تدبر آيات المواريث

ينبغي أن نعلم أولًا بأن الأصل في التركات هو الوصية وليس الإرث، وذلك لأسباب عديدة، منها؛ أن الموصي على علاقة وتعايش مع ورثته وهو أدرى بأحوالهم واحتياجهم، وهو يحاول أن يتوخى العدل في وصيته وليس المساواة، وفي حال لم يوص لسبب أو لآخر  كموت الفجأة فلا بُدَّ من توزيع التركة حسب ما نص عليه المشرع في كتابه.

وانطلاقًا من أن النص القرءاني  نزل بلسان عربي مبين، وليس بما شاع على ألسنة الناس من استخدامات، وهو محكم وحق وصدق لا يوجد مجاز فيه، ويستخدم كل لفظة في مكانها المناسب، ويقصد معناها وليس عبثًا ولا حشوًا،(إذا اختلف المبنى اختلف المعنى)، وأن الله عليم وحكيم ورحيم وتشريعه مُعلل وله مقاصد نفعية للناس، ولا يوجد عنده محاباة أحد على أحد من عباده، ولا نوع ذكر على أنثى أو العكس، والتفاضل يكون بمدى عمل الإنسان ونفعه للمجتمع، فإننا سنقوم بتدبر الآيات المتعلقة بالموضوع  من خلال استحضار المنظومة القرءانية العامة والمقاصد لتكون حكمًا وموجهًا في دراسة النصوص وترتيلها وتقاطعها مع بعضها وتداخلها وتكاملها، والتعامل مع النص القرءاني كخطاب صدر من عالم حكيم إلى عاقل متعلم.

ينبغي توضيح بعض النقاط: ونبدأ بعون الله وتوفيقه.

– الميراث يتعلق بالنسب والقرابة المباشرة، فلا يصح إدخال فيه أحد من خارج دائرة النسب والقرابة بحجة عموم معنى كلمة الأب أو الأم أو الابن أو الأخ…لسانًا.

– الإخوة إخوة سواء أكانوا أشقاء أو من أحد الوالدين.

– لا يصح إدخال في الميراث ما لم يأت ذكره في النص صراحة أو تضمنًا أو فهمًا أوليًّا من دلالة النص.

سكوت المشرع عن ما هو معلوم منطقًا ويصل وحده للمتلقي فلا يذكره صراحة بالنص ويتركه لفهم القارئ، مثل – التفريق بين صياغة (ما ترك) التي تتعلق بالتركة مباشرة ويكون الوريث له الأولوية في الأخذ.

وصياغة (مِمَّا ترك) التي تدل على أن الوريث ليس له الأولوية ويوجد من سبقه بالأخذ من أصل التركة ونصيبه يُحسب من التركة الباقية.

–  التحرر من مفهوم الذكورة والأنوثة النوعي إلى المستوى المقامي الفاعل والمنفعل دون إلغاء المفهوم النوعي ويفهم كل نص حسب سياقه ومحل تعلق الخطاب.

– ابن الابن ابن مهما نزل، وأبو الأب أب مهما صعد، وإن غاب أو هلك أحدهم حل الآخر محله حسب الترتيب الزمني، بمعنى إن مات الأب وكان الجد على قيد الحياة يرث محل ابنه، وإن مات الأب؛ وكان الجد على قيد الحياة وله أحفاد من ابنه المتوفى فهم يرثون جدهم بدل أبيهم.

– ينبغي الانتباه إلى أن الدولة وريث حاضر عندما يغيب الوريث، أو يبقى جزء من الورثة لا صاحب له فيكون من نصيب الدولة.

– لا يصح استخدام العَول(1) في المواريث ولا حاجة له، بخلاف الرد.

(1) العول في اللغة بمعنى: الزيادة، وبمعنى: النقصان، وبمعنى: الارتفاع، وبمعنى: الجور، وبمعنى: الميل، وبمعنى: الغلبة، وبمعنى: القيام بكفاية العيال، والإشراف عليهم والنفقة عليهم، إذن: زيادة ونقصان وارتفاع وجور وميل وغلبة وقيام بكفاية العيال، هذه كلها معاني العول في اللغة، ومعناه عند الفقهاء، زيادة في الأسهم مع نقص من مقاديرها وهي الأنصبة.