خطورة التقليد في الفكر الحر والانبهار بنتاج المفكرين

ابتلينا بظهور فئة تنتسب للفكر الحر وتدعي اتباع المفكرين المبدعين الأحرار ولكنهم في الحقيقة مقلدين ومنبهرين بإنتاج المفكرين فأطّروا عقولهم بأقوالهم ولم يستطيعوا التفكير الحر، ونموذح على ذلك قول أحدهم : إن الكلمة في اللسان العربي لها معنى واحد أينما أتت وفي أي استخدام وضعت ! بحجة قاعدة إذا اختلف المبنى اختلف المعنى!
والصواب إن الكلمة لها مفهوم لساني واحد ثابت ولكن لها معاني متعددة بعدد طرق استخدامها في السياقات المختلفة حين تعلقها بمحل الخطاب وكل هذه المعاني محكومة بالمفهوم اللساني لاتتجاوزه. مع الانتباه إلى أن شرحنا لمعنى كلمة يلزمنا أن نستخدم عدة كلمات لتقريب المعنى للمتلقي وهي ليست بدل الكلمة المشروحة ولاتحل محلها، وحينما يحصل المعنى في ذهن المتلقي نطلب منه حذف هذه الكلمات والاحتفاظ بما حصل عنده من معنى، فالكلمة لايدل عليها إلا ذاتها. مثلا
   كلمة ضرب تدل على إيقاع شيء على شيء يترك فيه أثراً ، هذا كمفهوم ولايظهر معناها إلا إن قمنا باستخدامها في سياق معين وهذا دلالة قول النحاة: لايظهر معنى الكلمة إلا إن وضعت في جملة. انظروا إلى اختلاف المعاني لكلمة ضرب حين الاستخدام كيف يتحول من دلالة مادية إلى معنوية وينتقل المعنى من حالة إلى أخرى حسب اختلاف الإستخدام لها وما يقصد المتكلم منها فهو سيد الكلام
– {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا }البقرة26
– {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً }البقرة60
– {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ }آل عمران112
– {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً }النساء34
وانظروا إلى كلمة الحق
كلمة الحق تدل على الثبوت واللزوم والصحة والإحكام…الخ، ولايشترط الموصوف بها أن يكون له وجود موضوعي قائم بذاته، فيمكن أن تكون وصفًا لشيء معنوي مثل حقوق الناس والحكم على الأفكار ، أو لشيء يقوم بغيره لزوماً مثل أسماء الله الحسنى ، وأبعاد المادة مثل الطول والإرتفاع والزمن والحركة والكتلة …الخ، فهذه كلها حق بمعنى ثابتة ولازمة . فكل هذه الأمور هي حق من حيث الوجود بمعنى ثابتة ولازمة وليست وهماً ولا باطلاً كما أن صفة الوجود لايشترط لها أن تتعلق بوجود ذاتي (مادي) مثل وجود الله الأزلي ووجود الكائنات الأخرى الحادثة، ويمكن أن تكون وصفاً يتعلق بهذا الوجود مثل أسماء الله الحسنى( الحي والقيوم والعليم والحكيم والرحيم ) فهي ليست أسماء اكتسابية ولها وجود وصفي قائم بذات الموصوف على الوجه الذي يليق به وحسب كينونته وليست وهماً أو باطلاً، وكذلك الأبعاد للمادة فهي وصفاً لازماً لها حسب كينونتها وليست وهماً ولاباطلاً. ولذلك حصر دلالة كلمة الحق بالوجود الموضوعي المادي فقط هو تعريف قاصر وينبغي توسيع المعنى حسب الاستخدام والواقع، وينبغي أن نتحرر من الاصطلاحات الوضعية فهي ليست علماً ولابراهيناً بحد ذاتها اقرؤوا:
– {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }الحج6
– {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ }البقرة282 – {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ }الذاريات19
– {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ }آل عمران154