السؤال:

هل يجوز التبرع بالدم أو بالأعضاء؟

الجواب:

ينبغي استحضار قوله تعالى: { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً }مريم64 (مريم 64)، وقوله { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً }(المائدة 3)، في الأذهان دائماً، فالحرام ما حرَّمه الله في النصّ، والواجب ما أوجبه في النصّ، والمباح ما سكت المشرع عنه لتغييره في الواقع، وتطويره، فكان أصل الشرع قائماً على قاعدة (الحرام مقيّد، والحلال مطلق)، أو (الأصل في الأشياء الإباحة إلا النصّ)، مع توجيه المشرع إلى أن الأحكام تأخذ حُكْم الخواتيم من نفع، أو ضرّ، لذلك ظهرت نظرية المقاصد الشرعية.

لقد حرَّم المشرع تناول الدّم، أكلاً، بأيّ صورة كانت، ومن أيّ كائن حي، قال تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (الأنعام 145).

فالنصّ صريح في تحريم تناول الدم غذاء للإنسان، ومن المعلوم أن ما يتناوله الإنسان من غذاء يتحوّل في جسمه إلى دم، ممَّا يدلُّ على أن تناول الدم، أو إدخاله إلى الجسم، بأيّ صورة كانت يحرم ذلك العمل؛ لأنه – في النتيجة – تناول الدم، وصار بناءً لجسمه، وتمَّ استثناء هذا التحريم للضرورة، وهو رَفْع الحُرمة عن تناول الدم بصورة مؤقّتة لرَفْع الضرر، أو الهلاك عن الإنسان، وذلك بقوله تعالى في آخر النص {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }، فلا يصير تناول الدم مباحاً، وإنما يُرْفَعُ عنه حُكْم التحريم مؤقّتاً لتحقيق المقصد الإلهي من حفْظ حياة الإنسان، وفاعليته في المجتمع، فإذا تَمَّ الأمر يرجع حُكْم التحريم لتناول الدم إلى أصله، وما ينطبق على الدم ينطبق على زراعة الأعضاء، ومن أيّ كائن حي، سواء أَ كانت أعضاء الإنسان، أم أعضاء الحيوانات المُحرَّم أكلها؛ لأن دخول أعضائها في الجسم هو بناء للجسم، والأصل أن ذلك مُحرَّم على الإنسان، إلا للضرورة، مثل الحيوانات اللاحمة، أو الخنزير، بخلاف حُكْم أعضاء الحيوانات المباح أَكْلها؛ فإن زراعة أعضائها في الإنسان تأخذ حُكْم تناول لحمها من حيث الإباحة، دون وجود لاضطرار، أو هلاك، ويرجع تقرير ذلك مَنْعاً، أو سماحاً، لأهل العلم، والخبرة، والتبرع بالدم أو استخدامه لاعلاقة له بمفهوم الكفر والإيمان، فالدم لايكفر ولايؤمن وهو متاح للناس جميعاً .

أمَّا التبرُّع بأعضاء جسم الإنسان بعد موته للتجارب العلمية، أو لإنقاذ حياة الناس؛ فهذا أمر مشروع لصاحبه، ولا حرج من ذلك؛ حيث إن  هذا الجسد سوف يصير تراباً في النهاية، ولا قيمة له؛ لأن القيمة للنَّفْس، لا للجسد.

أمَّا مسألة التبرُّع بعضو من إنسان حي إلى آخر؛ فذلك يرجع إلى إرادة الإنسان، وتضحيته بعضو من أعضائه لأخيه الإنسان، مع العلم أن الإنسان يمكن أن يُضحّي بحياته كلّها، من أجل قادته الراشدين، أومن أجل قضيته.

أمَّا أخذ المال من عملية التبرُّع بالأعضاء، سواء أَ كان ذلك هدية ومكافأة، أم بيعاً وشراء للحاجة والفقر؛ فهذا أمر راجع لإرادة المتبرّع، ولو أن هذا الأمر – البيع للأعضاء- يرفضه المجتمع، ولكنَّ شبح الفقر والحرمان والجوع أشدّ وطأة من مَنْع المجتمع لذلك، وكان الأَوْلى على المجتمع أن لا يُلجئ أفراده لبَيْع أعضائهم، ويسدّ حاجتهم، ويعالج فقرهم، فالظلم والفقر يدفعان الإنسان لفعل أيِّ شيء.