أخطاء في طريقة تفكير معظم الباحثين المسلمين، وكلمة النساء نموذجًا
يقع كثير من الباحثين وخاصة أهل التراث والعنعنة بخطأ في طريقة تفكيرهم وتعاملهم مع الأمور حينما يتركون الواقع دون دراسة ، ويرجعون للتراث والنقل ليحكموا على الواقع بشكل مخالف له، وقد يصل إلى نفيه أحياناً رغم وجوده أمامهم ، بل ؛ ويتعاملون معه رغم نفيه، والاختلاف في شيء لا ينفي ثبوته ، بل؛ والوصول إلى القطع و اليقين فيما بعد لأحد الرأيين .
أيها الأخوة العقلاء الأحرار
إن وجود الشيء أمامكم بحد ذاته برهان على وجوده، ولايصح طلب برهان فلسفي أو نقلي عليه أو من قال به أو ماهي المراجع النقلية التي استقيت منها الفكرة … وهو حاضر أمامكم، مثل من يطلب البرهان الحسي التجريبي على وجود طارق خلف الباب ويريد أن يتذوقه بلسانه، ولايُتلفت إلى من نفاه من السلف كائناً من كان أو مهما بلغ عدد السلف أو تقادم القول واشتهر أوصار رأياً سائداً ، ولايصح الاستدلال بقول العالم الكبير النحرير البحر والمحيط على نفيه… فهذه الأمور خطأ علمي، وخطأ في التفكير، وتغييب للعقل، وتضييع للحقيقة ، وضلال مبين.
وعلى سبيل المثال اقرؤوا هذه الفكرة وكيف يتعامل معها معظم الباحثين:
يقول جماعة من أهل اللغة والقواميس: إن كلمة (نساء) جمع لامفرد لها مثل كلمة (جيش) فهي جمع لامفرد لها من جنسها ويعرضون المثل على الشكل التالي
نساء : جمع لامفرد لها من جنسها، وهي جمع لمفردة امرأة من غير جنسها.
جيش: جمع لامفرد لها من جنسها، وهي جمع لمفردة جندي أو مقاتل من غير جنسها.
وعندما عرضنا عليهم وجود مفردة لجمع كلمة (نساء) وهي (نَسيء) ومن المعروف أن جمع وزن( فِعال) الذي يأتي بمعنى وصف حال للشيء لازم له يكون على وزن ( فَعيل) ،قالوا : صح أن كلمة (نسيء) موجودة في اللسان وأن جذر كلمة (نساء) هو (نسأ) وابن منظور قد ذكر في كتابه” اللسان” عرضاً كاستخدام أن كلمة (نساء) هي جمع لمفردة ( نسيء) حينما نقل قول الأصمعي: يقال: امرأَةٌ نَسْءٌ ونَسُوءٌ، ونِسْوةٌ نِساءٌ إِذا تأَخَّر حَيْضُها، وذكرها صاحب كتاب “العباب الزاخر” وصاحب كتاب “الصحاح في اللغة” وغيرهم : ونُسِئَتِ المرأةُ تُنْسَأُ على ما لم يسمّ فاعله، إذا كان عند أوَّل حَبَلها، وذلك حين يتأخًّرُ حيضُها عن وقته فَرُجِيَ أنَّها حُبْلى. وهي امرأةٌ نَسِيء.
و مع ذلك يردون علينا بقولهم: لكن لم يستخدم العرب كلمة (نساء ) جمع لمفردة (نسيء)!!!
وقلنا لهم : النقاش هو على وجود المفردة في اللسان للجمع وليس على الاستخدام ونفيه، فهذا لاقيمة له في العلم ، ولم يُحفظ لنا تراث العرب واستخدامهم لكل الكلام فهو ليس قرءاناً متلواً ومحفوظاً.
هل لاحظتم طريقة النقاش وكيف يتعاملون مع الأفكار رغم أن كلمة (نسيء) موجودة في اللسان العربي وأتت بها القواميس على أنها مفردة لجمع كلمة (نساء) وأصروا على إنكارها، والقول : إن كلمة (نساء) جمع لامفرد لها من جنسها مثلها مثل كلمة (جيش) لامفرد لها من جنسها. هذا كلام جزافاً وليس علماً وهو إصرار وعناد على الرفض وينطبق عليهم المثل:عنزة ولو طارت!!
فالقاعدة المنطقية هي: وجود الشيء في الواقع أو حصوله هو برهان عليه بحد ذاته ولايطلب له برهاناً منطقياً أو نقلياً .
والخطأ الثاني الذي يقع فيه معظم الباحثين هو طلب برهان نظري أو علمي على إثبات حدث حصل وانتهى، مثلاً لو عندنا عدة آنية مختلفة الحجم والفتحات وأغطية لها مبعثرة ، وطلبنا من أحدهم أن يضع على كل آنية غطائها، لوجدنا أنه يستخدم التجربة والسبر في وضع الأغطية وأي غطاء تقبله الآنية يتركه عليها ، وهكذا حتى ينتهي من وضع كل غطاء بمكانه ، فلو سألناه بعد ذلك ما البرهان على أن الغطاء الذي وضعته على الآنية هو لها ؟ لأجاب فوراَ دون تلكؤ : قَبول الآنية له هو برهان بذاته على أنه غطائها، ولو أصررنا على طلب برهان منطقي أو نقلي منه لطردنا من أمامه وسخر منا. ويوجد مثل أيضاً معروف لدى معظم الناس وهو اللعبة التركيبية التي تسمى(البزل)، فطريقة تركيب القطع تعتمد على وضع الإطار أولا لأنه ذو قطع متميزة يسهل معرفتها ولضبط اللوحة، ومن ثم القيام بمحاولة تركيب كل قطعة في مكانها وتعتمد على المخيلة والتجربة وأي قطعة تنزل في مكانها تثبت فيه كبداية رغم عدم ظهور المنظر العام أو وضوحه، ولكن قَبول المكان لها هو دليل قوي غالباً على صوابها، وحين تشكل بعض ملامح الرؤية للمنظر العام يستطيع أن يتنبأ اللاعب بأن في هذا المكان لابد من وجود قطعة كذا، ويبحث عنها وهو يقطع بوجودها، مثلاً، لو كان المنظر هو صورة إنسان ووصلنا إلى جزء من رأسه وبقي وجهه نعلم يقينا أنه يوجد قطعة تمثل صورة الوجه، ويصير عندنا وسيلتين للحكم على صواب اختيارنا أو فهمنا ، الأولى صورة الوجه، والثانية قَبول الجزء في مكانه مكملاً صورة الرأس، ولو أراد اللاعب التوقف عن الإكمال للوحة وتسليمها لآخر يستطيع أن يقول له : ابحث عن صورة الوجه وسوف تجدها وضعها في مكانها، وهذا التنبؤ العلمي بناء على معطيات واقعية علمية .
وتشكل الرؤية الكلية أو المنظر العام ولو غالباً كفيل بالتصحيح للجزئيات في حال ظهر خطأ في أحد القطع التركيبية ، فالعلم يصوب ذاته أثناء رحلته الطويلة .
والقاعدة المنطقية هي: قَبول الشيء لشيء آخر وانسجامه معه وتكامله وظيفياً هو برهان بذاته على علاقته الصواب معه وان هذا محله.
هاتان القاعدتان المنطقيتان على درجة من الأهمية ، ومعظم الباحثين لاينتبهان لهما، ويجريان خلف التراث والنقل والعنعنة والأكثرية والرجال، وأحياناً اتباع الهوى.
اضف تعليقا