هل الموت نهاية لحياة الإنسان؟

عندما بلغ الإنسان سن الرشد،وتفاعل مع الواقع طبيعة واجتماعاً بواسطة الفطرة والعقل وصل إلى وجوب وجود الخالق للسموات والأرض ضرورة، فآمن به غيباً، وانطلق في الحياة الدنيا تفاعلاً وفاعلية على صعيد النفس والمجتمع والواقع، واستنتج أن الموت ليس نهاية لحياة الإنسان، وإنما هناك حياة أخرى أبدية، لها قوانين خاصة بها، وبناء على هذا المفهوم كَيَّفَ الإنسان سلوكه في الحياة الدنيا ليستعد للحياة الآخرة، وعَدَّ أن الحياة الدنيا هي مزرعة للآخرة، فما تزرعه سوف تحصده، فانظر ماذا تزرع.

فما هي البراهين العقلية والعلمية التي تم الاعتماد عليها من قبل المجتمعات الإنسانية لإثبات وجود الحياة الآخرة بعد الموت؟

1- غائية المخلوقات: نظر الإنسان إلى المخلوقات حوله من أرض وبحر وسماء وحيوانات وحشرات وفيروسات وبكتريا , واكتشف البروتون والإلكترون والفوتون ووصل إلى الكواركات…الخ، وشاهد أنَّ لكل مخلوق منها وظيفة يقوم بها ضمن المنظومة التي ينتمي إليها فلا يوجد مخلوق دون غاية، وشاهد الإنسان أن وجوده منفرد دون غيره بعقله وإرادته فعلم أن غاية وجوده موكولة إلى نفسه ليقوم بإرادة حرة في التحرك المتوازن ضمن منظومته الإنسانية المرتبطة بالمنظومة الكونية، وكونه يملك العقل والحرية فلابد ضرورة من المسؤولية،والمسؤولية تقتضي ضرورة وجود الحياة الآخرة دار الحساب. 

2- سرمدية المادة: درس الإنسان المادة فوصل إلى أنها لا تفنى من حيث الوجود، وإنما تتحول من صورة إلى أخرى، وتخضع لقوانين الصورة الجديدة ,نحو تحول الماء إذا تعرض للحرارة إلى بخار، فعلم أن الوجود خُلِقَ ليستمر ولم يخلق عبثاً، فأدرك أن الموت ليس نهاية لحياة الإنسان، وإنما هو مرحلة تحول إلى حياة أخرى تخضع لقوانين جديدة.

3- قانون التناقض الجدلي للمادة: اكتشف الإنسان أن المادة يحكمها قانون جدلي تناقضي ثنائي يؤدي إلى تطور المادة وهلاكها أخيراً، وتحولها إلى مادة أخرى جديدة وذلك من خلال سير الكون كله باتجاه الموت, وعَبَّر العلماء عن ذلك بقولهم: إن الكون بمثابة صاروخ ينطلق بسرعة شديدة يوشك أن ينتهي وقوده! ليحصل الانفجار الكوني العظيم الثاني تمهيداً لقيام خلق آخر وعالم جديد على أنقاض الأول بقوانين جديدة.

4- النفس سرمدية, بينما الجسم فان متحول: عَلِمَ الإنسان من خلال تفاعله مع نفسه أن النفس لها وجود مختلف عن وجود الجسم رغم العلاقة الجدلية بينهما، فالإنسان هو نفسه بصورة جسمية متحولة هالكة، فالوعي والإدراك والإرادة والعاطفة والعلم صفات لنفسه لا لجسمه، والشخصية هي تشكيل النفس على مفاهيم معينة يتم صدور السلوك منها مستخدمة الجسم في ذلك، ومن هذا الوجه قال الشاعر:

انهض بنفسك واستكمل فضائلها فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان

5- قانون التناقض الجدلي الثنائي الفكري ( قانون أخلاقي وقيمي): يعيش الإنسان في مجتمع يحكمه قانون جدلي تناقضي مثل العدل والظلم، والحرية والاستعباد، والمشاركة والاستبداد… الخ، فعلم أن ذلك الوضع غير دائم، وإنما هو مرحلة مؤقتة، لأن الحياة الأبدية ينبغي أن تقوم على السلام والمحبة والعدل والخير, ولا وجود للحرب أو الكره أو الظلم أو الشر فيها.

6- مفهوم الحياة الدنيا برهان ثقافي على وجود الحياة الآخرة: إذا درسنا ثقافة المجتمعات الإنسانية نجد أن مفهوم الحياة الدنيا موجود وموغل في الثقافة وقديم قِدَم الإنسان نفسه، فالسؤال الذي يفرض ذاته هو من أين جاء وصف هذه الحياة بالدنيا إذا لم يكن مفهوم الحياة الآخرة كامناً في ثقافة المجتمع، ومن المعلوم أن الأمور ثنائية في الوجود؟.

7- إخبار الأنبياء والرسل قومهم بوجود الحياة الآخرة بعد الموت:

بشَّر الأنبياء أقوامهم ـ بموجب الوحي الذي أنزله الله تبارك وتعالى على قلوبهم ـ أن الموت مجرد بوابة يعبرها الإنسان إلى حياة أبدية لا فناء فيها، حياة تُنصف المظلوم وتُنزل العقاب العادل بالظالم، ويسكن المؤمن الصالح في رحاب جنات الخلود، وقال الرسل لأتباعهم:

  أيها الناس! لا خوف من الموت لأنه ليس نهاية لحياة الإنسان، وإنما هو مرحلة انتظار وانتقال إلى حياة أخرى، فسارعوا إلى العمل الصالح وعمارة الأرض بالعدل والسلام والمحبة والخير، ليكون ذلك رصيداً لكم في الآخرة، فأنتم الذين تكدسون في صوامع الآخرة  ما تزرعونه في تراب الدنيا.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ *ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ }الحج 5-7