القرابين البشرية فكرة وثنية كهنوتية وليس تشريعاً إلهياً، وتأويل رؤيا النبي إبراهيم

{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }الصافات102

رزق الله النبي إبراهيم الولد وهو شيخ كبير في السن{الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء }إبراهيم 39  ، و تعلق بولده كثيراً مثله مثل أي أب شيخ كبير لم يُرزق قبله بولد، وعندما بلغ السعي معه بمعنى ممارسة العمل والاعتماد عليه رأى النبي إبراهيم في المنام أنه يذبح ابنه، وتكرر المنام  خلال أيام متتالية، وهذا دلالة كلمة (إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ) ولم يقل( إني رأيت في المنام) مما أقلق النبي إبراهيم وعلم أن ذلك من الله وليس مجرد  أضغاث أحلام .

وقام النبي إبراهيم بإخبار ابنه بالرؤيا وتكرار رؤيته لها، وأن ذلك يعني أن الله يأمره أن يذبحه، وسأله ما رأيك في الموضوع حتى يشاركه في تحمل المسؤولية، فأجابه الولد من منطلق ثقته بأبيه وعلمه وثقته بالله :افعل ما تؤمر وستجدني إن شاء الله من الصابرين.

بداية ينبغي أن نعلم أن التشريع أو الأوامر من الله وخاصة المصيرية لا تأت في المنامات وإنما تنزل بالوحي، والرؤيا في المنام لاتفسر على ظاهرها لأن الرؤى تأت دائما بصيغة الرمز ولا تأت بشكل صريح مباشر  مما يعني أن الرؤيا لا يصح التعامل معها بشكل ظاهري بل لابد من تأويلها

وأخطأ النبي إبراهيم عندما تعامل معها على ظاهرها وخاصة بعد تكرار رؤيته لها ، فأراد أن يذبح ابنه حقيقة ظناً منه أنه ينفذ أمر الله، وجَسَّد المنام كما هو دون تأويل له، فنزل الأمر الإلهي بتوقيف هذا العمل وأعطاه فداء لمنامه وابنه، {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ }الصافات107، وأخبره أنه نجح في ابتلائه وامتحانه مع ذلك {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }الصافات105.

ولنحاول تدبر الرؤيا ومعرفة تأويلها، ولابد من ذكر بعض النقاط المهمة في تدبر الرؤيا وهي:

– نفي عن الرؤيا أن تكون مصدراً أو وسيلة للتشريع.

– نفي عن الرؤيا أن تكون متعلقة بأمر مصيري مطلوب تنفيذه .

– الله حكيم ورحيم ولا يطلب من عباده وخاصة النبيين أمراً  فوق طاقتهم مثل ذبح الابن.

– الله الحكيم والرحيم لا يطلب من عباده ذبح أولادهم ليتقربوا إليه فهو ليس بإله دموي.

– ما ينبغي التعامل مع الرؤى من خلال ظاهرها، بل لابد من تأويلها لأنها رمز وليس صريحة بالشكل.

– الله حكيم فلا يعبث ولا يمزح مع عباده .

– قول الله حق وأمره جد وليس بالهزل.

لنحلل عناصر الرؤية:

نجد في الرؤية عنصر الذبح لكائن حي وهذا رمز للموت وتوقف فاعلية الشيء.

ونجد عنصر الولد محل الذبح وهو رمز للتعلق الشديد لأن الولد هو أحب شيء للوالد وخاصة لمن كان بظروف النبي إبراهيم.

وباجتماع العنصرين وبفهم رمزيتهما نعلم تأويل الرؤية ككل وهو :

التعلق بالولد هو رمز للتعلق بالدنيا والحياة و المستقبل والقوة ، كما كانت البقرة السمينة في منام الملك بقصة النبي يوسف رمزاً للخير والخصب والأمطار، وذبح الولد هو قتل ذلك التعلق بالدنيا في النفس وإخراجها من القلب والتعلق بالله فقط، وعندما جسد النبي إبراهيم الرؤية حقيقة على ظاهرها  دون تأويلها نجح بامتحانه بالطريقة الصعبة التي اختارها، وفعلاً أثبت أنه خليل الله وغير متعلقا بالدنيا قط، ولذلك نزل الفداء له مباشرة لتوقيف فعله لأنه غير مراد بعينه ، وأُخبر أنه نجح في امتحانه وصدَّق الرؤيا.

، فالله أحد صمد حي قيوم ولاتتغير أسماؤه الحسنى وهو حكيم رحيم ، وفكرة القرابين البشرية تنقض حكمته ورحمته، لذا؛ ليست هي من التشريعات الإلهية القديمة ، وبالتالي لاقيمة علمية لما يعرضه أهل الزيغ والإلحاد من أن الله  كان يطلب القرابين البشرية ويحب سفك الدماء من أجله اعتماداً على الفهم القاصر والخطأ لرؤيا النبي إبراهيم .