كتاب (الإلوهية والحاكمية)
تقديم الدكتور المهندس محمد شحرور
لقد أسعدني الاطلاع على مخطوط الكتاب الثالث للسيد “سامر إسلامبولي”. الذي اختار له عنوان “الإلوهية والحاكمية”، وأعجبني فيه التسلسل المنهجي في البحث القائم على ما ورد في التنزيل الحكيم من آيات الإلوهية والربوبية.
فالتنزيل الحكيم هو المعين الأول الذي لا ينضب، لكل باحث في أمور العقيدة، وهو الدليل المرشد الذي لا يضل، لكل راغب في فهم مصطلحات التوحيد والإسلام والإيمان والكفر والإجرام والإشراك.
ولقد اعتمد المؤلف في كتابه، على قواعد الترتيل، وعلى تقاطع معلومات الآيات ذات العلاقة بموضوع بحثه، فأتى بحثه متماسكًا واقعيًا، مغايرًا للأساليب المدرسية المتبعة في الدراسات الإسلامية، وانطلق فيه من منطلقات أبرزها وضوحًا:
- ليس صوابًا ما يُقال: إنّ السلف لم يترك في علوم التنزيل شيئًا للخلف.
- ما تزال علوم التنزيل الحكيم، التي تُظهر واقعية التنزيل، وتُثبت مصداقيته في بدايتها بعد جمود الفكر الإسلامي لعدد من القرون، وعدَّ فهم السلف للتنزيل إطارًا نهائيًا لا يجوز؛ بل حتى التفكير بالوقوف عنده.
- لقد أعطانا التقدم في مناهج وأدوات البحث العلمي مجالًا إضافيًا وبُعداً جديداً لم يكن متوفراً في العصور السالفة لدراسة وفهم التنزيل الحكيم.
- ليس الإبداع والتقوى والتفكر وقفًا على أهل قرن بالذات دون غيره، بمعنى أن أهل القرون التالية مُجرّدين من الإبداع والتفكير، وبعيدين عن التقوى، ولهذا؛ فلا مبرر البتة لما نحمله من عقدة الشعور بالدونية تجاه السلف.
- لقد نزل التنزيل الحكيم من حي إلى أحياء، ولهذا؛ فإن على الأحياء في كل جيل تدبره وتأمله، وتوظيف كافة معلوماتهم المتوفرة عن الوجود الكوني لدراسته وفهمه، لأن دراسة التنزيل ابتداء من عصر النبوة، وإلى أن تقوم الساعة، يأخذ صفة التراكم من جيل على جيل مع حنيفية في الفهم بحسب الأرضية العلمية والاجتماعية لكل عصر.
لقد اختار المؤلف لنفسه بحثًا واسعًا مُترامي الأطراف متشعب الفروع، هو التوحيد، كما نتمنى لو أنه توسّع فيه أكثر مما فعل، ونأمل أن نقرأ مستقبلًا ما يُغني هذا البحث على الصعيدين: الأفقي والشاقولي.
يقول الله تعالى: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (آل عمران18)، ونحن حين ننظر إلى التاريخ الإنساني بشقيه العلمي والاجتماعي، ونجد مصداقية هذا القول متجلية فيه، نكون قد برهنا بما لا يقبل الشك على أن الإسلام دين الفطرة، {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حنيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } (الروم30).
من هنا نخلص إلى نقطة مهمة، هي أن مصداقية التنزيل الحكيم لا تَظهر على لسان شخص أو مجموعة أشخاص، كائنًا من كان هذا الشخص، وكائنة من كانت هذه المجموعة، بل يُظهرها تّغير الصيرورة التاريخية للإنسانية جمعاء، وإنّ صاحب الحق الوحيد في إثبات وإظهار مصداقية التنزيل الحكيم هو التاريخ الإنساني السابق لعصر النبوة، واللاحق له إلى أن تقوم الساعة، ولعلنا لا نرى سبيلًا آخر غيره للبرهنة على فطريّة الإسلام ومصداقيته.
نرجو للمؤلف التوفيق والنجاح… ونتمنى مرة أخرى لو نقرأ المزيد من هذه الدراسات الموسّعة المنهجية في أمور العقيدة والتطبيق، دون أن يخشى أصحابها أن تأتي مُغايرة لما قال به السلف.
والحمد لله رب العالمين
د. محمد شحرور
دمشق 1/5/1998
اضف تعليقا