العدل ليس صفة لحكم الله

ينبغي أن نقف عند عدة نقاط مهمة في البحث ونسأل أنفسنا:

1- لماذا لم يسم الله نفسه العادل؟

2- لماذا لم يصف الله حكمه بالعدل؟

3- لماذا بدل أن يثبت الله  لنفسه العدل نفى الظلم عن نفسه؟

وما الفرق بين إثبات العدل ونفي الظلم عن نفسه؟

الجواب عن هذه النقاط نجدها في هذا البحث.

مفهوم العدل يُساء فهمه كثيراًً من معظم الناس ويستخدمه بعضهم في ذم الإله أو الإلحاد ظناً منهم أن العدل هو فعل لله متعلق بالناس أو اسم من أسمائه، والصواب أن كلمة (عادل) لم ترد في القرءان مضافة لله قط ، وأسماء الله توقيفية؛  بمعنى أننا لا نسمي الله إلا بما سمَّى به نفسه فهو أعلم  بنفسه وما يليق به ومالا يليق ،واسم العادل ليس من أسماء الله ، وكذلك ليس (العدل) من صفات حكمه أيضاً و الكلمات التي تأت صفة لفعله مثل كلمة ( الصنع) (لايصح اشتقاق منها اسم الصانع، فالله لايُسمى إلا بما سمى به نفسه فأسماؤه توقيفيةوغير متروك للناس حرية التسمية له على هواهم فهو أعلم بما يسمي نفسه.

أين أضيفت  صفة العدل لله في القرءان كاسم لنفسه مثل الرحمن والرحيم {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ }الفاتحة1،

أو لفعله مثل صفة الإتقان{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ }النمل88، ونقول:إن صنع الله متقن، وكذلك صفة العدل لم تتعلق بالقرءان إلا بفعل الله الكوني{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }الأنعام115، وكلمات الله هي عين الموجودات وهي غير كلام الله، وذلك لأن الوجود الموضوعي الكوني خال من الشعور الواعي والانفعالات والمعوقات الاجتماعية، ولم يصف الله فعله كحكم المتعلق بالناس بالعدل قط، وإنما نفى عن نفسه فعل الظلم للعبيد يوم القيامة، لأن كلمة ) العبيد)  لاتستخدم كجمع لكلمة(عبد) إلا في حالة نفي الحرية والاختيار، وهذا لايكون إلا يوم القيامة بخلاف كلمة(عباد ) فهي تدل على الحرية والاختيار،والعدل هو إعطاء كل ذي حق حقه حسب جهده وما قدم ، من عمل له أجراً حسب ما عمل، بينما نفي الظلم هو أمر فوق العدل ويأخذ بعين الاعتبار المعوقات والقدرات والنوايا وهذا لا يكون إلا لله الخالق المدبر فهو العالم بخفايا النفوس وما غاب من الأمور.

الله يأمر الناس بكثير من الأمور مثل الصلاة والصيام والزكاة وإيتاء ذي القربى ولا يعني أن ما يأمر به الناس ينبغي أن يفعله هو، فهذا فهم غير صواب لأن الله غير خلقه،. وقد أمر الله  الناس بالحكم بالعدل فقال: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النحل90

فهل الله عادل أو صفة فعله العدل؟

الجواب بالنفي قطعاً فالله ليس عادلاً كاسم له ولا يوصف حكمه بالعدل.

هل نفي العدل عن فعل الله يقتضي الظلم ونقول :إن الله ليس عادلاً بمعنى إنه ظالماً؟

والجواب أيضاً لا يشترط  نفي العدل عن الحكم أن يكون الحكم ظالماً، بينما نفي الظلم عن الفعل تضمن العدل ضرورة وتجاوزه إلى شيء أكثر من العدل، وبالتالي وصف الحكم الإلهي إنه عادل أو بالعدل هو نقص بالنسبة لله لأنه يوجد أكمل من العدل وهو الرحمة والحكمة، ومن هذا الوجه نفى الله الظلم عن حكمه وفعله {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ }آل عمران182، { وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَاتُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّإِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }البقرة 272، فلم يستخدم وصف إثبات  العدل قط ، وإنما نفى عن نفسه وحكمه الظلم، وهذا يدل على أن حكمه يقوم على  الرحمة والحكمة  وليس العدل.

بينما الناس مأمورين بالحكم بالعدل لعدم قدرتهم على الرحمة والحكمة في كل شيء لمحدودية علمهم وقدراتهم وتعاملهم مع الأمور على الشكل والظاهر ومافعل الإنسان، فمن لم يعمل لا أجر له وهذا عدلاً ، ولكن الرحمة والرأفه والحكمة هي تجاوز ذلك والنظر إليه بإنسانية وأخذبعين الاعتبار الظروف والحيثيات كلها وإعطائه مايسد به رمقه وحاجياته بما يحفظ إنسانيته وحياته وكرامته.

فالعدل متعلق بالأمور التي تحصل من الإنسان وتصدر منه، ومن نوقش الحساب هلك ، ونحن ندخل الجنة بعملنا الصالح وبرحمة الله وحكمته، ولو حكم بالعدل فينا لهلكنا، بينما يدخل أهل النار بنفي الظلم عنهم وليس بالعدل ومع أخذ بعين الاعتبار كل وسيلة لرحمتهم وإنقاذهم من النار ولكن عملهم الفاسد والإجرامي وخبث نفوسهم وإصرارهم على ذلك لم ينقذهم قط،  ولم يَعطوا سبب لنزول رحمة الله عليهم.

لذلك صفة العدل ليست مدحاً لله  لقصورها عن معنى العظمة و الجلال والحكمة والرحمة لذلك أتى النص بنفي الظلم عن الله يوم القيامة ولم يذكر العدل{ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}آلعمران182.

وأمر الله الناس بالحكم بالعدل بينهم بما يرون ويظهر لهم{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ والبغي يعظكم لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النحل90، فالعدل صفة لفعل الإنسان وليس لفعل الله ولا لتشريعه؛ لأن تشريع الله اجتماعي وحدودي وليس فردياً ولاعينياً، وتحقيق العدل في المجتمع وبين الناس في علاقاتهم أمر مناط بالإنسان{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّايَ عِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً}النساء58.

لذا؛ لاقيمة علمياً ولادينياً لشبهة الملحد الذي يقول:لماذا وُلد هذا الطفل أعمى والآخر مشلول ، أو لماذا حصل الحادث المأساوي مع فلان وما شابه ذلك ؟ ويحاول أن يسال عن العدل الإلهي في ذلك، هذه الأفعال هي من خطأ الإنسان بشكل من الأشكال سواء علم بخطئه أو لم يعلم، أو كان نتيجة خطأ ممارسات آبائية ، مثل الزواج من الأقارب عامل أساسي في حدوث مثل هذه الأمور، أوتناول بعض المواد الغذائية الضارة مع الزمن أوتناول الأدوية أثناء الحمل،أو تعرض المرأة لصدمات نفسية في أشهر الحمل الأولى أثناء تكوين جسم الجنين ونفسه…..الخ، أو استخدام خطأ لقوانين الله  في الوجود أو غير ذلك مما لانعلمه، فخلق الله كامل ومتقن،{الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ }الملك3،{صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَاتَفْعَلُونَ }النمل88 وعندما يتدخل الإنسان قصداً أو خطأً بسير سنن الله ويخرجها عن سيرها تكون النتائج وخيمة ومهولة والإنسان يتحمل نتيجة خطئه{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}آل عمران165،{وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ }الشورى30.

وقد يقول أحدهم: لماذا لا يتدخل الله في فعل الإنسان المخرب الظالم ويوقفه عند حده؟

والجواب هو إن فلسفة الحياة الدنيا قائمة على الحرية ومقام الخلافة  للإنسان،وهو المسؤول عمَّا يجري فيها من إيمان أو كفر أو فساد {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }الروم41 ، وعليه تحمل مسؤوليته وتغيير الشر بالخير ، والفساد بالإصلاح، والظلم بالعدل، والحرص على عمارة البلاد وفق سنن النهضة والخير والرشاد للمجتمع،والتغيير اجتماعي وليس فردياً، والفرد يتأثر بالمجتمع ويخضع له، وقديصير ضحية لتخلف المجتمع كما هو مشاهد.

{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَلِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُالْغَفُورُ }الملك2

{ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَابِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ }الرعد11

ويُعوض الله على الناس يوم القيامة ماخسروا ودفعوا ثمن أخطاء غيرهم  حتى يرضوا وأكثر، ويذهب من نفوسهم الحقد والغل،ولا يوجد مقارنة ما بين المحدود، و الغير محدود، فمثلاً من خسر درهماً في حياة محدودة لن يحزن عليه حين يُعوض بدل منه مليون درهماً في حياة غير محدودة{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُلِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}الأعراف43{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}الحجر47

{فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ }الشورى15

ولذلك بالدعاء لا نسال الله العدل بنا وإنما نسأله الرحمة والمغفرة ، اللهم ارحمنا واغفر لنا