نساؤكم حرث لكم

[نساؤكم حرث لكم فأتواحرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين ] البقرة 223 .
إنَّ عُلماء التّفسير قد جعلوا هذه الآية تفسيراً للآية التي قبلها، وذلك تأثُّراً بالتلمود، الذي جُعلَ منظاراً يستخدمه عُلماء التّفسيرلفَهْم القُرآن، فأصبح التلمود حاضر بجانب القُرآن كَتفسير، القُرآن للتّلاوة، والتلمود للتّفسير والدّراسة ولبناء الثّقافة الإسلاميَّة، وتمَّ نَشْر ذلك تحت مظلَّة القُرآن، ومازال يستمرُّ في عمليَّة رَفْد وتأسيس الثّقافة الإسلاميَّة.
إنَّ النَّصَّ الذي قبل النَّصِّ المذكور هُو:
[فإذاتطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ] البقرة 222.
إنَّ حُكْم إتيان المرأة في قُبُلها ـ بأيِّ وضع كان ـ هُو أمر معلوم بالضّرورة للنّاس، والمشرع قد تضمَّن هذا المعنى عندماحصر عمليَّة النّكاح ألاَّ تكون إلاَّ في القُبُل، وهذا واضح صريح في النَّصِّ.
وبالتَّالي؛كُلُّ إنسان يفهم أنْ له الحُرِّيَّة بأنْ يختار الشّكل والوضع الذي يُريد؛ بشرط أنْ يكون النّكاح في القُبُل حصراً، ولا حاجة لنُزُول أيَّة آية وراء الآية التي تضمَّنت هذا الحقَّ؛ لأنَّ ذلك يُعدُّ تكراراً وعَبَثَاً، والقُرآن مُنزَّه عنه. ممَّا يدلُّ على أنَّ الآية الثّانية لا علاقة لها بمضمون الأُولى، لا من قريب، ولا من بعيد، وإنَّما هي تتكَلَّم عن موضوع آخر تماماً لا علاقة له بالنّكاح أبداً.
نُلاحظ في النَّصِّ أنَّه يحتوي على أربعة أفعال مُتلازمة مع بعضها، وهي (فأتُوا، قدِّموا، اتقُوا،اعلمُوا)، وكَلمة (الحَرْث)تدلُّ على الجَمْع والكَسْب، ولأنَّ النّكاح أمر لا علاقة له بالنَّصِّ، فكَلمة (النّساء) ليست جَمْعَاً للمرأة قطعاً؛ لأنَّها لو كانت جَمْعَاً للمرأة لانتفى عن النَّصِّ مضمون الأفعال الأربعة؛ لانتفاء وُجُودعلاقة بينهم وبين عمليَّة حُرِّيَّة إتيان نكاح المرأة بالشّكل الذي يُريد الرّجل؛ ممَّا يدلُّ على أنَّ كَلمة (نساؤكم)هي جَمْعٌ لكَلمة (نسيء)، والمقصود هُو أنْ يقوم الإنسان بالعطاء والصّلة (فأتوا) للنّاس المُتأخِّرين اجتماعيَّاً واقتصاديَّاً وثقافيَّاً،فهؤلاء مكان للحَرْث (العمل الصّالح) بأيِّ طريقة مشروعة، يترتَّب عليها رَفْع وإعالة هؤلاء النّاس على الصّعيد الاجتماعي والاقتصادي والثّقافي، من الكَلمة الطَّيِّبة، إلى الطّعام الطَّيِّب، والملبس الحَسَن،والمسكن الدّافئ، فإتيان الحَرْث أمر تحت مُتناول يد النّاس جميعاً، فَمَنْ لم يستطع دَفْعَ المال يقوم بجَمْعه، والحضّ على فعل الخير، أو يقوم بتعليم وتثقيف النّاس [ وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر] [ وتعاونوا على البر والتقوى ] ، فأبواب الخير كثيرة جدَّاً، لايعجز الإنسان عن إتيانها أبداً.
ويُتابع النَّصُّ أنَّ هذه الأعمال الصّالحة التي قُمتُم بها إنَّما هي ـ في الحقيقة ـ تقديم لأنفسكم؛لأنَّها سوف يُثيبكم اللّه عليها الثّواب العظيم يوم القيامة، فاتقوا اللّه، وآتوا حَرْثكم كيفما شئتُم ضمن إمكانيَّتكم، ولايُوجد إنسان لا يملك شيئاً يُقدِّمه للمُجتمع؛ ابتداءً من أُسرته الصّغيرة، إلى الأكبر » الأقربون أَولى بالمعروف «، واعلموا أنَّكم سوف تُردّون إلى عالم الغيب والشّهادة، وسوف يُحاسبكم لماذا لم تعملوا الخير؟ فلا يكفي للإنسان أنْ يبتعد عن الشَّرِّ، بل لابُدَّ له من أنْ يعمل الخير؛ لأنَّ دُخُول الجنَّة مُرتهنٌ بالعمل الصّالح[ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ] وأخيراً؛ بشِّر الذين اتَّبعوا واستجابوا لأمر اللّه بأنَّهم قاموا بفعل العطاء والصّلة لنسائهم (المُتأخِّرين) على الصّعيد الاجتماعي، أو الاقتصادي، أوالثّقافي بمغفرة من اللّه ورضوان.