء صفة العلمية، يصعد مُباشرة إلى العالمية؛ لتحرره من القومية والثّقافة المحلية، ويصير مثل سائر العُلُوم مُلكاً للإنسانية جميعاً، فمهمة القوم العرب المتعلقة بالتنزيل الحكيم بالنّسبة للنّاس جميعاً، هي تلاوة هذا النّص، وإيصاله مع بُعده الثقافي التعبدي، وترك الأبعاد الأخرى للعلم وتفاعل الناس، فَهُم بمثابة الرّسول الذي يوصل الرّسالة {قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ فَإِن تَوَلّوْاْ فَإِنّمَا عَلَيْهِ مَا حُمّلَ وَعَلَيْكُمْ مّا حُمّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى الرّسُولِ إِلاّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ} (النور54)، وهم قد قاموا بحفظ التنزيل الحكيم كاملاً من خلال تواتره تلاوة، وكتابته خطّاً، ومهمة الرّسول تنتهي بتوصيل الرّسالة، وما ينبغي أن يُلصق الرّسول بالرّسالة، فالقيمة موجهة إلى الرّسالة ذاتها، وليس إلى شخص الرّسول؛ ومن ثم، فالإيمان متعلق بمضمون الرّسالة، لا بشخص الرّسول(1).
لذا؛ ينبغي على القوم العرب أن يكُفُّوا عن مُمارسة الوصاية الثّقافية على التنزيل الحكيم، وأن يرفعوا أيديهم ولَغوِهم عنه؛ ليتحرك حركته الإنسانية، دون هيمنة الثّقافة القومية عليه، التي خنقت دلالته لدرجة أن أصابته بحالة السُّبات !.
وجُعِل التنزيل الحكيم إنسانيٌ في خطابه، عالميٌ في توجهه؛ لأنه خطابٌ من رب النّاس للنّاس جميعاً، ومن ثم فلا وصاية لأية قومية، أو عرق، أو طائفة، أو مذهب، على التنزيل الحكيم، ولا فضل لأحد على أحد، والجميع سواسية أمام خطاب التنزيل الحكيم، وكلهم معنيون به.
{يَأَيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ } (النساء 1 )،
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ النّاسِ* مَلِكِ النّاسِ * إِلَـَهِ النّاسِ} (الناس 1-2-3).
وهذا البحث يتضمن جواب على سؤال :
لماذا نزل التنزيل الحكيم باللسان العربي دون غيره ؟
وكيف يكون إنسانياً، وعالمياً، وهو بلسان قوم معينين كما زعموا ! ؟
سؤال، طالما سمعته يتردد على ألسنة الناس، وبعضهم يجعله شبهة ًوإشكالاً، ومبرراً لرفض عالمية القرآن وإنسانيته، حتى أن معظم فقهاء المسلمين، يعتقدون بوجود مجموعة كبيرة من الكلمات الأعجمية داخل التنزيل الحكيم، رغم أن الله U قد قال :
{نَزَلَ بِهِ الرّوحُ الأمِينُ* عَلَىَ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيّ مّبِينٍ}(الشعراء 193- 195)
وأطلقوا على كتب قواميس اللسان العربي، اسم المعاجم، وهي جمع (مُعجم) وأصلها من (عجم)، فكيف اجتمع في ثقافة العرب صفة اللسان العربي المبين، وصفة العجمة ؟
انظر إلى معنى العجمة في كتب اللسان العربي
– وباب الأمير معجم، أي مُبهم مقفل. أساس البلاغة
– وبابٌ مُعْجَمٌ، أي مُقْفلٌ به. واسْتَعْجَمَ عليه الكلام: استبهم. الصحاح في اللغة
– وبابٌ مُعْجَمٌ، كمُكْرَمٍ: مُقْفَلٌ. والعَجْماء: البَهِيمَةُ. القاموس المحيط
-كلام أعجم ومُعجم يُذهب به إلى كلام العجم. المخصص
وكلمة (مُعجم)بضم الميم هي اسم لما استغلق فهمه وهي غير دلالة كلمة(مَعجم) بفتح الميم التي هي اسم مكان يحدث فيه الإعجام على وزن معمل ومسلخ ومعبد ومصنع، وعلى افتراض صواب استخدام كلمة العجمة على كتاب جامع للمفردات العربية كان ينبغي تسميته على وزن اسم المكان مَعبد مَصنع مَكتب فتصير مَعجماً وليس مُعجماً، ولكن التسمية من أصلها خطأ فاحش والصواب هو كلمة قاموس أو البيان أو المبين أو الفاتح…وما شابه ذلك مما يدل على وظيفة الكتاب من كونه مبيناً لمعاني المفردات واستخدامها، ولا يصح القول :إن كلمة معجم أتت من الفعل الرباعي (أعجم)، والهمزة في الفعل هي همزة الإزالة التي تنفي حدوث دلالة الفعل الثلاثي عجم، وبالتالي تصير كلمة أعجم، بمعنى رفع العجمة عن الكلمة وتبيينها، فهذا خطأ في التدبر فدلالة همزة الإزالة لايشترط لها نفي حصول الفعل الثلاثي فقط، وإنما تدل أيضاً على تغير في اتجاه الفعل ونقله من الفعل اللازم لصاحبه إلى المتعدي للغير أو العكس نحو ضرب وأضرب، وقسط وأقسط وكلمة عجم وأعجم هي من هذا القبيل فالهمزة في الفعل الرباعي قامت بنقل الفعل من اللازم إلى المتعدي ولم تنف صفة العجمة قط وذلك مثل كلمة ضرب وأضرب، ففعل الضرب لم ينتف وإنما تغير من المتعدي إلى اللازم لصاحبه.
وزاد الأمر غرابة استخدام ُمصطلح (اللغة) على اللسان العربي، وكلمة (لغة) أصلها من (لغو) وهي تدل على الألفاظ التي لا يُعتَدّ بها، ولا قيمة لها، ولا مقصد، وإنما هي هزل وسخرية، قال تعالى : {وَالّذِينَ هُمْ عَنِ اللّغْوِ مّعْرِضُونَ} (المؤمنون 3 )
ومن خلال بحثي؛ لاحظت أن هناك فارقاً كبيراً، بين عظمة اللسان العربي، وتخلف من ينطق به وانحطاطه، من المجتمعات العربية المعاصرة، غير عملية الاستلاب، والحظر التي يمارسها المجتمع العربي، وجعل دلالة كلمة (عرب) تدل على القومية فقط، ونتج عن تلك المفاهيم المذكورة آنفاً جعل التنزيل الحكيم من الناحية العملية نصّاً قومياً، لا إنسانياً، وقيدوا فهمه بثقافة القوم الذين زامنوه، وبذلك جعلوه من الناحية العملية مرتبطاً بزمان ومكان معين، ونقضوا شعارهم : (الإسلام صالح لكل زمان ومكان) شاؤوا أم أبوا، وصار تعاملهم مع اللسان العربي تعاملاً ثقافياً قومياً، وظهر ذلك بصورتين :
الأولى : أخذوا نسخة طبق الأصل عن فهم المجتمع الأول، الذي زامن نزول التنزيل الحكيم، وجعلوها معياراً، ومقياساً، وأساساً لفهم التنزيل الحكيم، فصار التفاعل الثقافي الأول،كأنه التنزيل الحكيم العملي للمسلمين، والتنزيل الحكيم للتلاوة والبركة فقط !، وصارت المجتمعات اللاحقة، تجتر ثقافة المجتمع الأول، وتعيدها، وتكررها، وتعلكها حفظاً، وشرحاً، واختصاراً، وتحسين شكلها دون المساس بمضمونها، أما التنزيل الحكيم؛ فهو مُعلق على الجُدر، ويُتلى على الأموات، رغم أنه نزل من حي إلى الأحياء.
وترتب على ذلك العمل في الواقع شرخ كبير بين المسلمين، والإسلام الممثل بالتنزيل الحكيم، وزاد الأمر سوءاً، عندما قام هؤلاء بتصدير تفاعلهم القومي اللغوي الزمكاني مع التنزيل الحكيم إلى المجتمعات الأخرى حتى صار في مُخيَّلة الناس أن مفهوم القوم الأوائل؛ جزء لا يتجزأ من الإسلام، ومن ثم؛ فكل من يريد أن يتمسك بالإسلام ديناً من غير العرب، نراه أرخى لحيته، ولبس لباس أهل الجزيرة، وغطى رؤوس نسائه، ونَقَّب وجوههن، وألبسهن لباساً طويلاً إلى الأرض !.
الصورة الثانية : نجدها في الكتب التي اعتمدها القوم لشرح دلالات مفردات اللسان العربي، وأطلقوا عليها اسم القواميس أو المعاجم، فمن يدرس هذه المراجع لا يمكن أن يتصور أن هذه الأمة أنشأت حضارة، وعاشت في مدينة، وتقدم، ورُقي، وذلك لاختفاء المفردات التي تدل على المدَنيّة، مثل المفردات الطبية، والفلكية، والرياضية، وغيرها مما يتعلق بنظام الدولة، وأسماء الأدوات والمخترعات…الخ، وانتشر محلها مفردات كثيرة تدل على الإبل وأحوالها، والصحراء وتقلباتها، والسيف وصفاته، وأسماء الكلاب…الخ، ألم تكن هذه الأمة تعيش حضارة ومدَنيّة؟ أليس الآشوريون والبابليون والفينيقيون والأقباط….الخ، من العرب وقادوا الحضارة في العالم ؟! أين أدواتهم المعرفية والعلمية ؟! أين مفرداتهم التي كانوا يستخدمونها في التفكير، وحفظ المفاهيم ؟ من باب أن المفردات، هي بمثابة حقل للتفكير، ووعاء للمعاني !، فالمجتمعات اللاحقة حينما جعلوا فهم المجتمع الأول الساكن شبه الجزيرة العربية، وتفاعله الذي زامن نزول التنزيل الحكيم، أساساً، ومعياراً، ونموذجاً لتعاملهم معه؛ وهجروا التنزيل الحكيم، وقاموا بعملية تأسيس لهذا النموذج الزمكاني، وتقعيد له، فوُضعت القواميس والمعاجم لتؤسس ثقافة البدو، وتحفظ هذا التفاعل الثقافي الأول، حتى صارت هذه المراجع اللغوية، هي تاريخ لثقافة المجتمع الأول، وتفاعلهم مع التنزيل الحكيم، واللسان العربي، وبذلك استُبدِل اللسان العربي بثقافة القوم الأوائل، وظهرت قيمة البدوي، واشتد الطلب عليه، وصار مرجعاً – لا يُستغنى عنه أبداً -،وامتلأت القواميس بصفة الإبل والصحراء والليل القارس، والنهار الحار، والخيول…الخ، وبذلك العمل؛ انضم اللسان العربي إلى التنزيل الحكيم، في عملية الهجر، والإهمال من قبل القوم؛ لتصير هذه المعاجم، بمثابة التنزيل الحكيم اللساني، بجانب فهم السلف، وتطبيقهم، الذي هو بمثابة قرآن عملي لهم، بل وزاد الأمر سوءاً حينما جعلوا الشعر الجاهلي حاكم على التنزيل الحكيم، ويكفي بطلان وخطل هذا الرأي وَصْفَهم للشعر أنه جاهلي!،فكيف يكون الجاهلي حَكماً على كلام الله؟ ومن البديهي أن يُستبعد التفكير؛ ليحل محله التقليد، ويُستبعد العلم والواقع؛ ليحل محلهما النقل (الآبائية)، وتصير حركة الأمة حركة ً ماضـوية اجترارية (سلفية) تهوي إلى القعر، وتحفر فيه؛ لتوغل في أوحال التخلف، والانحطاط، وتغوص في المستنقعات.
كل ذلك يحدث تحت ظلال التنزيل الحكيم، واللسان العربي، رغم استبعاد الاثنين من الناحية العملية، فالأمر على درجة من الخطورة، إنه أمر مصيري، وجود حضاري، أو لا وجود.
لذا؛ اقتضى ذلك أن نتصدى لهذه المسألة الخطيرة، ونحاول أن نُزيل الشوائب التي تراكمت على مفهوم كلمة (العرب)، ونُبيّن علمية اللسان العربي دون غيره من الألسنة الأعجمية، وننفي ظاهرة تطابق المعنى عن الكلمات المختلفة لفظاً، التي اشتُهرت باسم الترادف خطأً؛ وننفي عنه المجاز الذي يُعرّفه أهل اللغة بأنه استخدام الكلمة في غير معناها الحقيقي، لتظهر لنا العلاقة الجدلية بينالتنزيل الحكيم، واللسان العربي المبين، ونحررهما من هيمنة ثقافة القومية والشعوبية عليهما، ورفع الحظر عنهما، وجعلهما يتحركان حركة إنسانية، وعلمية، ليصيرا عالمييّن.
كما أني أهدف إلى تأسيس مَلَكَة عقلية في الإنسان بتعامله مع اللسان العربي من خلال معرفة دلالة أصوات الأحرف العربية فيزيائياً، حتى يستطيع أن يصل إلى الدلالة، أو المفهوم؛ من خلال سماع ترتيب أصوات بُنية الكلمة، والقيام بتحليلها وتركيبها للوصول إلى مفهومها الفيزيائي، وفهمها ثقافياً من خلال استخدامها في سياق الجملة، والمنظومة التي تنتمي إليها، وإسقاطها على محلها من الخطاب، وهذا الاستخدام العلمي لمفردات اللسان العربي لا يُطَبَّق إلاّ على التنزيل الحكيم فقط، لأنه الوحيد الذي يدل على مُقتضى الحال، حيث أن كلماته هي صورة صوتية لمدلولاتها في الواقع، حالاً، أو وظيفة، أما استخدام القوم للسان العربي، فهو استخدام محدود وقاصر على الأصوات العربية (الأبجدية)، ولا يخلو من عجمة-أبداً-، ومن ثم، يظهر لنا تهافت حُجّية الشعر العربي الجاهلي، أو غيره، من الموروث الثقافي، والحُجة بذلك هو التنزيل الحكيم فقط، وإسقاط الكلمة على الواقع محل الخطاب، ومن ذلك الوجه كانالتنزيل الحكيم حُجّة وقاضياً على ما يُسمى قواميساً أو معاجماً، أو شعراً، أو نثراً أو لغة، مع استغناء التنزيل الحكيم عنها جميعاً؛ لارتباطه بالواقع، ليصير الواقع هو القاموس لمفاهيم ومعاني مفرداته.
فاللسان العربي المبين، المتمثل بالتنزيل الحكيم، هو الوحيد الذي يصلح لدراسته بصورة علمية، وتُستخدم الأدوات المعرفية، واللسانية عليه، أما سواه من الألسنة؛ فهي كلها أعجمية بنسب متفاوتة، حتى من يستخدم اللسان العربي(أصوات)، في ثقافته وحياته، فهو يستخدمه بصورة أعجمية -غالباً -، وتظهر قوة الشاعر وبلاغته، إن استطاع أن يُخفف من العجمة في كلامه، ويُقلصها إلى الحد الأدنى، مع استحالة رفعها عن كلامه بصورة كلية، لأن أساس الشعر يقوم على المجاز وما أسموه الترادف خطأً، وهذا يمنعنا من التعامل مع أقوال الرجال، تعاملاً حرفياً لمبنى كلامهم، أو جعل كلامهم برهاناً على خطأ مسألة معينة أو صوابها، من حيث قواعد النحو، أو دلالة لفظة مُعينة واستخدامها،وذلك لوجود صفة القصور، والعجمة، والترادف والمجاز فيهم بصورة لازمة خَلقاً.
لذا؛ ينبغي التعامل مع المقاصد والمعاني، لا مع الألفاظ والمباني بالنسبة لأقوال الرجال، بخلاف التعامل مع التنزيل الحكيم، فإننا ندخل إلى المعنى من المبنى، وندخل إلى المبنى من خلال محل الخطاب من الواقع، ودلالة أصوات مبنى الكلمة، ومحلها في سياق النص.
وأعرض هذه الدراسة المتواضعة لَبِنَة، وخُطوة أولى في طريق طويل، ولا أدَّعي أني أصبت في كل ما ذكرت، أو أني وصلت إلى سقف المعرفة، وإنما أردت تسليط الضوء على موضوع هام جداً؛ ليقوم المخلصون من الأمة بمتابعة البحث، والدراسة؛ لتمكين الأجيال اللاحقة، من التعامل مع اللسان العربي بصورة علمية تُمَكّنهم من دراسة التنزيل الحكيم، والتفاعل معه، للوصول إلى الفاعلية، والنهضة، والتطور، والرقي، ويتم القضاء على بذور الاستبداد، والاستعباد الثّقافي الكامن في المجتمعات العربية القومية، والإسلامية، ويتم التّخلص من التّابعية، والشعوبية، والقابلية للاستعمار الغربي، ونبدأ بتدشين عهد جديد من التّعامل مع اللّسان العربي بنظام علمي، والتعامل مع التنزيل الحكيم خطاباً إلهياً متصفاً بالإنسانية والعالمية والكونية، وبذلك يصير كل منهما إنسانياً عالمي َ الوجهة.
ولنمض الآن قُدُماً، إلى علمية اللِّسان العربي وعالميته، ونُرجع فاعلية عربية التنزيل الحكيم حُكماً، ونظاماً، ولساناً.
وأخيراً، أتوجه بالشكر والتقدير للأستاذ الدكتور “مازن الوعر”؛ لقيامه بقراءة البحث، وتقديمه للقارئ العربي، وللأستاذ “محمد هيثم إسلامبولي” لاقتراحه القيام بنفسه بشرح دلالات رسوم الأبجدية الفينيقية، وضمه إلى البحث، فوافقت على ذلك، وتم الأمر على ضوء هذه الدراسة، وللأخ الصديق ” مُحيي الدّين الصَّبّان”؛ لما قدّم لي من دعم في متابعة نشر هذا البحث وغيره.
المؤلف
دمشق – سورية 2007 م
(1) لاشك أن الاستعمار السياسي والاقتصادي للأمة خطير، وينبغي مقاومته مثل الاحتلال الصهيوني اليهودي لفلسطين، ولكن الاختراق الثقافي واحتلال التراث كمصادر ومراجع تاريخية ولسانية ودراسات إسلامية وتحريفهم أكبر بكثير من الاستعمار السياسي وينبغي التنبه له ومقاومته ، وأكبر مثال على ذلك هو تحريف التاريخ العربي و الإسلامي المتعلق بفلسطين ومصر والأنبياء من قبل اليهود، وتحريف اللسان العربي الذي نزل به القرءان ومحاولة أعجميته من قبل الأعاجم! والشعوبيين، وأعرض سؤالاً بريئاً للتفكير فيه :لماذا معظم مؤلفي قواعد اللسان العربي أعاجم ؟ وكذلك معظم جامعي الحديث النبوي أعاجم؟ هل العرب قاصرون وجاهلون؟
(1) ينبغي العلم أن كلمة ( الرسول) في اللسان العربي تأتي بمعنى الرسالة، وهذا يعني أن الأمر بطاعة الرسول في كثير من النصوص القرءانية متعلقة بالرسالة لا بحاملها مثل قوله تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً }النساء80،كما أن الطاعة لا تكون إلاّ لحي ، وينبغي العلم أن تواتر القرءان لا علاقة له بإثبات مصدريته الربانية فهذا أمر آخر متعلق بتدبر المتلقي وتفكيره. راجع كتابي ” تحرير العقل من النقل” الطبعة الثالثة وكتابي حوارات ثقافية ” الجزء الأول مبحث” التواتر أداة معرفية وليست علمية” .