مفهوم (عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى )

{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ }{قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً }{نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً }{أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً }

( المزمل 1-4)

فعل ( قم الليل) لا يعني أن ذلك للصلاة الشعائرية ، وإنما لفعل ترتيل القرءان ، والترتيل لا يعني التلاوة وإنما يعني الترتيب والتقليم والترادف للنصوص ذات الموضوع الواحد وتصنيفها حسب المحكم والمتشابه والاستعانة بالواقع لترتيبها أولوياً ومن ثم دراستها دراسة موضوعية من خلال  رؤية عامة لها وفق المنظومة التي تنتمي إليها وإسقاطها على محل تعلقها من الواقع للوصول إلى العلم واكتشاف السنن التي تحكم سيرورة وصيرورة الشيء لتسخيره . ويتابع النص :

{إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المزمل20

الجملة الأولى من النص (رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَار)  جملة خبرية وليست طلبية ولا تدل على حكم شرعي، و تتكلم عن موضوع قيام الليل بالصلاة والذكر والتعبد وأن ما يقوم به النبي ومن معه من الصحابة يعلمه الله، ويتابع النص بموضوع آخر ويوجه إليه النظر والاهتمام وهو قراءة القرءان ، وكلمة القراءة لا تعني التلاوة وإنما تعني الدراسة  والتدبر و التحليل والتركيب والاستنباط  والاستقراء وإسقاط النص على محله من الخطاب، وهذا الفعل التدبري لا يمكن أن يتم للقرءان كله  من قبل أحد وبالتالي أتى النص بصيغة طلب (فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) بمعنى ادرسوا وفكروا بما يتيسر لكم حسب وقتكم وظروفكم وقدراتكم الفهمية ، وذلك لأن الله علم  بظروفكم وأحوالكم واحتياجكم واختلاف قدراتكم الفهمية، وبالتالي ترتيل القرءان وقراءته أمر مناط بفئة  قامت بتفريغ جزء كبير من وقتها وحياتها لذلك العمل، أما بقية الناس فلهم ظروفهم واهتمامهم وأعمال أخرى يقومون بها، وأنهى النص  بتوجيه على التفاعل مع المجتمع والعمل الصالح مادياً ومعنوياً وإصلاحياً وتنموياً لنهضة المجتمع.

ودلالة كلمة ( عَلِم الله) فعل ماض وهو يفيد حسب السياق وتعلقه بالواقع دلالة العلم بما حصل أو ما سوف يحصل وذلك بناء على علم بطبيعة الشيء وحركته وقدراته وظروفه ، فالإنسان كائن محدود القدرات الجسمية والنفسية والعقلية ومنطقياً انه محتاج ويتعب ويمرض.

ومثل ذلك النص التالي:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ }الأنفال65

{الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ }الأنفال66

جملة (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ) ليس نص حكم شرعي وإنما هو نص توجيهي وتعليم وطلب من النبي أن يشجع المؤمنين على القتال ويدفعهم للأخذ باللازم لذلك على صعيد الجانب المادي والنفسي ، والنص يتكلم عن مجموعة وليس عن أعداد فردية تقابل بعضها لا يعني أن الواحد يقابل عشر من المقاتلين،  وإنما يتكلم عن كتلة صابرة متدربة قوية  تتحرك بشكل جماعي منظم  صاحبة مبدأ لا تخشى الموت يمكن أن تجابه جماعة  تكون بعشر أضعافها، وذلك لأن هذه المجموعة ليست صاحبة حق أو مبدأ وهي معتدية وظالمة ويخش جنودها الموت فابتداء هم مهزومون نفسياً ومعنويا ً، أما المجموعة التي بلغت مئة مقاتل بمواصفات قتالية عالية  على صعيد المادي والنفسي والإيماني فهم قادرون على مجابهة مجموعة كبيرة أكثر من عددهم بأضعاف ولا يشترط لدلالة كلمة (ألف) عشر مئات وإنما تدل على الألفة والتأليف والجمع الكبير.

وهذا يعني أن الجيش صاحب الحق  عندما يكون قدراته القتالية المادية واحد على عشر من قدرات الجيش المعتدي يمكن تحقيق النصر بالإيمان والصبر، ودلالة  كلمة ( خفف الله عنكم) لا تعني أن الأمر حكم شرعي وتم تخفيفه، وإنما تعني أن الأمر  ينبغي أن يكون على هذا الوجه ونظرًا لضعفكم المعنوي  والإيماني المعلوم لدينا صار ينبغي أن يعوض ذلك بكثرة العدد وتقليص الفارق مع  جيش العدو إلى درجة المقاربة لهم إلى النصف من حيث العدة والعتاد والمقاتلين  في المعركة و أن يكون قوى الجيش  وقدراته عندكم تكون بنصف قدرات الجيش المعتدي، وبالتالي لا عذر لكم إن خسرتم المعركة .

ولا علاقة للنص بمفهوم الناسخ والمنسوخ.