دراسة مقارنة بين نصين في مفهوم (مثنى وثلاث ورباع)

{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }فاطر1
{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ }النساء3
قال أحدهم: إن دلالة كلمة (رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) لا تفيد الحصر على ما ذكر فالأمر قابل للزيادة فوق الأربعة، وهذا يعني أن نص (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) مثله أيضاً لا يفيد الحصر والتوقف عند نكاح الرابعة فالأمر مفتوح دون تحديد بشرط العدل والقدرة على المعيشة .
بداية ينبغي أن نحدد نوعية كلمة (مثنى وثلاث ورباع) هل هي تعداد وأرقام أم ماذا هي؟
التعداد نستخدم له واحد اثنين ثلاثة أربعة خمسة…، اقرؤوا :
{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ }فصلت10
{إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا …}يس14
{وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ }النحل51
فكلمة (اثنين ) لا تعني دلالة كلمة ( مثنى) وهذا يعني أن كلمة( مثنى وثلاث ورباع) ليس تعداداً أو أرقاماً ولو أنها تتضمن معنى العدد في الواقع منطقياً، لنقرأ:
{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ …}التوبة40
كلمة(ثاني) لا تعني اثنين وإنما واحد أضيف لآخر فصار الوضع اثنين، وهذا يعني أن كلمة ثاني ليس عدداً.
{سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِراً وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَداً }الكهف22
كلمة( رابع وسادس وثامن) تدل على واحد أضيف لما قبله فجعلهم أربعة أو ستة أو ثمانية
{إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ }يس14
كلمة ( ثالث) تدل على واحد أضيف إلى اثنين فجعلهم ثلاثة.
إذا؛ كلمة ( مثنى وثلاث ورباع) ليس تعداداً وليس هي تمييزاً وإنما حال حصل في الواقع كمراتب، مثل قولنا فاز بالبطولة زيد بمرتبة الأول، وعمرو بمرتبة الثاني وحمزة بمرتبة الثالث، فعمرو ليس اثنين هو واحد أضيف لمن قبله كحال، وكذلك حمزة هو واحد و ليس ثلاثة وإنما أضيف لمن قبله فجعلهم ثلاثة وهو أتى بالمرتبة الثالثة .
فنص{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }فاطر1
كلمة جناح لاتعني بالضرورة العضو المتحرك الموجود بالطير من الريش كما هو يتبادر لذهن القارئ، فكلمة جناح من جنح وهي تدل على قوة أو جهد مستور منتهي بأرجحة منضبطة، وسمي عضو الطيران للطير جناحاً لتحقق به المعنى لكلمة جناح، وليس كل جناح هو عضو الطيران الريشي، نقول جنحت الباخرة إلى الشاطئ إذا مالت بقوة وشدة على جنبها على أرض الشاطئ أو رماها الموج على الشاطئ وخرجت عن مسارها، ونقول الأجنحة في المعرض، وهي الأقسام المختلفة التي تؤلف المعرض كله، فالملائكة التي جعلها الله رسلاً دعمها بأجنحة بمعنى قوى ثنائية أو ثلاثية أو رباعية ويزيد في الخلق ما يشاء، وكلمة يزيد فتحت حال القوى فوق الرباعية ولم تحصرها عليها، بخلاف نصالنكاح فقد أغلقها عندما وقف عند كلمة (رباع) التي هي المرأة الأخيرة التي أتت في المرتبة الرابعة وهي واحدة ولكن ربعت من سبقهاً وجعلتهم أربعة،وليس ذاتها أربع نساء، وبهذا التوقف أنهى الزيادة على المرتبة الرابعة مثل البطولة وتكريم الفائزين فالمرتبة الرابعة للفائز هي الأخيرة ولا يوجد بعدها أحد.
لذلك ؛ لا حجة ولا وجهة نظر ولا يوجد شبهة دليل على أن نص النكاح مفتوح دون حد لعدد النساء.