العلم محلُّه المثانة أم العقل
قال شيخ أزهري: إنّ الأحاديث التي تقول: إنّ امرأة شربت من بول النَّبيِّ، وأُخرى كانت تجمع عرق جسمه وتضعه في قارورة لتستخدمه عطرًا فيما بعد، والصحابة كانوا يتسابقون للحصول على نخامة النَّبيِّ، ويمسحون بها وجوههم، هي أحاديث صحيحة.
وقال بجواز التبرك بفضلات النَّبيِّ.
فتلقف ذلك الرأي العجيب شيخ صوفي، وقال لمريديه: نحن معشر العلماء ورثة الأنبياء في العلم والفضل. فمِن الطبيعي أن يُعاملنا المريدون كما كانوا يعاملون الأنبياء، من حيث التعظيم، والطاعة، وتقبيل اليد والخدمة، إلى التبرك بفضلاتنا أسوة بالنَّبيِّ العظيم.
قال مريد: ما هي الوسيلة يا شيخنا للحصول على فضلاتكم؟
الشيخ: لنتداول الموضوع مع باقي الإخوة، فماذا تقترحون؟ أجاب مريد آخر: أقترح يا شيخنا أن يتم جمع البراز والبول في عبوات مغلفة ليتم توزيعها على الإخوة المريدين.
الشيخ: نِعْمَ الرأي! أحضروا العبوات اللازمة لذلك.
المريد: أنا سوف أحضر تلك العبوات.
وفعلًا؛ بذل الشيخ جهدًا مشكورًا وقام بتعبئة العبوات بفضلاته الوفيرة، هذه لعرقه، وهذه لبوله، وأخرى لبرازه، وظهرت فكرة اقترحها أحد المريدين الأذكياء، وهي محاولة إيجاد وسيلة لتعبئة فضلات الشيخ الغازية، وهي الآن بصدد الدراسة!
طَرَقَ ذلك الحدثُ الغازي سمع أحد أصحابي، وسرعان ما قَدِم إليَّ، وأخبرني الخبر البرازي المهول.
قلت: قم بنا إلى الشيخ، ونتأكد من الخبر بأنفسنا!
عندما وصلنا إلى مركز الشيخ، رأينا مريديه متجمِّعين حوله، يحاولون أن يأخذوا زفير الشيخ، ليكون شهيقًا لهم.
ألقينا السلام على القطيع! وطلبنا الإذن بالكلام من كبيرهم، فأومأ بيده أن تفضلا بالكلام.
قلت: يا شيخ! سمعت أنك تأمر بتعبئة فضلاتك المادية، والسائلة، والغازية في عبوات، وتوزعها على مريديك للبركة!
الشيخ: نحن لم نأمر بهذا، ولكن المريدين بارك الله فيهم؛ عرفوا لأهل الفضل قيمتهم، وعظمتهم، فسارعوا إلى فعل ذلك محبة من تلقاء أنفسهم.
قلت: ولكن كيف تسمح بهذا العمل المشين؟
الشيخ: مهلًا يا بُني! إنّ هذا العمل قد سمح به النَّبيُّ العظيم لأصحابه، كما ورد في كتب الحديث بسند صحيح.
قلت: يا شيخ! على سبيل الافتراض أن ذلك حصل من النَّبيِّ مع أصحابه، فما علاقتك بذلك؟
الشيخ: قاتل الله الجهل ألا تعلم يا بني أنّ العلماء ورثة الأنبياء؟ فيجب أن يتم معاملة العلماء مثل معاملة الأنبياء تمامًا!
قلت: يا شيخ! أولًا الخبر يتكلم عن العلماء، وأنت مع احترامي لك، غير مَعنيّ بالكلام، لأن العلم هو شيء مرتبط بالوجود الموضوعي، ابتداءً من العلم بالله U إلى العلم بأفعاله، وكيف تحدث، وما هو القانون الذي يحكمها مثل علوم الرياضيات، والفيزياء، والكيمياء، وغيرها، أما معرفة نواقض الوضوء، أو أحكام الصيام، أو تلاوة القرءان، وما شابه ذلك، فهذا ليس علمًا، وإنما هو معرفة فقهية لا تحتاج إلى دراسة، وتفكير، وسير في الأرض، فالتفكير مرتبط بالعلم، والتعقل والفهم مرتبط بالفقه.
وأنت يا شيخ إن كان لابُدَّ من تصنيفك، فأنت من الفقهاء، وليس من العلماء، فلا يصح أن تطبق هذه المقولة عليك؛ لأنها لا تشملك.
الشيخ: هذا الذي تقوله منطق بيزنطي! فالفقه والفهم، والعلم والإدراك، كلها ألفاظ لمدلول واحد، وبالتالي، لا قيمة لكلامك من الناحية العلمية.
قلت: سوف أفترض صواب كلامك، وأقول: إنّ الفقهاء والعلماء هم في مقام واحد، وبالتالي يشملهم الحديث، وأسألك الآن سؤالًا: ماذا ورث العلماء من الأنبياء؟
الشيخ: لا شك أنهم ورثوا العلم! ولكن بما أنهم أوعية للعلم، فقد وجب تعظيم أجسامهم، والتبرك بفضلاتهم.
قلت: يا شيخ! وعاء العلم هو العقل أم المثانة؟
الشيخ: إنك تُقَلّل من قيمة العلم بسؤالك التافه هذا!
قلت: أريد أن أصل إلى أن القيمة موجَّهة إلى ما يخرج من العقل من علم وحكمة، لا إلى ما يخرج من المثانة من بول وغيره!
وتابعت حديثي خشيةَ أن يُنهي الحديث بسرعة كعادة المشايخ.
فقلت: أيكون الفضل بين الأنبياء، والعلماء، والناس بالعلم، والأخلاق، أم بالفضلات على مختلف أنواعها؟ وهل يختلف بول، وعرق، وبُصاق النَّبيِّ عن سائر فضلات الناس؟ بمعنى آخر أتصدر هذه الفضلات السائلة، والغازية، من الجسم والمثانة، أم من العقل والعلم؟
الشيخ: لقد صبرتُ عليك كثيرًا، فانصرف عنّا، وإلا سلطتُ عليك المريدين.
فانصرفت ناجيًا بجلدي.
اضف تعليقا