كلمة (قرءان) من قرن أو قرأ

لاشك  بوجود فرق بين دلالة كلمة ( قرأ) وكلمة ( قرن)، لأنه إذا اختلف المبنى اختلف المعنى ضرورة. والأصل في نشأة اللسان العربي هو الأفعال الثنائية والثلاثية لاحقاً، وهذا يعني وجود الزمن ضرورة بكونه الوقت الذي تستغرقه الحركة في حدوثها، والحركة سنة الله في الوجود ، مثل سنة الثنائية ، فطالما يوجد حركة يوجد زمن كنتيجة للحركة.

فأصل كلمة قرءان فعل وليس اسماً وهي من قرأ وليس من (قرِئت) ولا من (قرن).

قرأ : جمعها قراءات– يقرأ – اقرأ – قراءة – قارئ – مقروء – قرءان.

قرئِت: أصلها قرأ وأخذت منحى آخر في الاستخدام وجمعت على قروء ، وهي محكومة بمفهوم كلمة (قرأ) وظهرت بصورة مادية لفعل قرأ من كون المرأة تتوقف عن سيلان دم المحيض فترة الطهر بشكل مكرر إلى أن يبدأ سيلان دم الحيض، لذلك اختلفوا في دلالة قرء هل هي فترة الطهر أم المحيض أم كلاهما ، والصواب أن  معنى الكلمة يحدده الصوت الأخير فيها لأنه المآل لها ، وكلمة(قرء) حدد معناها صوت الهمزة الذي يدل على ظهور خفيف مفاجئ، وهذا تحقق بحالة المحيض وليس بالطهر مما يعني إن كلمة قرء تعني الحالة الفيزيولوجية للمرأة أثناء المحيض ويصير دلالة النص{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قروء..}البقرة228، بمعنى ثلات فترات حالية متعلقة بالمحيض.

قرن: جمعها قرون – يقرن- اقرن – قرناً – قارن – مقرون – قران.

وكلمة ( قرءان) مثل : بوران أصلها بَور، ورمضان أصلها رَمض، و حوران أصلها حَور…الخ.فالألف والنون لواحق معروفة باللسان العربي. وفعل ( قرأ) يدل على التوقف الشديد عند الشيء المعني بالقراءة وتدبره والتفكير فيه وتكرار تلك العملية وتحصيل المعلومات وتصنيفها ودراستها للوصول بعد ذلك إلى نتيجة تظهر بخفة ، ويكون فعل (قرأ) للكون آفاق وأنفس، انظر لقراءة الأرصاد الجوية، وقراءة الطبيب للصور الشعاعية، وقراءة العلم لجسم الإنسان وهكذا. {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ }العلق1

وأتى معنى الجمع في كلمة (قرأ) عند من قال أن كلمة قرأ من قرن من دلالة صوت (القاف) وهو يدل على توقف بشدة وليس الجمع، والتوقف الشديد يدل في ظاهره على تجمع الشيء على بعضه بشدة. وينبغي أن نسجد عندما نقرأ كتاب الفيزياء والكيمياء والرياضيات…الخ، لأنها مواضيع قرءانية!، والسجود ليس سجود الجبهة !!، وإنما سجود العالم الذي يخضع للقوانين التي وصل إليها ويتقيد بها .

أما بالنسبة للنصين (إنا علينا جمعه وقرءانه ) ( فإذا قرأناه فاتبع قرءانه) القيامة 18انتبه للضمائر المستخدمة في النصين( إنا علينا) و ( قرأناه) فهي للجمع وليس للمفرد!.

وبالتالي فالقرءان مازال إلى الآن يُقرأ ، وسوف تستمر عملية قراءته، ولم يُقرأ على النبي محمد، و نزل النص القرءاني للناس جميعاً، وربط  الله خطابه بمحله من الواقع (خلق الله) بأبعاده الزمنية الثلاث وفق محور الثابت والمتغير( السيرورة والصيرورة) فكان القرءان خطاباً مطلقاً احتوى بمفاهيمه الأبعاد الزمنية، ويتم التعامل معه من قبل الناس بالزمان والمكان الذي هم فيه حسب أدواتهم المعرفية، أي القرءان مطلق ، وفهم الناس نسبي.

أما مفهوم أن كتاب الله الجامع والمكمل والنور والهدى والبوصلة التي ينبغي أن تستخدم لتصويب أو تبيين وضع الكتب السابقة ، فهذا واضح في قوله تعالى: } الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً }المائدة3 وهذا يقتضي أن يكون الكتاب محتوياً وجامعاً لما صح في الكتب السابقة ومضيفاً إليها ليصير الكتاب الجامع والكامل. وفي قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }{بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }النحل34- 44 فالذكر الذي أنزله الله وظيفته البيان للناس كونه كتاباً مبيناً ليصححوا ويصوبوا ما نزل إليهم سابقاً على نوره وبرهانه وهدايته!.

فالقرءان كتاب نظر وفكر ودراسة وهدى، وهو نور وبرهان ومبين وبيان مستمر بعطائه العلمي لمن يقرأه بمنهج عربي مبين حنيف.