الرسم والخط للنص القرءاني ليس وحياً من الله

المتفق عليه تاريخياً وقرءانياً أن القرءان نزل ذكر صوتي على النبي كملف في قلبه  ولم ينزل في قرطاس، وتلاه على الناس وتناقل كذلك، والحجة ومحل الدراسة هي التلاوة الصوتية وليس الرسم ، ولم يكن مجتمع الصحابة يتعامل مع الرسم والخط وإنما مع التلاوة الصوتية . ومعروف تاريخيًا أن جمع المصحف الذي قام به أبو بكر لم يعتمد به على نسخة النبوة التي كانت في حوزة علي بن أبي طالب،  وتم الرسم للنص القرءاني وفق طريقة ارتضوها في زمانهم ورتبوا السور حسب رؤية خاصة بهم

هذه الأمور ثابتة تاريخيًا وقرءانيًا وليس محل خلاف بين أحد من المسلمين .

أما غير ذلك من ادعاء فهو خاص بصاحبه ولا يملك عليه أي برهان سوى التصورات، وينطلق من نفي علمه بأسباب اختلاف رسم بعض الكلمات في القرءان ليجعلها برهاناً على أن الرسم توقيفي ووحي من الله  . أو يبحث عن نصوص هنا وهناك ليثبت فكرته المسبقة في ذهنه!

والذي يصر على أن الرسم توقيفي ووحي هم أصحاب نظرية الإعجاز العددي لأن نفي ذلك هو هدم لنظريتهم

دراسة نص من المصحف خطأ، وينبغي أن تكون الدراسة للخطاب القرءاني الذي له منهج خاص به غير المصحف؛ لأن المصحف ليس هو القرءان، المصحف هو الرسم للذكر الحكيم، والذكر الحكيم هو الوحي وليس المصحف، انظر للمقطع اللفظي من المصحف الذي يُسمَّى خطأ آية (فويل للمصلين) هل المعنى تم بها ويحسن السكوت عليها؟

والجواب قطعًا بالنفي، وهذا يدل على نفي مفهوم آية عنها؛ لأن الآية مفهوم قائم بذاته يفيد الدلالة والإرشاد، وفي الذكر الحكيم يمكن أن يكون مجموع مقاطع من المصحف آية، فالذكر الحكيم هو الوحي، وليس المصحف، وهو محل الدراسة وليس المصحف.

والذكر الحكيم منظومة عامة تحتوي منظومات تحتها متعلقة بها ومنسجمة مع بعضها لتؤدي وظيفة واحدة ولا تُدرس إلا معًا، ومثلها مثل أجهزة الجسم البشري فهي منظومة واحدة متكاملة، ومن الخطأ دراسة أحدها بمعزل عن منظومة الجسم؛ لأنها في الواقع لا يمكن أن تنفصل.

وهكذا الخطاب القرءاني لا يمكن عضوضته، وما المصحف إلا كمثل كتاب عن الطب البشري لابُدَّ من فصل كل موضوع أثناء الرسم والخط له، أما دراسته فلا بُدَّ أن تُسقط على الجسم واستحضار المنظومة العامة التي تحكمه. والمثل للتقريب، فصياغة الخطاب القرءاني وبُنية الآية كألفاظ مختلف عن بنية ألفاظ الناس رغم أن الأصوات العربية واحدة. فالخطاب القرءاني له بُعدان متلازمان:

أحدهما الصوت العربي المبين، والآخر محل تعلق الخطاب، وعندما نقول آية قرءانية ينبغي أن نستحضر البُعدين معًا مع اشتراط إتمام المعنى للسامع، بخلاف نص المصحف فهو رسم ليس أكثر وهو صامت.

وعدم الوصول إلى مفهوم آية شيء طبيعي في منظومة القرءان؛ لأنه مثل منظومة الكون، فما زال الأمر تحت الدراسة، ولن تنتهي أبدًا، ولن يصل الإنسان إلى العلم بكل سنن الكون وظواهره.

والمهم هو تحديد المنهج والقواعد أولًا، ومن هذا الوجه أعرض مجموعة من النقاط لضبط المنهج:

1- هل كان قوم النبي يعرفون الأصوات العربية الثمانية والعشرين؟ ويستخدمونها في حديثهم؟

-2 هل أتى الذكر الحكيم بصوت عربي (حرف) غير موجود في حديث قوم النبي، وإن كان فما هو؟

3- هل النص الواحد بين نقطتين في المصحف هو آية قرءانية؟

4- هل المصحف الذي بين أيدينا هو القرءان؟

5- شكل الفواصل بين مقطعين الذي اصطلح عليه نجمة هل هو أيضًا وحي، وما هو شكل الفاصل المعتمد إن لم يكن هذه النجمة؟ وأين هو؟ وما دلالته؛ لأنه من الرسم مثل المدّات والدوائر؟

6- كيف كان يتعامل المجتمع الأول مع القرءان مع عدم توفر مصاحف لكل واحد منهم حتى ينظر إلى رسم الكلام ويستنبط من الأشكال والدوائر والمدّات والألفات الصغيرة…إلخ، أم كانوا لا يدرسون القرءان ويكتفون بتلاوته فقط؟

7- إن كان رسم القرءان وحي ولا قيمة لتتابع التلاوة، كيف يمكن أن نتلو الأحرف في بداية السور مثلًا (كهيعص) ألا يجدر بنا أن نلفظها كلمة واحدة، خاصة أنها متصلة، أليس هكذا الرسم؟

8- لماذا لا نلفظ أصوات الأحرف ساكنة بدل أسمائها، أي: نقول: ك – هـ – ي – ع – ص، بدل كاف، هاء، ياء، عين، صاد؟

9- كيف نتلو هذا الحرف في هذه الآية { ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم:1]، بالاعتماد على الرسم فقط دون الرجوع إلى التلاوة الصوتية المتتابعة؟ هل نتلوه بصوت الحرف ساكنًا مجردًا مع المد له (نْ) أم نتلوه (نون) أم نتلوه (نين) أم نتلوه (نيم) أم نتلوه (نان)؟  خاصة مع وجود أحرف تُلفظ: ميم، حاء، قاف، لام…، من الذي يحكم أي صورة للتلاوة هي الصواب، الرسم أم التلاوة، وهذا السؤال مسحوب على كل الأحرف والألفاظ؟

10- ما مدى صواب التلاوات الأخرى غير تلاوة حفص، مع العلم أنها متتابعة، ولا تقل ثبوتًا عنها إن لم تكن أقوى عند المسلمين وهي منتشرة في المغرب العربي؟ يرفضونها لعدم تطبيق فرضيتهم العددية عليها.

11- هل الإعجاز العددي موجود بالتلاوة الصوتية أم لا يوجد فيها هذا الإعجاز، كون أصوات الكلمة يكون عددها أكثر من الرسم الذي يعتمدوه أو يفترضوه؟ فمثلا يقولون : إن عدد أحرف البسملة 19 حرفاً، بسم الّله الرّحمن الرّحيم.

هل فعلًا  هي كذلك كما يقولون؟

ماذا يقول أهل النحو واللسان عن الحرف المشدد ؟ أليس هو تكرار للحرف مرتين؟

أليس حرف المد الألف لكلمة (الرحمان) صوت يلفظ  وهو أصل في الكلمة ؟

نلاحظ وجود حرف اللام  بكلمة (الّله)مشدد وحرف الراء بكلمة (الرّحمن و الرّحيم) مشدد، وهذا يعني وجود ثلاثة أحرف أصلية في الجملة تلفظ.

ليصير مجموع الأحرف التي أهملوها وتغافلوا عنها أربعة، وإذا أضفناها لعدد 19 يصير  مجموع أحرف البسملة هو 23 حرف، وبالتالي سقطت فرضيتهم التسعة عشر

12- هل نزل الذكر الحكيم لنعد أحرفه ونلاحظ طريقة رسم كلماته أم للتدبر والتفكر وتطبيق أوامره.

13- هل يمكن أن نستنبط من عدد حروف الكلمة أو الجملة أو طريقة الرسم  خبر علمي أو غيبي أو مفهوم إيماني أو حكم شرعي أم أن الأمر ينطبق عليه المقولة : علم لا ينفع وجهل لا يضر؟!