كلمة الرق للإنسان ليست استخدامًا قرءانيًا

يصر كثير من اللادينيين ومعظم عباد المثناة(1) وبعض من يدعون أنهم باحثين أحرار أن الرق لم يحرمه الإسلام ؛ بل أقره وتعامل معه.

بداية كلمة (الرق) لم تأت في الخطاب القرءاني متعلقة بسياق نفي حرية الإنسان أو استعباده.

وأتت مرة واحدة في نص{وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ } [الطور:2-3]، ولا علاقة للكلمة بحرية الإنسان أو نفيها، فهي اصطلاح تراثي لا قيمة له وغير ملزم.

ومع ذلك تعالوا لندرس مدى صواب قولهم: إن الإسلام لم يحرم الرق ؟

أولًا ماذا يعنون بمفهوم الرق؟

الرق عندهم هو استعباد الإنسان ومصادرة قراره وتقييد حريته وامتلاك حق التصرف به بيعًا وشراء وانتفاعًا.

والسؤال:

هل استعباد الإنسان عمل مشروع في الإسلام ؟ أم هو ظلم وتعدٍّ على حقوقه ؟

هل مصادرة قرار الإنسان وتقييد حريته مشروع في الإسلام ؟ أم هو تعدٍّ وظلم واستعباد له؛ لأن الله خلق الإنسان حرًا كريمًا والمجتمعات بعرفها الفاسد استعبدته؟

هل يتعلق حق التصرف بيعًا وشراء بالإنسان نفسه كالمتاع في الإسلام ؟

فمعروف أن الإنسان كائن محترم عاقل يملك نفسه ولا يملكه أحد إلا الخالق، ومع ذلك جعله الله حرًا كريمًا وخليفة في الأرض وليس سلعة تباع وتشترى!

هل الظلم والاستعباد والعدوان ومصادرة قرار الإنسان وتقييد حريته تعسفًا…إلخ يحتاج إلى نص حرفي يُحرمها أم هي معروفة فطرة عند الناس وهي أشد قوة وحقًا من أي أمر آخر؟

ومع ذلك أتت نصوص تحرم الظلم والعدوان وتثبت أن الإنسان حر بنفسه وفكره وحياته، والقرءان كله خطاب لكائن عاقل حر، ولولا ذلك لما نزل القرءان يخاطب الإنسان؛ لأنه لا يصح خطاب الكائن العبد المملوك فاقد الحرية، وهذا يعني أن القرءان كله برهان على إثبات الحرية وتحريم الظلم والعدوان والاستعباد وما سمَّوه بالرق.

وموضوع حق التصرف بالإنسان بيعًا وشراء وحق التصرف به انتفاعًا بجهده موجود قبل نزول القرءان، وعندما نزل تعامل مع تلك الأمور بحكمة لمعالجتها واستخدم صياغة قرءانية عربية مبينة محكمة شملت هذا المفهوم دون أن تقره وهو كلمة (ملك اليمين) وهي عامة تشمل حق التصرف بالشيء على وجهين:

حق تصرف ملكية بيعًا وشراء وعطاء…، وحق التصرف انتفاعًا بالجهد مقابل أجر أو عوض.

وحق التصرف بالإنسان ملكية وبيعًا وشراء أمر حرام فطرة ومعروف؛ مما يعني أن الأصل بمفهوم ملك اليمين هو حق الانتفاع بالشيء جهدًا، وهذا أمر لابُدَّ منه لتسخير الناس لبعضهم والتكامل في أمور المعيشة.

لذلك لا قيمة لقول بعضهم: إن القرءان أقر الاستعباد بمفهوم (ملك اليمين) الذي حرفوه إلى كلمة (الرق)، فالقرءان أقر حق التصرف بالجهد الإنساني والمنفعة دون حق التصرف به ملكية وبيعًا وشراء، واستخدم نصوصًا عامة محكمة للحض على تحرير الناس من كل ما يُقيد رقابهم من ذمم مالية وما شابه ذلك، وهذا يشمل من باب أولى تحرير الإنسان من ظلم الكائن الوحشي الذي استعبده.

والتطبيق التاريخي لهذا المفهوم ليس مصدرًا دينيًا، ولا يصح الاستدلال به على حكم شرعي أو مفهوم إيماني، فالمصدر الدِّيني هو القرءان فقط.

لذا؛ ينبغي أن يكف أنصاف المتعلمين عن الافتراء على القرءان أنه أقر استعباد الناس وامتلاكهم، وبالتالي يكفُّ اللادينيون عن فريتهم تلك؛ لأن اللادينيين تبع لعباد المثناة في نقضهم للدِّين والطعن به.

وليكف أيضًا من يحاول أن يعرض القرءان كخطاب تاريخي انتهى زمانه ليهرب من قصور فهمه لهذه النصوص لغياب المنهج القرءاني عنده، فأقر مفهوم الاستعباد للإنسان في القرءان، ولكن قام بتجميده في ثلاجة التاريخ ووصف هذه النصوص بأنها بدائية ورجعية، وربما وحشية همجية نزلت لعصر أبي جهل وبلال وعمار… وانتهى مفعولها، ولا يصح دراستها وفق الثقافة الحالية والتطور المدني الاجتماعي، هكذا زعم وافترى!

وأخيرًا؛ هل يصح أن يطالب أحدهم بدليل على وجوب التنفس وشرب الماء وتحريم منع ذلك عن الناس؟

أم أن الأمر فطري ولا يجادل أحد به ولا يطلب على ذلك برهانًا لثبوته فطرة وواقعًا؟

الحرية مثل الهواء والماء للإنسان هي تحصيل حاصل، ولو نزل نص حرفي يوجب حرية الإنسان لكان عبثًا وسخرية ومهزلة، فمجرد الخطاب مع الإنسان وأمره ونهيه وتحميله المسؤولية هو برهان على حريته!

ومن يطلب نصًا على حريته كمن يطلب نصًا على وجوده!

{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَىَ لا انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [البقرة:256].

{وَقُلِ الحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا }[الكهف:29].

(1)  كلمة المثناة من التثنية ، وتعني ثني كتب الناس على كتاب الله ومزاحمته بالمصدرية الدينية مثل كتب الحديث والتفسير والفقه وغيرها التي جعلها المسلمون مصدرًا دينيًا مع القرءان.