تأويل النبي يوسف لرؤيا الملك

{وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ }يوسف43.

ينبغي الانتباه لمكانة الإنسان ووضعه الاجتماعي والظروف التي تحيط به لأن الرؤيا يختلف تأوليها حسب الرائي لها.

لا يصح تأويل الرؤيا على شكلها الظاهر وتجسيدها، بل لابد من استخدام أسلوب الرمز في تدبرها وتأويلها، والانطلاق من الواقع ودلالته و فائدتة  إلى لوازمه ومعطياته وما يدل عليه ثقافة وعلماً.

لنقوم بتحليل عناصر الرؤيا معتمدين على الوجود الموضوعي الحق، بداية فعل (أرى) يدل على تكرار الرؤية للملك خلال أيام مما أقضى مضجعه وأثار انتباهه واهتم بالموضوع، و البقرة لا تأكل اللحم فهي نباتية، والحيوان الضعيف الهزيل لا يمكن أن يغلب الحيوان القوي السمين، إذاً؛ ظاهر الرؤيا غير مراد قطعاً؛ بل لا تؤول الرؤيا بظاهرها، فما هو محور الرؤيا؟ إنها البقرة السمينة، والبقرة الهزيلة، لننظر إلى مستلزمات وجود البقرة السمينة وما يتعلق بها، نلاحظ أن النبات شيء لازم لوجودها، والنبات شيء لازم لوجود الماء، والسبع بقرات دلالة على سبع مواسم، والبقرة الهزيلة شيء لازم لفقدان النبات، وفقدان النبات شيء لازم لانقطاع المطر، وانقطاع المطر شيء لازم للجفاف، وسبع بقرات عجاف تدل على سبع مواسم جَفاف، والرؤية للبقرات السمان ابتداء تدل على سنوات الخير مجيئاً أولاً، ومن ثم يعقبها العجاف، وأتى الحل لهذه الأزمة الاقتصادية في الرؤيا ذاتها في قوله تعالى: {وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ}يشير إلى عملية الحفظ من السنبلات الخضر في المواسم السبعة وتيبيسها في سنبلاتها لتكون مونة للسنوات العجاف. وهذا الذي علمه  النبي يوسف عليه السلام بفطنته وذكائه، وأوَّل الرؤيا من خلال تحديد محورها ووضعها في منظومتها التي تنتمي إليها ومعرفة مستلزماتها وما يتعلق بها.